"المستريح" في مصر.. هل عادت شركات توظيف الأموال في ثوب جديد؟
11:05 - 17 فبراير 2021"كانت مفاجأة كبيرة لي بعد 6 أشهر من إعطاء رجل الأعمال الصغير 75 ألف جنيه لاستخدامها في تجارة الصابون السائل، قبل أن يختفى بشكل مفاجئ وعندما ذهبنا لوالده لشكواه ومحاولة استرداد أموالنا اكتشفت عددا هائلا من الضحايا قد طرق نفس الباب لنفس الغرض"، هكذا تتحدث سيدة تدعى "إ.ج" وهي تصف معاناتها مع أحد النصابين الذين بات يطلق عليهم في مصر مسمى "المستريح".
والمستريح ظاهرة طفت على السطح في الآونة الأخيرة في مصر وأثارت تساؤلات عديدة عن أسبابها وتأثيراتها على المجتمع والاقتصاد، خاصة مع الزلزال الذي أحدثته في بعض المحافظات مثل صعيد مصر، حيث يسهل على النصابين ادعاء الاستثمار في القاهرة بعيدا عن أنظار الضحايا.
وكانت حادثة "مستر حسين" الذي يقول أهالي مدن بني مزار ومغاغة والعدوة بشمال المنيا في صعيد مصر إنه استولى على قرابة مليار ونصف المليار جنيه منهم في عملية نصب كبيرة، قد لفتت الأنظار بشدة مع عدم وضوح أسباب ثقة الناس في هؤلاء الأشخاص دون ضمانات كافية.
مستريح مغاغة...دور رجال الدين
ويقول أحمد راضي الاذي يعمل موجها في مغاغة إن رجال دين ساهموا في إيهام الناس بالأمر عبر شهادات قدموها للمواطنين تفيد بصدقية ادعاءات مستر حسين مما جعل الناس البسطاء تثق في الأمر، لأن من استثمروا في البداية كانوا تجارا، قبل أن يبدأ المواطنون الصغار في الاستثمار، مبينا أن هذا الأمر يحدث منذ ثلاث سنوات لكنه طفا على السطح في العام الأخيرة فقط.
وكان المستشار أبو الوفا عيسى المحامي العام لنيابات شمال المنيا، قد أمر بحبس "حسين. ا. ا" 42 سنة، المعروف باسم مستر حسين مقيم بقرية قفادة بمركز مغاغة في المنيا، والمعروف إعلاميا بمستريح المنيا، وأحد معاونيه "علاء. ا. ع " على ذمة التحقيقات.
الصابون السائل
أما إنجي عبد الرحيم، التي تعمل أخصائية إعلام بإحدى المدارس، فتقول إنها استثمرت أموالها لدى شخص ادعى أنه يتاجر في مادة الصابون السائل وأنها تدر أرباحا كثيرة وقامت بإعطائه مبلغ 75 ألف جنيه كان كل ما تملكه، مشيرة إلى أن هذا الشخص استولى على 300 ألف جنيه من أسرتها فقط، وتبين أنه جمع الملايين من هذا الأمر ثم ادعى أنه تعرض للنصب بعد ذلك لتبدأ رحلة البحث عن استرداد الحقوق.
الأصل الطيب يبعث الثقة
وعن أسباب الثقة في هذا الشخص قالت إنجي إنه من أسرة محترمة للغاية وهي كانت تعلم والده بشكل جيد، مضيفة أن والده المدعو "أ.ا" تعهد بسداد تلك الأموال ويقوم بتقسيطها لأصحابها بعد اختفاء ابنه من المشهد، مشيرة إلى أن النصاب استغل سمعة والده في الأمر والتي كانت مبعث الثقة وتسببت في توريطها في عملية النصب.
أجهزة الكمبيوتر
أما "ع.ج" من مدينة بني مزار ويعمل في تجارة الورق فقال لـ"سكاي نيوز عربية" إن قصته كانت قد حدثت منذ سنوات حيث أوهمه أحد الأشخاص بأنه يتاجر في شاشات الحاسبات الآلية المستعملة وأنه يحضر صفقات من الخارج تباع بأسعار وتحقق ربحية عالية في مصر، مضيفا أن التاجر المدعو "م.س" تلقى منه مبلغا ماليا وبدأ في إعطائه ربحية عالية ثم تكرر الأمر مع أفراد من أسرته حتى حصل منهم فقط على 300 ألف جنيه، وفي صباح يوم مشؤوم علم بخبر سفر هذا المستريح والذي كان قد جمع من مدينة بني مزار وما حولها قرابة 30 مليون جنيه ثم اختفى دون أن يحصل أغلب الناس على أموالهم.
الأرباح تزيد الثقة
وبين أن هذا النصاب كان يعطي الأموال بسخاء وبانتظام ما زاد من مصداقيته واتسعت دائرة معارفه حتى نجح في جمع الملايين قبل أن ينجح في هدفه ويتكتل مبلغ مالي كبير في يده ويسافر خارج مصر. ولم يستفد من تعرضوا للنصب شيئا لأن النصاب فر خارج البلاد.
الاستثمار في التكاتك
أما رضا عبد العظيم الذي يعمل معلما للغة العربية من محافظة المنيا فيؤكد أنه تعرض للنصب بعد أن أوهمه شخص يدعى حمادة بأنه يستثمر في تجارة قطع غيار "التك توك" وحصل منه على 45 ألف جنيه واضطر لسحب قرض من البنك لإعطائه المبلغ كما أنه باع قطعة أرض لهذا الاستثمار، وبدأ حمادة يعطيه مبالغ شهرية لمدة شهرين أو ثلاثة قبل أن يختفي بالمال.
واتضح فيما بعد أنه قد نصب على عدد كبير من الأشخاص في المدينة، وقد حصلوا على أحكام ضده بالسجن إلا أن اختفاءه حال دون تنفيذها حتى الآن.
الجشع وغسيل الأموال أساس الأزمة
من جانبه، قال رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية وأستاذ الاستثمار والتمويل الدولي رشاد عبد الله لـ"سكاي نيوز عربية"، إنه لا يمكن اعتبار المستريح ظاهرة لأنها حالة أو اثنتين أو حتى عشر حالات، وهي نسبة قليلة مقارنة بتعداد السكان في مصر وحجم البلاد، موضحا أن هناك مشكلتين الأولى تتعلق بالمواطن الذي يدفع المال والآخرى تتعلق بالنصاب.
ويبين رشاد أن الجشع هو العامل الأساسي في هذه العملية إضافة إلى الجهل أحيانا والفساد في أحيان أخرى، لأن البنوك تعطي فوائد تتراوح ما بين 10 و12 بالمئة في ظل كون نسبة التضخم في مصر 4.3 بالمئة، مضيفا أنه في الماضي كانت نسبة التضخم تصل إلى 30 و40 بالمئة وكانت القوة الشرائية تقل إلا أن انخفاض نسبة التضخم في الوقت الحالي يجعل فوائد البنوك جيدة.
ولفت إلى أن انخفاض نسبة الفائدة في مصر مدعاة لتشجيع الاسثمار في البنوك، منوها إلى أن الأفراد في الغرب لا يقومون بعملية كنز الأموال بالبيوت كما يجري في مصر ويعتبرون المال في البنك مضمونا بشكل أكبر من إمكانية صرفه أو تعرضه للسرقة.
وأشار إلى أن المواطن الغربي اعتاد الإنفاق الكثير والحصول على دخل كثير والعيش في رفاهية بسبب الإنفاق مع زيادة الإنتاج، إلا أن المواطنين في مصر أحيانا يبحثون عن النصاب بأنفسهم ويطمعون في الفوائد والعوائد التي سيحصلون عليها دون التركيز على الضمانات بشكل فيه طمع كبير ورغبة في تحقيق أرباح كبيرة.
غسيل الأموال
وأضاف عبد الله رشاد أن بعض الأشخاص الذين يلجؤون للنصابين لاسثمار أموالهم قد حصلوا على تلك الأموال بشكل غير شرعي ما يجعلهم يتجنبون الاستثمار بالطرق الشرعية، ويلجؤون للاستثمار دون ضمانات، من أجل زيادة أرباح أموالهم، مثل بعض الموظفين الفاسدين الذين يخشون انكشاف أمرهم حال استثمارهم في البنوك أو إدخال أموالهم في المسارات الشرعية حتى يتجنبوا المساءلة عن مصدر تلك الأموال لزيادتها دون إثارة مشكلة قانونية، فيكون الملاذ الآمن هو غسيل الأموال وشركات توظيف الأموال، موجها نصيحة للمواطنين بالعمل بشكل شرعي وقانوني وسؤال المختصين لاختيار الأفضل قبل الاستثمار.
أنواع المستثمرين
ويرى عبد الله أن المستثمرين أنواع بعضهم يحب الأمان وهؤلاء البنك أفضل لهم، وهناك المغامرون الذين يحبون الاستثمار بشكل خطر بهدف تحقيق أرباح عالية، موجها نصيحة للمستثمرين باستغلال أموالهم حسب حالتهم ورغبتهم فمن يحبون المخاطرة عليهم الاستثمار في البورصة والعملات الإلكترونية وغيرها، أما التجار فيجب وضع أموالهم في حساب جاري وليس وديعة اسثمارية، لأنه قد يطلب منهم فواتير أو أموال بشكل عاجل.
بناء الثقة
أما هالة منصور، أستاذة علم الاجتماع بجامعة بنها فتؤكد لـ"سكاي نيوز عربية"، أن ما يجري أن النصاب يقوم بإجراءات لبناء الثقة بمعنى أنه يقوم بتجنيد أناس يشيعون أنهم يحصلون على فوائدهم بانتظام، وعندما يدخل في دائرة النصاب أحد الضحايا فإنه يتولى بنفسه الترويج للنصاب أو المستريح، لأنه كلما حصل على فوائد لمدة شهر أو شهرين فإنه يتحول لوسيلة دعاية بين الناس خاصة وأن الربحية الممنوحة تزيد بشكل لا يصدق عن ربحية البنك.
وأشارت إلى أن بعض من يروجون للأمر يكونون إما مجندين من النصاب وإما أناس بالفعل بدؤوا في الاستثمار لدى هذا الشخص، وحصلوا على بعض الأرباح، وهنا تبدأ ثقة الناس تتشكل عبر القصص التي يروجها المجندون من قبل النصاب، أو من حصلوا على أرباح لمدة شهر أو شهرين، ويحاولون طمأنة أنفسهم عبر إقناع من حولهم بالاستثمار معهم، وأحيانا يكون الشخص التاجر قد بدأ بداية طبيعية لكن عند زيادة رأس المال في يديه يبدأ في التحول إلى نصاب.
هذا وترى هدى أن القوانين في مصر تطبق ببطء يجعل صاحب رأس المال لا يستطيع الحصول على أمواله عند تعرضه للنصب ما يضطره للتنازل عن جزء من أمواله من أجل الحصول على ما يستطيع من رأس ماله ويعتبر نفسه في تلك الحالة منتصرا.
الحل القانوني
ودعت هدى إلى إعادة صياغة القوانين بشكل يضمن حقوق كل الأطراف، لأن القانون الحالي يعطي حكما بالسجن لمدة 3 سنوات بالنسبة لإيصالات الأمانة وهو حكم يسقط بعد مرور نفس المدة أي بعد 3 سنوات، وقد تحدث تحالفات بين المحامين وبين النصابين وكذلك بعض صغار أمناء الشرطة ممن يتولون مسألة تنفيذ الأحكام من أجل تحويل إيصال الأمانة لورقة غير قابلة للتنفيذ، داعية إلى فتح مدة إيصال الأمانة وعدم تقييده بالحبس 3 سنوات، وكذلك ألا يسقط الحكم بالتقادم بعد مرور هذه المدة، مع وضع آليات رادعة لتنفيذ الأحكام وعدم تركها للصدفة أو لصغار منفذي الأحكام.
العلاج
وترى هدى أن علاج هذا الوضع يجب أن يكون عبر توفير بدائل للاستثمار وعدم تركه للبنوك فقط، مشيرة إلى أن تخفيض الفائدة بالبنوك لا يكون جاذبا للناس، والحل يكمن في إنشاء بيوت خبرة بحماية قانونية تجمع بين أصحاب الأفكار والأموال، فضلا عن أشخاص يملكون قوة العمل في إطار قانوني وتكوين فريق عمل مشترك من هؤلاء ينجح في تحقيق ربحية عالية تكون قائمة على الابتكار في المشروعات.
وطالبت هدى بتوسيع استثمارات البنوك في تمويل المشروعات داخل البنوك وتحديد الربحية ما يجعل هناك سندا لمظلة المشروعات الصغيرة، لافتة إلى أن الاقتصاد المصري انتعش في وقت نشاط شركات توظيف الأموال رغم وجود الكثير من عمليات النصب فيها بسبب منافسة تلك الشركات للبنوك.
ودعت هدى المواطنين لأخذ الضمانات الكافية والبعد عن إيصالات الأمانة والاعتماد على الشيكات البنكية والحصول على صحة توقيع من البنك كإجراء يضمن أن المستند قانوني، ويحصل المستثمر على حقه بناء عليه دون للجوء لمحكمة تبرئ أو تدين لأن الأمور التي تجري حاليا يكون المستثمر هو الخاسر الأكبر فيها.