هل يتجاوز بايدن سياسات سلفه في "القارة السمراء"؟
12:14 - 26 يناير 2021تموج قارة أفريقيا بجملة من القضايا الشائكة، لا سيما لجهة تصاعد وتيرة العمليات الإرهابية، بخاصة في إقليمي غرب وشرق القارة، مع لجوء التنظيمات الإرهابية إليها كساحة بديلة ونقطة انطلاق جديدة بعد الهزائم التي مُني بها تنظيم داعش في سوريا والعراق، وذلك بموازاة جملة من القضايا الكبرى الأخرى.. فهل يمكن الرهان على دور أميركي في هذه الملفات المهددة للأمن والسلم الدوليين؟
الثابت أن القارة السمراء لم تغب عن استراتيجيات الولايات المتحدة وأولوياتها في العلاقات الخارجية، لا سيما منذ العام 2001 وبعد أحداث 11 سبتمبر، والتي تعزز بعدها الوجود العسكري الأميركي في أفريقيا، ضمن الحرب التي تشنها واشنطن على الإرهاب العالمي، حتى أنها تحتفظ بـ29 قاعدة عسكرية في 15 دولة أفريقية.
وبينما تصارع القارة أزماتها المعقدة، فثمة آمال تعقدها عديد من الدول على دور أميركي إيجابي للتعاطي مع تلك القضايا، الأمنية في المقام الأول، ومختلف القضايا الأخرى ذات الصلة، وذلك بعد 4 سنوات من إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي تراجعت في عهده الولايات المتحدة خطوات للوراء في سياق التعاون مع دول القارة، حتى فيما يتعلق بالعلاقات التجارية، وبدا الدور الأبرز في استخدام القوة العسكرية، وقد تجلى ذلك في الضربات الجوية التي نفذتها واشنطن على الصومال، مستهدفة حركة الشباب الصومالية، وهي الضربات التي لم تؤد المطلوب منها بشكل تام، في ظل توسع وتواصل نشاط الحركة خلال العام الماضي.
فهل يتبع بايدن نهجا مختلفا عن سلفه، استنادا على إرث الحضور الأميركي الطاغي بالقارة؟ وهل يتبنى الرئيس الأميركي الجديد سياسات تعميق التعاون في المجالات كافة دون الاعتماد على نهج استخدام القوة كمحدد رئيسي للحضور الأميركي؟ وغيرها من الأسئلة التي تطرح نفسها على الساحة الأفريقية، مع وصول بايدن للبيت الأبيض، والذي سيكون، في تقدير كثير من المحللين، منكبا في عامه الأول ولربما لأكثر من ذلك، على الملفات الداخلية الأساسية، وبالتالي قد لا تظهر ملامح استراتيجيته بشكل كامل إزاء القضايا والملفات الرئيسية الكبرى في الخارج، ومنها القضايا الأفريقية، وفي صدارتها قضية مكافحة الإرهاب.
وثمة قراءات يميل أصحابها للاعتقاد بأنه "على أفريقيا ألا تضع آمالها على بايدن لمكافحة الإرهاب"، على اعتبار أن الرئيس الأميركي لم يبد موقفا واضحا من تلك المسائل ذات الصلة، وأن عملية مكافحة الإرهاب "يجب أن تقودها الدول الأفريقية في المقام الأول بنفسها وعدم الاعتماد على التعاون العالمي"، وهو ما أكده معهد الدراسات الأمنية في جنوب أفريقيا في تقرير سابق.
انخراط أميركي مباشر
بموازاة تلك التحليلات التي تستطلع آفاق الاستراتيجية الأميركية المتوقعة إزاء واحدة من أبرز قضايا القارة السمراء، فثمة تحليلات أخرى يميل أصحابها إلى الاعتقاد بأن " الولايات المتحدة اليوم منشغلة بالوضع في القارة الأفريقية"، وهو الاتجاه الذي يتحدث بشأنه الكاتب والباحث المغربي إدريس الكنبوري، في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية"، والذي يشير إلى أن ذلك الاهتمام يرجع إلى سببين رئيسين؛ الأول: التحديات الإرهابية، والثاني: التنافس مع الصين وروسيا.
ويعتقد المحلل السياسي المغربي بأن "الرئيس الأميركي الجديد سوف يركز على الوضع في القارة أكثر من الإدارة الجمهورية السابقة بقيادة ترامب، وسيعمل على الانخراط بشكل أكبر في الأزمات الأفريقية؛ لأن من ينخرط في الحرب يربح في السلام"، على حد تعبيره.
ويشير الكنبوري، في السياق ذاته، إلى عامل آخر وهو "القلق الأميركي من التدخل التركي أو بالأحرى التوسع التركي في شؤون القارة"، لافتا في الوقت ذاته إلى أن "إسرائيل قد تكون فاعلا مهما في تعبئة الطريق للإدارة الأميركية الجديدة بالنظر إلى التغلغل الإسرائيلي في المنطقة، وهذه نقطة لا يجب إهمالها؛ لأن لإسرائيل خبرة طويلة في القارة، وقد تستفيد إدارة بايدن من هذه الخبرة".
وفي السياق، يتحدث الباحث المغربي عن دور بلاده، بالإشارة إلى أن المغرب لديه عدة أوراق "يمكن أن تكون عاملا مساعدا؛ فهو بلد عائد إلى الاتحاد الأفريقي بعد عقود من الغياب، وهو اليوم فاعل رئيسي في القارة بسبب موقعه، وما قدمه للبلدان الأفريقية في مجالي مكافحة الإرهاب والهجرة، إلى درجة صار نموذجا أفريقيا بشهادة أميركا والاتحاد الأوروبي، ويضاف إلى تلك العوامل أيضا اعتراف إدارة ترامب بالصحراء منطقة مغربية وفتح قنصلية أميركية فيها".
ويقول: "صحيح ترامب ليس بايدن لكن هذا الاعتراف سوف تستغله الإدارة الأميركية الجديدة لتوسيع نفوذها في القارة، وإذا علمنا أن الصحراء غنية بالثروات الكامنة غير المستخرجة بسبب النزاع الطويل فإن واشنطن قد ترى بأن الاستمرار في نفس المسار وإنجاح مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب عام 2007 سوف يجعلها المستفيد الأول في عالم يتسابق على الثروة".
دوافع أميركية
وثمة دوافع تقليدية تؤطر وجود وانخراط الولايات المتحدة في قارة أفريقيا، من بينها دوافع سياسية مثل: احتواء نفوذ دول منافسة في القارة مثل الصين وفرنسا (وروسيا أيضا)، ودوافع اقتصادية: مثل الرغبة في الاستفادة من الخيرات الأفريقية. وبعد أحداث 11 سبتمبر وفي ظل المتغيرات الاستراتيجية الجديدة، أضيفت إلى تلك الدوافع التقليدية، عدة دوافع جديدة للوجود الأميركي بالقارة، أهما مواجهة التهديدات الإرهابية الجديدة، طبقا لدراسة بعنوان "الانتشار العسكري الأميركي في أفريقيا: الدوافع والرهانات" صادرة عن مركز دراسات الوحدة العربية.
تلك الدوافع التي تعامل معها ترامب بنهج مختلف غلفه التجاهل النسبي، قد ينطلق منها بايدن في اتباع نهج أكثر انفتاحا عن سلفه. ويقول المحلل السياسي السوداني، محمد علي فزاري، في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن الرئيس الأميركي جو بايدن "قد يتبنى سياسات مختلفة عن سياسات سلفه ترامب فيما يتعلق بالانفتاح على القارة الأفريقية، وأن يكون أكثر مرونة من سياسات ترامب تجاه القارة، وقد بدا ذلك واضحا من خلال قراراته التنفيذية الأولى والتي تضمنت إلغاء حظر السفر عن مواطني دول إسلامية، كان من بينها دول أفريقية (ليبيا والصومال والسودان)، وبالتالي نتوقع أن يكون هناك انفتاح نسبي في سياسة بايدن تجاه القارة".
لكنّه في السياق ذاته يعتقد بأن "الولايات المتحدة سوف تظل على سياستها المنكفئة على الداخل في المقام الأول، وبالتالي قد لا تلعب دورا كبيرا في عمليات مكافحة الإرهاب في القارة، وسيكون التركيز في المقام الأول -لا سيما في السنوات الأولى من عهد بايدن- منصبا على التحديات الداخلية الكبرى التي تواجه واشنطن والديمقراطية الأميركية، بخاصة في ظل ما يعتقده البعض بأن ترامب قد عبث بها كثيرا وضرب بعرض الحائط الكثير من القيم الديمقراطية التي لطالما ظلت تفتخر بها أميركا".
ويلفت المحلل السياسي السوداني إلى أنه "من المؤكد أن مسألة مكافحة الإرهاب هي واحدة من الملفات المهمة بالأجندة الأميركية، لكنها تظل منخفضة في ظل إدارة الديمقراطيين لدفة الحكم في الأربع سنوات المقبلة"، موضحا أيضا أن "هناك سمة مشتركة بين معظم الرؤساء الأميركيين، وهي أنهم لا يخوضون في القضايا الخارجية في الولاية الأولى، أو على الأقل في الفترات الأولى من ولايتهم الأولى، حتى أن ذلك حدث في عهد ترامب نفسه الذي لم يتخذ قراراته المؤثرة في القضايا الكبرى إلا في العام الأخير، وكذلك أيضا في عهد أوباما".
قضايا كبرى
وثمة العديد من القضايا الكبرى التي تواجهها القارة، جنبا إلى جنب وقضايا مكافحة الإرهاب الذي وجد في القارة السمراء ضالته بعد هزيمته في سوريا والعراق فلجأ لأفريقيا التي تشهد تصاعدا واضحا في وتيرة الأعمال الإرهابية (1168 هجمة إرهابية في الفترة من يناير إلى أغسطس 2020 على سبيل المثال). من بين تلك القضايا، أزمات عالقة مثل سد النهضة، وكذلك قضايا التوترات الداخلية والحدودية التي تعاني منها بعض دول القارة.
لكن المحلل السياسي السوداني لا يعتقد بأن تكون مثل تلك القضايا الكبرى في القارة، ومنها قضية سد النهضة، ضمن الأولويات المتقدمة أو المباشرة للولايات المتحدة، مردفا: "نتوقع أن يكون الملف كما كان في السابق، بحيث تمارس واشنطن دور الوسيط، أو ربما تمارس نفوذها على الأطراف المختلفة، لكننا لا نتوقع أن تصل لمرحلة ما وصل إليه ترامب الذي حذر من ضرب مصر للسد، في واحدة من أكثر تصريحاته عدوانية وإثارة للجدل".
خطوط عريضة
وفيما تشير إلى أن استراتيجية بايدن إزاء كثير من القضايا الخارجية ليست واضحة حتى الآن، فإن خبيرة الشؤون الأفريقية، هبة البشبيشي، تعتقد بأن الخطوط العريضة لسياسات الرئيس الأميركي المتوقعة واضحة تماما. وتشير في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية" من القاهرة، إلى أنه "يكفي أنه ألغى قرارات عنصرية سبق وأن اتخذها ترامب"، وتقول إنها تنظر بتفاؤل إزاء سياساته المتوقعة في الشرق الأوسط وأفريقيا مقارنة بسياسات ترامب.
وتردف خبيرة الشؤون الأفريقية قائلة: "الرئيس بايدن يبدو أن له رؤية مختلفة وديمقراطية، ويتحدث بصورة مختلفة ولديه هدف واضح، وستأخذ الأمور في عهده سياقا أكثر اعتدالا وإنسانية وديمقراطية، يعيد للولايات المتحدة وجهها الذي شوهه ترامب الذي كانت لديه ميول عنصرية".
وتعتقد البشبيشي بأن قضايا القارة الأفريقية، لا سيما الأمنية المرتبطة بمكافحة الإرهاب، ترتبط ارتباطا وثيقا ومباشرا بقرارات مؤسسية لا تتغير بتغير رئيس الولايات المتحدة ، ومن ثمّ فإنه من المتوقع تواصل الدور الأميركي في مكافحة الإرهاب في عهد بايدن، مشيرة إلى القواعد العسكرية الأميركية وعمليات تتبع العناصر والمجموعات الإرهابية المختلفة، بما يجعل من الولايات المتحدة دائما حاضرة على خارطة مكافحة الإرهاب في القارة بصورة كبيرة، جنبا إلى جنب والقوات الفرنسية، وهو النهج الذي سوف يستمر في إدارة بايدن في جميع الأحوال، باعتباره قرارات مؤسسية مرتبطة بالاستراتيجية العامة للولايات المتحدة وليس بشخص الرئيس إن كان ديمقراطيا أو جمهوريا.