نفط ليبيا.. بداية رحلة التعافي بعد "اتفاقات المغرب"
08:39 - 24 يناير 2021في خضم الحديث عن اتفاق سياسي محتمل قد تشهده ليبيا قريبا، شهت معدلات إنتاج النفط في البلاد حالة من التعافي، وسجلت في شهر ديسمبر الماضي زيادة 136 ألف برميل يوميا ليصل الإنتاج اليومي إلى 1.224 مليون برميل، مما قاد إنتاج منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) إلى إنتاج 25.36 مليون برميل يوميا خلال الشهر ذاته.
توقعات إيجابية حذرة تلف مستقبل الإنتاج النفطي في ليبيا على المديين المتوسط والطويل، يرهنها محللون اقتصاديون ليبيون بنجاح المسار السياسي وتشكيل حكومة موحدة وبناء مؤسسات الدولة.
ويُنظر للتعافي الراهن بأنه مرهون بالتطورات السياسية، حيث إن عدم توصل الفرقاء لاتفاق تقسيم الإيرادات بشكل عادل، وكذا الاتفاق على حل شامل للأزمة، يعني تأثرا مباشرا للإنتاج النفطي.
والسبت قال الفرقاء الليبيون عقب اجتماعهم في المغرب، إنهم اتفقوا على اتخاذ إجراءات بشأن المناصب السيادية الشاغرة وتشكيل فرق عمل تتولى الخطوات الإجرائية المرتبطة بشغل هذه المناصب.
وساعد التقارب السياسي الأخير في تكثيف المؤسسة الوطنية للنفط عملياتها في الحقول والموانئ التي كانت عاطلة عن العمل في السابق، وتحقيق معدلات إنتاج بأكثر من مليون برميل يوميا، بعد أن تقلص الإنتاج لأقل من 100 ألف برميل فقط في بداية شهر سبتمبر الماضي، حتى شهد ارتفاعات تدريجية.
ومع تلك المستويات الجديدة التي حققها إنتاج النفط في ليبيا، فإنها لا تزال بعيدة نسبيا عن المعدلات المحققة قبل 2011، ذلك أن الإنتاج النفطي كان يصل إلى ما بين 1.5 و1.6 مليون برميل يوميا، حيث اعتمد الاقتصاد الليبي بنسبة تصل إلى 90 بالمئة على النفط آنذاك.
المسار السياسي
ويقول الخبير الاقتصادي الليبي سعيد رشوان لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن "المعدلات ليست جيدة كما نأمل، لكننا في الطريق إلى التعافي الكامل"، وذلك بدعمٍ التطورات السياسية وبعد فترة التوقف الطويلة.
ويشير رشوان إلى أن الغلق أو التوقف الذي استمر لمدة 8 أشهر "أدى إلى تكبد ليبيا خسائر بنحو 10 مليارات دولار، وفق المؤسسة الوطنية للنفط، وكان نتيجة النزاع السياسي والأمني والخلافات حول توزيع عوائد النفط، وبالتالي ومع المضي قدما في المسارات الثلاث (السياسي والاقتصادي والأمني) والتقدم نحو سلطة جديدة في ليبيا، ارتفعت معدلات الإنتاج".
وأضاف: "تعمل مؤسسة النفط بشكل طبيعي فيما يتعلق بالإنتاج والتصدير. مسارات الحل السياسي تدفع ليبيا إلى العودة لسابق عهدها، بما ينعكس مباشرة على الإنتاج النفطي وعلى الاقتصاد ككل".
وتمتلك ليبيا أضخم احتياطات نفطية مؤكدة في إفريقيا، لكن الوضع السياسي الداخلي المتأزم يعرض إنتاج البلد من الذهب الأسود لمخاطر شديدة، وسط توقعات حذرة خشية تجدد الخلافات.
المؤسسة الوطنية
ويلفت الخبير الاقتصادي الليبي علي الصلح في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، إلى دور "المؤسسة الوطنية للنفط" واستقلاليتها، ووظيفتها الرئيسية فيما يتعلق بالإنتاج والتسويق وأيضا مهام المسؤولية الاجتماعية والبيئية، مشيرا إلى أنه "كلما كانت المؤسسة مستقلة عن الأحداث السياسية، فإن ذلك مفيد للاقتصاد الليبي ككل".
ويوضح أن "عدم انحياز المؤسسة الوطنية للنفط وانتظارها لوجود حكومة موحدة شيء مفيد جدا، ذلك أن استمرار العبث بالاقتصاد الليبي في الفترة السابقة تسبب في خسارة كبيرة، قدرتها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) بأكثر من 500 مليار دولار، وحال استمرار الحرب من المتوقع أن تزيد الخسائر إلى 700 مليار".
ويضيف الصلح أن "الاستقرار السياسي من شأنه استمرار استقرار معدلات الإنتاج النفطي".
وربط الخبير الاقتصادي تعافي إنتاج ليبيا من النفط بالتطورات السياسية، على اعتبار أن "استقرار الناتج الإجمالي المحلي يعني أن هناك استقرارا نقديا، واستقرارا في المالية العامة"، موضحا أن "الاستمرار في زيادة الإنتاج النفطي خلال الفترات المقبلة لأكثر من المعدلات الحالية المقدرة بأكثر من مليون و200 ألف أمر مهم بالنسبة لليبيا، وعند هذا الإنتاج نتوقع أسعاراً عالمية بين 45 و55 دولارا للبرميل، بما يخدم الاقتصاد الليبي".
ويتوقع موقع "سي بي غلوبال" المختص بتحليل بيانات الأسواق، استقرار "الإمداد النفطي الليبي عند 1.2 مليون برميل يوميا خلال الربع الأول من العام الجاري".
مخاوف
لكن في المقابل، يرى خبراء آخرون مخاطر تلف مستقبل الإنتاج الليبي من النفط، من بينها تضرر البنية التحتية من جراء الحرب في البلاد، وتدهور الحالة الأمنية.
ويعلق أستاذ الاقتصاد بالجامعة المفتوحة في ليبيا يوسف مسعود لموقع "سكاي نيوز عربية"، بقوله مجازا إن "السماء لو أمطرت نفطا فإن الاقتصاد الليبي بشكل عام لن ينصلح وضعه"، موضحا أن "الاقتصاد الليبي سيصبح قويا فقط عندما تقوم الدولة القوية، وتحسن إدارة مواردها وثرواتها الطبيعية".
ويلفت الخبير الاقتصادي إلى أنه "لا يوجد اقتصاد في ظل عدم الاستقرار الأمني والسياسي والعسكري، والدولة المفككة التي تتقاسمها أطماع دول خارجية"، لافتا إلى أن "ليبيا بالأساس تعاني مشكلة الدخل الريعي، وهذا الدخل مدعاة كسل صانع القرار الاقتصادي، وبالتالي لو نظرنا بتركيز خلال العقد المنصرم لوجدنا أن الاقتصاد الليبي اقتصاد استهلاكي صرف، بل هادر للمال".
ومن هنا يعتقد مسعود أن "ارتفاع النفط أو انخفاضه لن ينعكس على تنمية الاقتصاد الليبي ولا تحسين المستوى العام للأسعار ولا على رفاهية المواطن، ذلك أن ليبيا يرزح جل مواطنيها تحت خط الفقر".
ويشدد على ضرورة إدارة الاقتصاد الليبي بأدوات اقتصاد الأزمة، و"حال ظهور الدولة القوية الموحدة، حينها فقط يمكن الحديث عن الاقتصاد وتحديد الخطوط الرئيسة للأهداف الاقتصادية العامة وتحديد نوع السياسات الاقتصادية التي ستتبع".