بالصور.. هكذا حولت سيدة كردية منزلها الطيني إلى متحف
16:53 - 15 يناير 2021رفوف مزدانة بتماثيل فنية طينية، تتفنن أنامل مبدعة في تشكليها ببراعة وموهبة فطرية، لتمزج الطين بقليل من الملح والتبن، لتصبح في النهاية قطع فنية توحي للناظر إليها للوهلة الأولى، بأنها قطع وتماثيل أثرية تعود تاريخها لغابر العصور.
إنها "حزنية عثمان" سيدة الخمسينية ملقبة بـ"كجى كرد"، والتي تعني باللغة الكردية "ابنة الأكراد"، التي تفننت في صناعة تحفها الطينية.
ويعود شغف حزنية في جمع المقتنيات التراثية القديمة إلى طفولتها، فولعها بكل قديم دفعها لتنظيم عدة معارض سنوية للتراثيات المنسية والقطع الأثرية التي يعود تاريخ بعضها إلى أكثر من 600 عام، ورتبتها داخل غرفة طينية في بيتها الريفي القديم في قرية "معشوق" بالريف الشرقي لمدينة القامشلي شمال شرقي سوريا.
مقتنيات متنوعة
تمتلك حزنية، التي التقتها عدسة "سكاي نيوز عربية"، ما يزيد عن 5000 قطعة قديمة من أحجار الرحى القديمة لطحن الحبوب، والمحراث الخشبي القديم وسروج الأحصنة، وصناديق تجهيز العرائس، والفخاريات وزجاجيات قديمة، ودلال للقهوة مختلفة الأشكال والأنواع، ومكاحل ومرشات (أدوات تستخدم لزينة المرأة)، بالإضافة إلى المغازل والمفارش المستخدمة لصناعة البسط، والغربال المصنوع من أمعاء الحيوانات.
وهناك أيضاَ أدوات زراعية وملاعق خشبية وأسلحة وسيوف ودرع يزيد تاريخها عن الـ600 عام، بجانب ميزان وفوانيس وألعاب قديمة وغيرها من الأدوات المستخدمة قديما في صناعة منتجات الألبان.
تسبح "ابنة الأكراد" في ذاكرتها لتروي لـ"سكاي نيوز عربية"، قصة منزلها الطيني، وهي تدير بيديها حجر الرحى الذي يرجع تاريخه لمئات السنين، وتقول: "لدي المحراث الخشبي القديم وحجر الرحى الذي يعود لـ 500 عام مضت، ولدي صناديق جهاز العروس المزخرفة القديمة والتي تعود لـ200 عاما، كما أن درع القتال القديم هو أقدم ما لدي ويعود لـ600 عام أو أكثر".
حلم الطفولة
حب حزنية وولعها بالتراث والمقتنيات القديمة، كان الدافع الأساسي للتفكير بالبحث عن كل قديم، وأوضحت: "تعلقت منذ طفولتي بالمقتنيات التراثية القديمة، وكنت أحلم أن ارتاد المدرسة وأتعلم كي أتمكن بعد إتمام دراستي من حماية تراثنا الشعبي، وتشجيع الحفاظ عليه".
وتابعت: "فتراث منطقتنا يزخر بالأدوات القديمة الجميلة التي أغنت يوميات أجدادنا من الكرد والعرب والسريان والأيزديين، وهذا يدل على اعتماد الآباء والأجداد على أنفسهم في جميع الأمور وفي جميع الصناعات، لكن تقدم التكنولوجیا، هدر تراثنا وأسهم في زواله شيئاً فشيئاَ ".
البحث والجمع
اهتمام "ابنة الأكراد" الشخصي باقتناء المقتنيات التاريخية، يعكس، حسبما تروي، ارتباطها القوي بالماضي، وأكدت أنه: "لا أفرق بين قطعة وأخرى من حيث أهميتها، فكلها غالية على قلبي ولن أفرط بأي منها أو أبيعها مهما قدمت لي من عروض سخية، فلولا تعلقي بها ما سعيت لاقتنائها والحفاظ عليها".
وحول أشهر وأهم المحطات التي قادتها لإنشاء متحف داخل منزلها تقول "ابنة الأكراد" إن: "البداية كانت مع جمع مقتنيات العائلة، من أواني فخارية وسجاد وبسط وغرابيل وصناديق جهاز العروس والساعات القديمة الخاصة بجدي وولاعات السجائر وصواني القش".
وتضيف: "مع مرور الوقت تناقل الناس من حولي خبر هوايتي في اقتناء القطع الأثرية والمقتنيات التراثية القديمة، فبدأوا يهدوني كل ما لا يحتاجونه من الأشياء القديمة".
وتذكر أن عملية البحث ومحاولة الاقتناء لبعض القطع النادرة كلفها الكثير من الجهد والمال والعناء، وقالت: "باشرت بحثي بين بيوت القرى المنتشرة في منطقتي والمناطق المجاورة، فوجدت ضالتي من الأشياء القديمة والتراثية، لكل أطياف المنطقة من الكرد والعرب والسريان، وشغفي في حماية التراث دفعني أن أجوب القرى كقرى: جريحي وآليان وكركى لكى والقامشلي، ورحب البعض بفكرتي فمنحوني ما لديهم من الأشياء القديمة وآخرين امتنعوا عن إعطائي وبعضهم الآخر أعطوني بمقابل مادي".
وتمارس حزنية هواية حياكة الثياب الفلكلورية، كما أنها تحتفظ بأكثر من 150 زيا تقليدياً في خزانتها للمناسبات السعيدة.
ولازالت "ابنة الأكراد" متمترسة عنيدة تتحدى الموضة الحديثة والعولمة "اللعينة" على حد قولها.
وتابعت لـ"سكاي نيوز عربية" وهي تحيك فستاناً سترتديه في عرس قريبتها، مستخدمة ماكينة الخياطة القديمة التي أهدتها لها جدتها، ويعود تاريخها لأكثر من 100 عام: "ثيابنا مريحة ولا تعيق الحركة ويمكن ارتداؤها وإنجاز أعماله الزراعية دون عائق، فهي فضفاضة وتتحمل ظروف العمل وهي جميلة ومستورة في نفس الوقت".