من "اللوزي" إلى "بدر".. لماذا يتنمر الجمهور على نجوم الفن؟
22:54 - 07 يناير 2021بكلمات من رصاص، تحطمت مشاعر نجوم الوسط الفني، خلال الفترة الأخيرة، بعد تعرضهم للتنمر عن طريق قلة من الجمهور عبر منصات التواصل الاجتماعي، لتبرز تلك الوقائع ظاهرة سلبية يزداد انتشارها بمرور الوقت.
وشملت قائمة المتعرضين للتنمر كثير من الفنانين، وعلى رأسهم الممثلة المصرية، يسرا اللوزي، بعدما علق أحد متابعيها على صورة تجمعها بابنتها، من ذوي الهمم، واصفا إياها بـ"أم الطرشة"، هذا ما قابلته الفنانة المصرية بسطور تحكي ما تعلمته خلال رحلتها لتربية بنت من ضعاف السمع.
كما تفاجئت الفنانة المصرية سوسن بدر، بتعليقٍ صادم من أحد متابعيها، يتمنى موتها على منشور تنعي فيه المخرج السوري حاتم علي، لترد بدر "الموت رحمة ولطف من ربنا سبحانه للطيبين، لأنهم بيتمنوا لقائه أشكرك على دعائك".
وتعددت حوادث التنمر الشبيهة لواقعتي اللوزي وبدر، ليبقى السؤال "ما الذي يدفع الجمهور لمهاجمة النجوم عبر منصات التواصل الاجتماعي؟"
تأثير مواقع التواصل الاجتماعي
ومن جانبه، يقول الناقد الفني، طارق الشناوي، إن مواقع التواصل الاجتماعي، قللت المسافة بين الفنانين والجمهور، فبعدما كان متابعة النجوم مقتصرة على مشاهدتهم فقط في اللقاءات التلفزيونية والحوارات الصحفية، توفرت الآن القدرة لدى الجماهير لمعرفة تفاصيل حياة نجومهم المفضلين اليومية لحظة بلحظة.
وأضاف لموقع سكاي نيوز عربية: "سهلت مواقع التواصل لبعض مستخدميها التعبير عن الكراهية المدفونة داخل قلوبهم، ولا يستطيعون إظهارها على أرض الواقع، فيقوم البعض بعمل حسابات مزيفة، يمارس من خلالها التنمر على الشخصيات العامة".
التنمر من التدمير إلى الإلهام.. تجربة يسرا اللوزي
وأشار الشناوي إلى دور الإعلام في انتشار خطابات الكراهية الموجودة على "التواصل الاجتماعي"، حيث تسمح عديد من البرامج التلفزيونية لضيوفها، بمهاجمة الآخرين بصورة غير لائقة، طمعا في زيادة نسب المشاهدات، دون النظر إلى ميثاق الشرف الخاص بالمهنة وأدبياتها، على حد تعبيره.
وفي السياق ذاته، أوضح الناقد المصري أن انسياق بعض الفنانين للرد على المتنمرين بنفس الطريقة، لا يحد من ظاهرة بل يزيد انتشارها، مشيدا بردود الفنانتين سوسن بدر ويسرا اللوزي في الفترة الأخيرة.
كما أكد الشناوي أن الفنان يجب أن يكون قدوة للجمهور، فكما يشكل وجدانهم بأعماله، يمكنه أن يرتقي بسلوكهم بأفعاله خارج الشاشات.
وختم: "للأسف ما يتعرض له الفنانون من الجمهور، جزء منه يكون بمثابة ضريبة لكونهم شخصيات عامة، فكما يتلقون الإشادة، بالطبع سيتلقون السباب، لكن لا يمكن اعتبار ذلك مبررا للجمهور للتنمر على نجوم الوسط الفني، خاصة أن هناك فرق واضح بين الانتقاد والهجوم".
مسافة بين الفنان والجمهور
ولتحليل تلك الظاهرة بشكل علمي، تقول أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، نوران فؤاد، إن تعرض الفنانين للتنمر على يد جمهورهم، ظاهرة شكلتها عديد من الأسباب بعضها يرجع إلى الجمهور والآخر يعود إلى الفنانين.
وأضافت: "العلاقة بين الجمهور والفنان معقدة، لكن تغيير الجانب السلبي لدى أفراد الوسط الفني أيسر من تغيير سلوكيات الجمهور، لذا أرى أن الخطوة الأمثل حاليا للقضاء على تلك الظاهرة، في يد الفنانين قبل الجماهير".
كما أوضحت فؤاد، لموقع سكاي نيوز عربية، أن السبب الرئيسي للحوادث الأخيرة، يعود إلى اتساع المسافة الإنسانية بين الفنانين والجمهور، حيث أصبح المشاهد العادي يشعر أن الفنان لا يشبهه، ولا يتأثر بالظروف المجتمعية التي يمر بها، وكأنه يعيش في بلد آخر، غير التي يقدم بها أعماله، على حد تعبيرها.
وتحكي فؤاد أن الأجيال الفنية السابقة للجيل الحالي، كانت أكثر اتصالا بالجمهور، فكانت الجماهير تعتبر الفنانين جزءًا لا ينفصل عنهم.
كما ترى فؤاد أن مبالغة الفنانين حاليا في إظهار ثرائهم وممتلكاتهم الشخصية باهظة الثمن، عبر منصات التواصل الاجتماعي، يزيد المسافة بين الجمهور وأصحاب الأعمال الفنية، مؤكدة أن طبيعة عمل الفنانين تحتم عليهم السيطرة على أفعالهم، حيث لا يفصل الجمهور بشكل تلقائي بين حياتهم الشخصية وأعمالهم الفنية.
وفي السياق ذاته، أكدت فؤاد أن زيادة الأعمال الفنية التي تنافي الواقع الذي يعيشه الجمهور، تساهم بشكل قوي في عدم إدراك الجمهور لقيمة الفن ورسالته، وينتج عن هذا، التعامل مع الفنانين، بأنهم مجرد موظفين مرفهين، يجنون كثير من الأموال، ولا يقدموا أي شيء في المقابل.
واستطردت: "غياب الفنانين عن المساهمات الاجتماعية، أثر بشكل كبير على علاقتهم بالجماهير، فيطمح الناس في رؤية نجومهم المفضلين بجانبهم في الأزمات، خاصةً أن الدعم جاء بشكل فردي وليس ضمن مبادرات جماعية".
كما توضح فؤاد أن قطاع كبير من الجمهور، يضع كل أفراد الأسرة الفنية في قالب واحد، لذا يؤثر السلوك السيىء لأي فنان على الوسط ككل، مشيرة إلى التجاوزات الأخلاقية لبعض الفنانين في الفترة الأخيرة.
وتابعت: "تملك وسائل الإعلام المحلية دورا كبيرا في زيادة وعي الجمهور بأهمية الفن، وإيجاد حوارات صحفية مع الفنانين، تبرز تفاصيل أعمالهم الفنية، بدلا من التعمق في تفاصيل غير مهمة بحياتهم الشخصية، كما كانت تقدم البرامج قديما".
وختمت: "لا يمكننا أن نلقى اللوم كله على الفنانين، فهناك فئة من الجمهور ستظل تهاجمهم دون أسباب واضحة، فهناك "من يكره لمجرد الكره"، نتيجة لظروف النشأة، أو تعرض هذا الشخص لنفس ما يفعله في وقت سابق، وتلك الفئة تحتاج إلى علاج نفسي، وليس مجرد توعية بغرض تعديل السلوك".
يكره الجميع
ومن جانبها، تقول أستاذ الطب النفسي بكلية الطب في جامعة عين شمس، الدكتورة هبة العيسوي، إنه لا يمكن تصنيف المتنمرين إلى متنمر عادي ومتنمر على الفنانين، مؤكدة أنه في الأغلب من يتنمروا على الفنانين، يمارسون تلك السلوكيات عامة في حياتهم، بشكل مستمر.
وأضافت لموقع سكاي نيوز عربية: "توجد شخصيات تندرج تحت مسمى "المضادة للمجتمع"، أي شخص لا يعتبر نفسه جزء من النظام المجتمعي، ولا يملك أي معايير إخلاقية يتحرك على أساسها، فهو يفعل ما يريد دون النظر إلى مشاعر من حوله، فهو لا يأبه بهم من الأساس".
وفي السياق ذاته، تقول العيسوي، أن المتنمر في الأغلب يبحث عن "الاستقواء على الأخرين"، ليخفي ما بداخله من ضعف، فيحاول إيذاء من حوله بطرق لا تسمح لهم برد، مثل أن يهاجم فنان عبر مواقع التواصل الاجتماعي بحساب مزيف، فالمتنمر في تلك الحالة، يشعر بأنه هزم الفنان نفسيًا، مع عدم وجود أي فرصة للرد.
كما أوضحت العيسوي، أن في بعض الحالات، نجد أن الشخص المتنمر، قد تعرض في مرحلة عمرية معينة للتنمر، مما دفعه للممارسته، ليخرج من دور الضحية إلى دور الجاني.
وأكدت العيسوي أنه لا يمكن تجاهل الحقد والغيرة من نجاح الأخرين، فهي من أقوى دوافع المتنمر لإيذاء من حوله، لأن هذا الشخص لا يؤمن بقدراته في تحقيق أي نجاحات، فيحاول إحباط محاولات من حوله للنجاح، ليفرغ ما يحمله من طاقات سلبية.
وتابعت: "هناك من يتنمر على الناس، لشعوره بأنه أفضل منهم، فداخله قناعة مزيفة، بأنه لا يوجد أحد يستحق النجاح إلا هو، فيبدأ في التقليل من أي نجاح حوله".
وختمت: "لا شك أن ظاهرة التنمر تترك أثرا سلبيا في ضحاياها، لذا على المجتمع مواجهة المتنمرين، بطريقة مختلقة عن طريقتهم، وإلا توسعت الظاهرة، وانجرفنا جميعا معها".