العراق في 2020.. ثورة وأزمة اقتصادية وميليشيات منفلتة
01:30 - 27 ديسمبر 2020بدأ العراق عامه الحالي الذي يشارف على نهايته بحدث كبير، حينما استهدفت غارة جوية أميركية في الثالث من شهر يناير، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، ومعه القيادي في الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس، فلقيا مصرعهما قرب مطار بغداد.
وبعد خمسة أيام فقط من الضربة الأميركية، أطلق الحرس الثورية الإيراني رشقات من الصواريخ الباليستية، على قاعدتي "عين الأسد" و"أربيل" العسكريتين الأميركيتين في العراق، ليكون بمثابة "ثأر" من تلك الضربة.
وعقب ذلك، انبرى عدد من مؤيدي الحشد الشعبي إلى محاصرة السفارة الأميركية في العاصمة بغداد ومحاولة اقتحامها، الأمر الذي أنذر بدخول المواجهة الإيرانية الأميركية مرحلة "كسر الأصابع".
وطيلة عامٍ كامل، ومنذ ذلك الحادث، تبادل الطرفان الرسائل عبر العراق، فمليشيات الحشد الشعبي العراقية الموالية لإيران ظلت تقصف السفارة والمصالح الأميركية في العراق بين فينة وأخرى، بما في ذلك القواعد العسكرية الأميركي، حتى التي ضمن إقليم كردستان العراق منها.
في المقابل، واصلت الطائرات الأميركية جولات متقطعة من القصف على مواقع هذه المليشيات، لاسيما المتمركزة منها على الحدود العراقية السورية.
واستمر التصعيد الأميركي الإيراني داخل العراق طيلة الشهور التسعة الأولى من العام، إلى أن مالت إيران لنوع من التهدئة في الربع الأخير من العام، حتى لا تمنح إدارة الرئيس ترامب حُجة للتصعيد ضد إيران في العراق، وبالتالي، عدم التأثير في الانتخابات الرئاسية الأميركية لصالح ترامب.
استثمار الأزمة
مع الأسابيع الأولى لحدوث ذلك، حاولت الأحزاب السياسية الراعية لميليشيات الحشد الشعبي أن تحور جوهر الحدث السياسي في البلاد، إذ كانت ثورة شعبية قد اندلعت في العاصمة بغداد والمناطق الجنوبية من البلاد، لكنها لم تنجح في ذلك، إذ استمرت التظاهرات بزخم أكبر بعد أسابيع قليلة من حصار السفارة الأميركية في العاصمة بغداد.
وأشار تقرير المفوضية العُليا لحقوق الإنسان في العراق، إلى أن أعداد ضحايا التظاهرات قد قارب 500 في أوائل هذا العام، بعد مرور شهرين فقط على بدء التظاهرات، فيما قاربت أعداد الجرحى 27 ألفا، بينما وصلت حصيلة المعتقلين إلى ثلاثة آلاف
وتفاقمت هذه الأعداد طيلة العام الحالي، دون أن تتمكن الحكومة العراقية من وضع حدٍ لذلك، بالرغم من وعودها الكثيرة في ذلك الاتجاه.
ترافقت احتجاجات العاصمة بغداد والمدن الجنوبية بتحولين نوعيين. فقد شهد العراق موجة من عمليات الاغتيال السياسي، التي طالت الناشطين المدنيين العراقيين البارزين، ومنهم مقربون من رئيس الوزراء العراقي الحالي مصطفى الكاظمي، مثل الباحث والكاتب هشام الهاشمي، الذي اُغتيل أمام منزله في السادس من شهر يوليو من هذا العام. فوصلت أعداد الضحايا من الناشطين المدنيين إلى العشرات، دون أن تتمكن الحكومة العراقية من اعتقال أي من المنفذين، بالرغم من تبعيتهم المعروفة لفصائل من الحشد الشعبي العراقية.
أما الأمر الآخر فتمثل في اندلاع تظاهرات احتجاجية مماثلة في إقليم كردستان العراق، وبالذات في محافظتي السليمانية وحلبجة، حيث خرج الآلف من المتظاهرين في مدن وبلدات هذه المحافظات منذ أواسط شهر نوفمبر ، تنديداً بتأخر حكومة الإقليم عن دفع رواتبهم الشهرية.
من ناحيتها، حملت حكومة إقليم كردستان العراق الحكومة المركزية مسؤولية ما يجري في مدنها، مُعتبرة أن امتناع الحكومة المركزية عن دفع حصة إقليم كردستان من الميزانية العامة للبلاد هو سبب الأزمة المالية التي يعانيها الإقليم.
في مقابل ذلك، كانت الحكومة المركزية تتهم الإقليم بعدم التزام بما تعهدت به من قِبل مع الحكومة المركزية، لاسيما من حيث تسليم كمية متفق عليها من النفط المستخرج من إقليم كردستان إلى المؤسسة الوطنية لاستخراج وتصدير النفط "سومو"، المُقدرة بـ 250 ألف برميل نفط في اليوم.
ودخل الطرفان في مفاوضات ماراثونية طوال شهور العام، تناقشت فيه اللجان الفنية النفطية والمالية لكل منهما حول الطريقة التي يُمكن لهما أن يتوصلا إلى أتفاق يُرضي القوى السياسية الممثلة في البرلمانين المركزي والإقليمي.
اعتباراً من شهر أغسطس الماضي، قطعت الحكومة المركزية العراقية المدفوعات الشهرية التي كانت تسددها لحكومة إقليم كردستان، وكانت حكومة رئيس الوزراء العراقي الأسبق عادل عبد المهدي قد تعهدت بمنحها للإقليم إلى حين التوصل لاتفاق دائم بين الطرفين. وفعلت الحكومة المركزية العراقية ذلك كأداة للضغط على المفاوضين من إقليم كردستان.
بعد جولات مطولة من المفاوضات، توصل الطرفان في أواسط شهر ديسمبر إلى أتفاق مبدئي فيما بينهما، بطريقة تضمن تدفق حصة إقليم كردستان من الميزانية المركزية طيلة العام القادم، بحسب مشروع الميزانية العامة للبلاد.
ويفترض، من حيث المبدأ، أن يحصل الإقليم على نسبة 12.67 من الميزانية العامة، على أن تُحسم منها النفقات السيادية العراقية، وقيمة 250 ألف برميل نفطي يومياً، إلى جانب نصف واردات المنافذ الحدودية التي تعود لإقليم كردستان. إذ تشير التقديرات الأولية إلى أن المبلغ الذي يتوقع أن تدفعه الحكومة المركزية شهرياً لإقليم كردستان يناهز 250 مليون دولار.
اضطرابات سياسية
دخل العراق عامه الحالي بحكومة مستقيلة، فرئيس الوزراء الأسبق، عادل عبد المهدي، كان قد قدم استقالته في الأول من شهر ديسمبر من العام الماضي، تحت ضغط التظاهرات الشعبية التي اجتاحت العاصمة بغداد والمناطق الجنوبية.
لستة أشهر كاملة، فشلت القوى السياسية الداخلية والدول الإقليمية والنفوذ الدولي من الاتفاق على مُرشح متوافق عليه لشغل منصب رئيس الوزراء. فقد فشل المرشح التكنوقراطي محمد توفيق علاوي في تشكيل حكومة جديدة، ومن بعده لم يتمكن المحافظ السابق عدنان الزرفي من نيل موافقة القوى السياسية الشيعي المركزية، التي تشغل أغلب مقاعد البرلمان. فتوافقت الكتل السياسية ومعها القوى الإقليمية والدولية على تكليف رئيس جهاز الاستخبارات مصطفى الكاظمي لتشكيل الحكومة المركزية.
في السادس من شهر مايو، نالت الحكومة التي شكلها مصطفى الكاظمي ثقة البرلمان العراقي، بعدما رشح وزراء شبه مستقلين، إلى جانب شخصيات ذات خلفية مهنية، لكن مع ترشيح ورضا من القوى السياسية العراقية الممثلة في البرلمان.
ورتبت حكومة الكاظمي في برنامجها الانتخابي أربعة مهام أساسية، وكونها حكومة مؤقتة جاءت عقِب اندلاع انتفاضة شعبية اجتاحت البلاد.
فحكومة الكاظمي تعهدت بالحد من سيطرة المليشيات المُسلحة على المفاصل الحيوية من البلاد، من خلال ضبط سلاحها المنفلت، ومنعها من التصرف كقوة متجاوزة لصلاحيات الحكومة المركزية والجيش والقوى الأمنية.
وركزت الحكومة أيضا على إعادة السيطرة على بعض المنافذ الحدودية غير النظامية، لأن الفصائل المسلحة من مليشيات الحشد الشعبي أظهرت نفوذاً وقوة تتجاوز التي أظهرتها الحكومة المركزية. خصوصاً وأنها استمرت في قصف المنطقة الخضراء حيث السفارة الأميركية، ولم تلتزم بتوجهات رئيس الوزراء الأمنية.
المسألة الأخرى كانت في موضوع مكافحة الفساد والنهب العام، الذي كان يجتاح جميع مفاصل البلاد، وقامت الثورة الشعبية أساساً لأجل مناهضته.
ولم تتمكن حكومة الكاظمي من وضع خطوط استراتيجية واضحة لمناهضة لذلك، ولم ينجح تحويل أكثر من مائتي ملف واضح للفساد إلى المحاكم الاختصاصية. كما أن حكومة الكاظمي ورثت إرث السياسيات المالية التي مارستها الحكومات العراقية السابقة. فمع الثلث الأخير من هذا العام، صارت الحكومة العراقية تواجه أزمة مالية حقيقة لدفع رواتب موظفيها، وصارت مجبرة على خيار واحد من بين اثنين، فإما الاستدانة أو تخفيض قيمة العملة المحلية، فلجأت إلى الخيار الثاني، الذي أفرز تضخماً استثنائياً وتراجعاً في القدرات الشرائية للمواطن العراقي.
وعلى المستوى الإقليمي، أظهرت حكومة الكاظمي ميولاً لخلق توازن في العلاقات الإقليمية، بين كل من إيران وتركيا من طرف، ودول العالم العربي من طرف آخر.
وحاولت حكومة الكاظمي أن تحافظ على نوع من التوازن في العلاقة معها، بحيث تخوض مفاوضات استراتيجية معها بغية إخراج الجيش الأميركي من العراق، إرضاء لفصائل الحشد الشعبي وقواها السياسية الراعية، وفي الوقت عينه التعاون مع الولايات المتحدة كحليف استراتيجي لمواجهة الإرهاب.
الملف الوحيد الذي تمكنت حكومة مصطفى الكاظمي من تحقيقه بحزم كان تحديده لموعد مُبكر لإجراء الانتخابات العامة في البلاد، في شهر يونيو من العام المقبل. لكن المراقبين للمشهد العراقي أكدوا بأن ذلك الامتحان بالنسبة للكاظمي لن يتأكد نجاحه قبل إجراء انتخابات نزيهة في ذلك الموعد، دون تدخل وتأثير من السلاح والمال السياسي.