تركيا.. الطبقة الوسطى تتآكل والخبز ليس سهلا على الجميع
17:51 - 21 نوفمبر 2020سردار نايف جليك، معلم بمدرسة ثانوية من مدينة غازي عنتاب، يقول إن شراء الأدوات الكهربائية والملابس والأثاث المنزلي أصبح رفاهية لعائلات المدرسين، الذين يشكلون أكبر طبقة وسطى في عموم تركيا.
سردار (55 عاما) الذي قضى 30 عاما مدرسا لمادة الفيزياء في إحدى مدارس المدينة يضيف لموقع "سكاي نيوز عربية": "حتى الخبز الذي نستهلكه يوميا أصبح تحديا للعديد من العائلات".
وتابع: "تحتاج الأسرة المكونة من 5 أشخاص، والدان و3 أطفال، ما لا يقل عن 10 أرغفة في اليوم الواحد، مما يعني أكثر من 600 ليرة تركية (نحو 90 دولار) شهريا، أي ما بين ثلث ونصف الحد الأدنى من الأجور".
وتقول أستاذة الاقتصاد المالي ريحانة يلدرم لموقع "سكاي نيوز عربية"، إنه "لم يعد هناك شيء اسمه الطبقة الوسطى في تركيا، إما الأغنياء والأغنياء جدا أو الفقراء والفقراء جدا. نذهب إلى السوق بـ100 ليرة (حوالي 15 دولار)، وبالكاد نملأ حقيبة واحدة ونعود إلى المنزل".
وأضافت: "لا يمكنني العثور على منتج اشتريته مقابل 10 ليرات (1.5 دولار) هذا الأسبوع"، في إشارة إلى التضخم الذي طرأ على أسعار السلع على اختلاف أنواعها.
الطبقة الوسطى مهمشة
وكان أبناء المدن الناشطون في المجالات الاقتصادية الخدمية في تركيا يشكلون الجزء الرئيسي من الطبقة الوسطى، التي كانت نسبتها تتجاوز 70 بالمئة من سكان البلاد، لكن هذه الفئة تعرضت إلى تهميش اقتصادي وسياسي خلال السنوات الأخيرة، حيث انخفض متوسط الدخل بمقدار الثلث، من 12500 دولار للفرد الواحد إلى 9300 دولار سنويا.
هذا الأمر الذي ترافق مع انحراف مؤشر عدالة توزيع الدخل القومي، فالنسبة العظمى من المواطنين الأتراك كانت تحصل على ما هو أقل بكثير من 9300 دولار سنويا، بينما تمتعت الطبقات الغنية الجديدة، المرتبطة بحزب العدالة والتنمية الحاكم، بالحصة الأكبر من الدخل.
وأظهرت المعطيات الاقتصادية خلال شهر أكتوبر الماضي، أن الحكومة التركية قطعت خدمات الكهرباء والغاز عن 1.6 مليون مواطن تركي، منهم 450 ألف مواطن خسروا خدمات الغاز الطبيعي رغم برودة الطقس واقتراب فصل الشتاء، لأنهم لم يتمكنوا من دفع الفواتير المتراكمة عليهم طوال الشهور الستة الماضية، إثر انهيار أعمالهم وفقدان مصادر رزقهم.
وبموازاة هذه الأوضاع المأسوية، ظلت فواتير الكهرباء والوقود ترتفع في البلاد، لتصل الزيادات إلى ما نسبته 35 بالمئة خلال الشهور الثلاثة الأخيرة فقط.
كل الأسعار ترتفع
ويواصل التضخم الاقتصادي ارتفاعه مؤثرا على أسعار جميع المواد الاستهلاكية والخدمية في البلاد، بنسبة لم تنخفض عن 10بالمئة شهريا، منذ أكثر من عامين.
وفي المقابل، لم تعد الحكومة قادرة على رفع الحد الأدنى للأجور إلا بنسبة 15بالمئة فقط، مما يعني إطاحة مصالح وقوة ومكانة الطبقة الوسطى في البلاد.
وقبل استقالته بشهور، طرح وزير المالية برات ألبيرق، خطة اقتصادية كشف فيها بأن نسبة النمو في البلاد خلال هذا العام لن تتجاوز 0.3 بالمئة، ثم تنحى عن منصبه بشكل مفاجئ.
الوزير التركي المستقيل صهر الرئيس رجب طيب أردوغان، أثبت المنطق الاقتصادي البسيط، الذي يقول إن أي حكومة تنفق أكثر مما تكسب ستواجه تضخما في اقتصادها العام، وإن ذلك التضخم لن يكون إلا على حساب الطبقات الوسطى في البلاد، التي ستتدهور أحوالها لتكون مقاربة لأحوال وأنماط عيش الطبقات الفقيرة.
توزيع مشوه للدخل
وحلل الخبير الاقتصادي المقرب من قوى المعارضة التركية برهان أردوغدو، في مقابلة صحفية، أحوال الطبقة الوسطى التركية.
وقال أردوغدو: "نحن ننافس دول أميركا اللاتينية في اضطراب توزيع الدخل. التوزيع مشوه لدرجة أنه بالإضافة إلى أفقر الفقراء، يحصل الآخرون البالغ عددهم 40 بالمئة من سكان البلاد على حصة قليلة جدا من الدخل القومي، أي أن الطبقة الوسطى قد اختفت تماما".
وتابع: "يتركز معظم الدخل القومي في يد 20 بالمئة من الأغنياء، بمعنى أن حزب العدالة والتنمية قد خفض الدخل القومي للفقراء في 6 سنوات إلى مستوى أنغولا وغينيا الجديدة، ففي عام 2013 كان 1 من أفقر 5 أشخاص يبلغ دخلهم القومي 3809 دولارا، وهو حال وفر للناس نمطا للحياة شبيها لما في أوكرانيا، لكنه انخفض إلى 2837 دولارا عام 2019، إلى مستوى أنغولا وغينيا الجديدة، وسينخفض إلى متوسط غانا وجمهورية الكونغو في عام 2020".
فاتح بورا أكيم أخصائي العلوم السياسية، كتب مقالة مطولة في موقع "داكتيلو" بعنوان "الحلم التركي"، مذكرا بأشكال الهشاشة التي تصيب هذه الطبقة الاقتصادية التركية، ومسؤولية النخبة السياسية في حدوث المحنة الاقتصادية.
وقال: "تحتاج النخبة والسياسيون في البلاد أيضا إلى فهم الديناميكيات الرئيسية لهذه الأزمة. إنهم بحاجة إلى تنحية أفكارهم السياسية جانبا ورؤية رغبة الناس في الازدهار".
وتابع: " يجب أن يدركوا أن النظرة للعالم في الثلاثينيات لم تعد قادرة على الاستمرار، فإما تركيا دولة حديثة وديمقراطية قائمة على الطبقة الوسطى وقوتها، وإما لا".