الملحفة.. "سر" المرأة الصحراوية في المغرب
20:37 - 19 نوفمبر 2020يحظى اللباس بمكانة هامة ضمن عادات وتقاليد سكان مختلف مناطق المغرب، كما يشكل جزءا أساسيا يعبر عن هويتهم. فكما أن للمرأة الأمازيغية والريفية والفاسية والوجدية لباسها الخاص، فللمرأة الصحراوية أيضا زيها الخاص: "الملحقة".
وتمنح "الملحفة" للمرأة في منطقة الصحراء المغربية، أناقة وجمالا متفردا، يميزها عن باقي النساء، وترتدي الصحراويات هذا الزي التقليدي بشكل يومي، وفي جميع المناسبات والأماكن.
و"الملحفة" عبارة عن قطعة ثوب واحدة، طولها أربعة أمتار وعرضها يصل بالكاد إلى متر ونصف المتر، وهي مختلفة الأشكال والألوان، فيما يتباين ثمنها حسب جودة ونوعية القماش.
وتلف "الملحفة" حول البدن بعد أن تربط عند الكتفين، لتغطي كامل الجسد، ماعدا اليدين والوجه.
لباس لكل الأجيال
وتحرص النساء في الصحراء المغربية، باختلاف أعمارهن وطبقاتهن الاجتماعية، على ارتداء الملحفة باعتبارها رمزا من رموز الأنوثة والجمال، وعادة توارثنها عبر الأجيال وعلى مدى قرون من الزمن، وحافظن عليها بالرغم من التطور الذي شهده عالم الموضة والأزياء.
وتقول السالكة بنت زهرة، (25 عاما)، "الملحفة بالنسبة لي ليست لباسا تقليديا فحسب، بل هي كذلك زي مريح يشعرني بارتياح داخلي عند ارتدائه، كما أن ألوانه وزخاريفه تمنحاني شعورا بالبهجة، والطاقة الإيجابية".
وتضيف الساكلة المتحدرة من مدينة الداخلة والقاطنة في أغادير، "أرتدي الملحفة في الجامعة وخارجها بشكل يومي، غير أنني أضطر للتخلي عنها خلال الطقس الماطر، لاسيما في فصل الشتاء، بسبب طولها وملامستها الأرض المبتلة في بعض الأحيان، حيث أجد نفسي مجبرة على ارتداء لباس عصري".
في حين ذهبت فاطمتو من مدينة العيون (68 عاما)، إلى القول، "لم استخدم طوال حياتي لباسا آخر غير الملحفة، ولن أتخلى عنه أبدا أينما ذهبت وفي جميع المناسبات، إنه مصدر فخر لكل امرأة صحراوية، فهو يزيدها جمالا وحشمة، ويعكس هريتها المغربية الصحراوية الضاربة في عمق التاريخ".
وتقول فاطمتو "أوصي بناتي وحفيداتي دائما بالمحافظة على الملحفة، رغم إغراءات اللباس العصري. إنه موروث يميزهن كصحراويات عن باقي نساء المناطق الاخرى، وينبغي علينا أن نحافظ عليه للأجيال القادمة".
ملحفة "النيلة"
وتمتلك كل من السالكة وفاطمتو أنواعا مختلفة من الملاحف، بعضها يتم ارتداؤه بشكل يومي وأخرى مخصصة للمناسبات (الأفراح والأعياد)، وألوانها مختلفة بين الموحدة، والثابتة، والمزكرشة، كما هناك منها التي ترسم عليها تصاميم خاصة.
العزة السلامي رئيس متحف "دار الجنوب" بمدينة العيون، تقول أن الرحل في الصحراء قديما كانوا يصنعون الملحفة من جلد الماعز بغرض تغطية أجسادهم بشكل كامل، ومع تطور اللباس عبر الزمن أصبحت الملحفة تصنع من قطعة ثوب، وتتخذ أشكالا وأنواعا كثيرة، وكذا أسماء مختلفة.
وتستطرد العزة، في حديث لـ "سكاي نيوز عربية"، أن "أول أنواع الملحفة قديما كانت تسمى "النيلة"، وهو قماش سميك، كان يلف على جسد المرأة ويحميها من البرد ومن أشعة الشمس الحارقة في الصحراء. وتحتوي النيلة على مادة مفيدة لبشرة لجسم، ولا تزال تستعمل كقناع للوجه والجسم، ولها مزايا عدة في إزالة التصبغات وتوحيد لون البشرة".
من جانبه، يقول المختص في الموروث الحساني، سالم الشافعي إن "الملحفة تعد رمزا من رموز الثقافة الحسانية، وهي تمنح المرأة نوعا من القبول والحشمة داخل المجتمع الصحراوي، خاصة تلك التي كانت تحمل اللونين الأسود أو الأبيض التي اعتادت النساء الصحراويات ارتدائها قديما، كما كانت ملحفة النيلة نادرة، وكان من يتوفر عليها يستعملها بحرص كبير، نظرا لقيمتها وصعوبة الحصول عليها".
ويضيف الشافعي في حديث لـ "سكاي نيوز عربية"، "تستورد ملحفة "الشرق" التي تحتوي على مادة النيلة انطلاقا من مالي والنيجر. لونها أزق داكن يترك صباغة على الجسم، ويعطي إشراقا وجمالا للبشرة بعد الاستحمام".
أنواع وألوان مختلفة
وتقسم الملاحف في المجتمع الصحراوي، إلى المخصصة للصغيرات في السن من فتيات، وشابات، وتتميز باختلاف ألوانها وزركشاتها المتنوعة، وملاحف أخرى خاصة بالنساء الأكبر سنا، تقتصر على نوعية قماش وزخرفة لا تلفت الأنظار.
ويشير الشافعي إلى أن أجود الملاحف تستورد بشكل خاص من العاصمة الموريتانية نواكشوط ومن مدينة "كيهيدي"، جنوبي موريتانيا، وهي المدينة التي تشتهر بالصباغة التقليدية وزخرفة الملاحف.
بدورها، تشير العزة السلامي إلى أن جميع النساء في إفريقيا كن قديما يرتدين الملحفة، التي يختلف اسمها من منطقة لأخرى ومن بلد لآخر، وكانت تلبس خلال المناسبات و الأعياد والأفراح، وتستورد من بلدان عديدة من ضمنها الإمارات العربية المتحدة أو الهند، وبشكل أكبر من موريتانيا.
وتؤكد السلامي أن "النساء المغربيات في الصحراء لازلن متشبثات بالملحفة كزي تقليدي محلي بالرغم من مظاهر العصرنة التي باتت تطبع مختلف مناحي الحياة. كما يبقى إقبال النساء على اقتناء الملحفة كبيرا بغض النظر عن تفاوت أسعارها، والتي تتراوح بين 50 درهما مغربيا (5 دولارات) بالنسبة لبعض أنواع الملاحف من بينها "كاز"، وقد يتعدى سعرها 20000 ألف درهم مغربي (2000 دولار) بالنسبة للصنف الذي يصنع من الحرير الخالص والمعروف بجودته العالية".