"السحوة" في موريتانيا.. ظاهرة تلبس ثوب الدين
23:10 - 26 أكتوبر 2020مع التحول المتسارع فی أنماط الحياة بدأت تختفي بعض الظواهر والعادات التي كانت تتحكم بشكل كبير في حياة المجتمع وفي العلاقة بين أفراده، ومن أبرز هذه العادات عند الموريتانيين ظاهرة "السحوة".
و"السحوة" كما يظهر من اسمها مشتقة من الحياء الذي هو من كمال الإيمان، وقد توارثتها الأجيال في موريتانيا كنمط سلوك جمعي إلى أن أصبحت سلوكا ثابتا يحظى باحترام يصل أحيانا حد التقديس.
قواعد ملزمة
تتجلى مظاهر السحوة في سلوك الأفراد في كثير من القواعد، من بينها تجنب الحديث في المواضيع العاطفية بين من لا ينتمون لنفس الفئة العمرية، وتجنب الزوجين لأي قول أو فعل يظهر ارتباطهما، أو أن يسيرا معا أمام الجميع، وتجنب أي لقاء أوحديث بين الرجل وصهره أحرى أن يتناولا الطعام معا أو يجلسا في مجلس واحد.
كما تتجنب المرأة الأكل والشرب أمام حماتها ولا تكشف أي منهما عن كامل وجهها للأخرى. ولا تلفظ المرأة اسم الزوج مطلقا ولا اسمه العائلي، وفي بعض الأحيان تتجنب ذكر اسم الكبير من الأبناء خصوصا إذا حمل اسم جده.
أما في حالة الحمل تستحيي المرأة من إظهار حملها أو الحديث عنه.. ويمنع على الشباب والأطفال مخاطبة آبائهم أو الاقتراب منهم إذا كان حولهم من هو أكبر منهم.
وأحيانا قد تؤدي مخالفة هذه القواعد إلى تعرض الشخص للملامة أو المس بمركزه الاجتماعي أو الانتقاص منه في أحسن الأحوال.
"السحوة" بين الشرع والعادة
يؤكد الباحث وأستاذ علم الاجتماع في جامعة نواكشوط العصرية د. محمد الأمين محمد موسى أن "السحوة ليست هي الحياء المطلوب شرعا.. ففي العهد النبوي كان النبي صلى الله يجلس مع فاطمة وعلي والحسن والحسين رضي الله عنهم دون حرج".
ويوضح د. محمد موسى لسكاي نيوز عربية أن "السحوة ظاهرة اجتماعية متجذرة لها كثير من الآثار السلبية مثل حرمان الصغار من حقوقهم المادية والمعنوية.. كما تحرم الشباب من التعبير عن ذواتهم وتؤدي لمصادرة آرائهم واختياراتهم الحياتية.. ففي المجتمع التقليدي الشباب يتربى على الخضوع والقبول لما يراه الكبار ولا يمكنهم الاعتراض حتى لو تعلق الأمر بمستقبلهم كالدراسة أو اختيار شريك الحياة، وذلك يزرع في نفوسهم الخجل والخنوع".
لكن مع ذلك فللسحوة آثار إيجابية بالمقابل، يضيف الباحث محمد الأمين محمد موسى لسكاي نيوز عربية "منها أنها تساعد كآلية من آليات الضبط الاجتماعي على تنشئة الأجيال وتساهم في ضبط السلوك وتوحيد المعايير حتى تتماشى مع النسق العام السائد في المجتمع".
ولا يعرف غالبية الشباب الشيء الكثير عن العادات الاجتماعية خاصة "السحوة" التي اختفت تقريبا أو لم يعد لها ذلك التأثير في حياة سكان المدن.
ويرجع البعض ذلك إلى انتفاء الحاجة إليها كما يوضح لسكاي نيوز عربية الصحفي أحمد الناديف حيث يرى أن "السحوة كانت في الماضي ضرورية لتنظيم العلاقة بين الأفراد الذين يسكنون في خيمة أو خيام متقابلة، فكان لابد من إقامة حواجز معنوية ونفسية تحافظ للفرد على بعض الخصوصية، أما الآن فظروف الحياة مختلفة ولذلك فقد أصبحت جملة عادات تكاد تكون مفتعلة".
وقد أثارت "السحوة" جدلا طويلا وأسالت الكثير من الحبر بين مدافع عنها بصفتها حاضنة للقيم ومن يراها عائقا لا فائدة فيه، إلا أنها كظاهرة اجتماعية لا يمكن محوها لأنها لم توجد بإرادة أحد.. ولذلك فهي لاتختفي تماما وإنما تتكيف مع تقلبات المجتمع.