بلا أجنحة؟.. السينما الجزائرية تطير بحثا عن الأوسكار الثاني
00:17 - 16 أكتوبر 2020في عام 1970، نالت الجزائر أول جائزة أوسكار في تاريخ السينما العربية، عبر فيلم "زاد"، وتبحث عن تحقيق هذا الإنجاز مرة الأخرى العام المقبل 2021، عبر فيلم يروي جانبا من تاريخ الثورة الجزائرية.
ولا يزال مسرح "دولبي" في مدينة لوس أنجلوس الأميركية شاهدا على لحظة صعود المخرج الجزائري، أحمد راشدي، على خشبته لاستلام جائزة أفضل فيلم بلغة أجنبية في أوسكار، التي تحول اسمها لاحقا إلى جائزة أفضل فيلم دولي.
وكان الحدث حينها استثنائيا، إذ إن بلدا لم يطفئ بعد الشمعة العاشرة للاستقلال (استقلت الجزائر عام 1962) يخطف في هذه الأمسية أهم جائزة في تاريخ السينما.
ولم تتوقف الجزائر عن محاولة الطيران مجددا نحو مسرح دولبي بلوس أنجلوس، أملا في الفوز ثانية بجائزة الأوسكار، لكن المتابع للمشهد السينمائي الجزائري اليوم لا يرى أن الصورة مشجعة.
ومع ذلك، لم تفقد الجزائر الأمل، وأعلنت عن مرشحها لمسابقة أوسكار 2021 في فئة أفضل فيلم دولي، وقد اختارت الرهان على فيلم "هيليوبوليس" الذي يعد التجربة السينمائية الروائية الأولى للمخرج الجزائري، جعفر قاسم.
مهمة صعبة
مهمة تبدو صعبة رغم التفاؤل الكبير الذي بدا على رئيس اللجنة الجزائرية المكلفة بمهمة تحديد اسم مرشح الجزائر لهذا العام، فحسب الأصداء من داخل اللجنة، فإن عراب السينما الجزائرية المخرج لخضر حامينا أعجب شخصيا بطريقة تصوير الفيلم وأشاد بموهبة قاسم.
وأرجع عضو لجنة اختيار الأفلام ومتحف السينما الجزائرية سليم عقار أسباب رهان الجزائر على هذا الفيلم تحديدا إلى المحتوى الفني الذي يقدمه، وقال لموقع "سكاي نيوز عربية" إن طريقة الإخراج والسرد والحوار تشبه إلى حد ما بعيد فيلم "الخارجون عن القانون"، الذي أخرجه رشيد بوشارب ،ونال حظا كبيرا من الاهتمام الدولي ودخل المنافسة رسميا على الأوسكار عام 2010.
وتعي الجزائر أن مهمة "هيليوبوليس" ليست سهلة، فيما قال مدير متحف السينما الجزائرية إن الأمر يحتاج إلى دعم كبير جدا وربط علاقات مع الموزعين في الولايات المتحدة للضغط باتجاه الدفع بحظوظ الفيلم أكثر.
وأوضح عقار أن العجز الذي تعاني منه السينما الجزائرية اليوم لا يرتبط بضعف مستوى الأفلام وإنما بالتسويق لها.
وقد رشحت الجزائر "هليوبولس"، حتى قبل عرضه في القاعات أو المهرجانات.
وحسب قوانين الأوسكار، فإن الجزائر ملزمة اليوم بعرض الفيلم في إحدى قاعاتها السينمائية قبل تاريخ 31 ديسمبر بعدما تم تمديد مواعيد العرض بسبب جائحة كورونا.
ندرة سينمائية
ومن المتوقع أن يتم عرض الفيلم شهر نوفمبر المقبل، وذلك بالتزامن مع إحياء الجزائر لذكرى اندلاع ثورة نوفمبر.
ويجمع الفيلم جيلا جديدا من الممثلين، منهم سهيلة معلم ومراد عوديت وفضل عسول ونصر الدين جودي، بالإضافة إلى الممثل عزيز بكروني، فيما أشرف على التأليف الموسيقي، الموسيقار، أرماند عمار.
وسينمائيا، لا يعد ترشيح الفيلم في دولة ما دليلا على الاعتراف الدولي بالفيلم، فالأمر ليس أكثر من اختيار يعكس مزاج صناع السينما في تلك البلاد، وفي حالة الجزائر فإن الأمر يتعلق باللجنة التابعة لوزارة الثقافة.
وبما أن الفيلم لم يعرض بعد، فإن الاختيار بحسب الناقد والمخرج الجزائري ومدير مهرجان جنيف للفيلم المشرقي طاهر حوشي ليس أكثر من قناعة خمس أعضاء وهم: المخرج لخضر حامينا، والمخرج لطفي بوشوشي، والمخرجة يامينة شويخ، والموسيقي سليم دادة.
ويرى حوشي أن الجزائر تعاني في السنوات الأخيرة من ندرة الأفلام، وقال لـ"سكاي نيوز عربية": "الاختيارات محدودة جدا وفي العشر سنوات الأخيرة الأمر أكثر تعقيدا بالنظر لمستوى الأفلام سواء من ناحية النوعية الأفلام وآليات الترويج والتسويق ".
وتنظر الساحة الجزائرية إلى المخرج جعفر قاسم باعتباره مخرجا تلفزيونا جيدا، وهو يخوض أول تجربة سينمائية، وقد ذاع صيته كمخرج مسلسلات الكوميديا الرمضانية مثل مسلسل "ناس ملاح سيتيي"، و"جمعي فاملي" وبشكل خاص سلسلة "عاشور العاشر" الذي أكسب المخرج شهرة محلية كبيرة في السنوات الثلاث الأخيرة.
هيليوبوليس
ويسرد الفيلم المرشح لمدة ساعتين حكاية من تاريخ الثورة الجزائرية، حيث يعود إلى مدينة هيليوبوليس بأقصى الشرق الجزائري، متتبعا حياة عائلة جزائرية قبل أيام قليلة من اندلاع مظاهرات الشعب الجزائري في 8 مايو 1945، التي طالبت بالاستقلال يوم إعلان نهاية الحرب الثانية.
ويعكس الفيلم الصراع العالمي ويعري جانبا من وحشية الجيش الاستعماري والجرائم التي ارتكبتها فرنسا في حق الشعب الجزائري.
ويرى المخرج والناقد المقيم في يوسرا أن الغرب لا يهتم بالأفلام ذات البعد الأيديولوجي، وإنما يدعم القصص الإنسانية.
وقال:" الغرب يدعم الأفلام التي تحمل قصة صادقة وخالية من الأيديولوجية التاريخية وهو الأمر الذي نلحظه في المهرجانات وخاصة الأوسكار ".
بين الأمس واليوم
وتقف الجزائر أمام مهمة فك شفرة معقدة لم تستطع فكها في السنوات الأخيرة، وهي تلك التي تتعلق بالإنتاج المشترك، وقد خاضت في السنوات الأخيرة تجارب وصفت بالفاشلة ولم تعد مجد السينما الجزائرية الذي تم بنائه على نسق الإنتاج المشترك في الستينيات والسبعينيات.
وكانت الجزائر قبل خمسين عاما البلد العربي الوحيد الحائز على جائزة الأوسكار، وللحكاية تفاصيل مثيرة سردها المخرج الفرنسي كوستا غافراس في كتابه "اذهب إلى حيث المستحيل".
فقد فتحت الجزائر في ذلك الوقت أبوابها للمخرجين الأجانب، ليقوم غافراس بتصوير فيلمه في شوارع الجزائر العاصمة، بالاشتراك مع المخرج الجزائري أحمد راشدي.
فيلم "زد"
وتحدث المخرج الفرنسي عن الدعم الذي حصل عليه من الجزائر التي آمنت بمشروعه السينمائي "زد"، وهو الفيلم الذي يوصف اليوم بأنه أكثر فيلم أزعج فرنسا، أولا عندما رفضت تمويله، وثانيا بعد أن حاز على الأوسكار، لتشن الصحافة الفرنسية هجوما كبيرا على الفيلم والمخرج والجزائر.
ويعودنا بنا الناقد البروفيسور الجزائري أحمد بجاوي الذي يعتبر شاهدا على العصر الذهبي للسينما الجزائرية، إلى الأسباب التي عززت من حظوظ الجزائر للفوز بالأوسكار عام 1970.
وقال لـ"سكاي نيوز عربية": "الفيلم جاء ملائم للأفكار التقدمية في ذلك العصر، كما أن مخرجه قدم فلسفة سينمائية جديدة في طريقة التعامل مع الأفلام التاريخية مازجا نكهة الأكشن (الحركة) بالحقائق التاريخية ".
وقد ساهم رهان الجزائر كدولة حديثة الاستقلال على هذا العمل في تعزيز مكانته لدى النقاد عبر العالم.
وتاريخيا تعد الجزائر البلد العربي الوحيد الذي استطاع الوصول إلى القائمة القصيرة للأوسكار أربع مرات، بفيلم "الرقصة" للمخرج الإيطالي إيتوري سكولا عام 1983، وخاصة بفضل المخرج رشيد بوشارب الذي وصول إلى الأوسكار ثلاث مرات، ما يجعله أكثر مخرج عربي وصل رسميا إلى ترشيحات الأوسكار بمعدل ثلاثة أفلام "غبار الحياة" 1995، و"بلديون" 2006 و"الخارجون عن القانون" وسنة 2011.
وعانت الجزائر في السنوات الأخيرة من جفاف الإنتاج السينمائي، مما انعكس على الترشيحات التي تبقى محدودة هذه السنة، فلم تجد البلاد سوى فيلمين فقط وهما "هيليوبوليس" وفيلم "باركور" للمخرجة فاطمة الزهراء زعموم وهي أفلام من إنتاج جزائرية مئة بالمئة، لتختار اللجنة العمل الأول ودون تردد وهو الأخيار الذي يصفه بجاوي بالقرار الذي يندرج في إطار تغطية الفراغ الموجود في السينما الجزائرية.
ملامح منافسة قوية تتضح
وأمام الوضع غير المعتاد هذا العام، فإن الدول الأوروبية بدأت بالكشف عن الأفلام التي ستمثلها في السباق على جائزة أوسكار لأفضل فيلم روائي طويل دولي، بعدما تم تحديد تاريخ 1 ديسمبر 2020 كموعد نهائي للترشح.
ولغاية الآن، فقد أعلنت 14 بلدا منها الجزائر عن ترشيحاتها، وقد كانت الإكوادور أول الدول التي قدمت مرشحها وهو فيلم "الفراغ" للمخرج بول فينيغاس، من إنتاج مشترك بين إكوادوري وأوروغواياني، وحاز الفيلم على جائزة أفضل فيلم إكوادوري في مهرجان غواياكيل السينمائي في البلاد.
وسيُعرض للمرة الأولى دوليا في غضون أيام قليلة في مهرجان بوسان السينمائي بكوريا الجنوبية.
وأعلنت كل من بولندا وسوسيرا وساحل العاج وأوكرانيا ولوكسمبورغ وكوسفو وجورجيا وجمهورية التشيك والبوسنة وتيوان وسينغابور ومملكة بوتان عن أسماء الأفلام التي ترشحها للدورة 93 للأوسكار، المقرر عقد حفل توزيع جوائزها الأوسكار في 25 أبريل 2021، بعدما كان من المقرر أصلاً عقدها في 28 فبراير حيث تم تأجيل الحفل لمدة شهرين بسبب جائحة "كوفيد -19".
وشهدت جائزة أوسكار للفيلم الدولي السنة الماضية ترشيح 92 فيلما، وفاز فيها فيلم "طفيلي" للمخرج الكوري جنوبي بونج جون هو، الذي انطلقت رحلته العالمية بفوزه بجائزة السعفة الذهبية لمهرجان كان السينمائي بفرنسا.