بعد سنوات من الأزمة.. مساع جزائرية لتطوير "الأسطول الجوي"
23:22 - 06 أكتوبر 2020قررت السلطات الجزائرية إعادة فتح المطارات الداخلية، التي كانت مغلقة لكنها لم تحدد موعد لاستئناف الرحلات، فيما تراجع عدد الإصابات بفيروس كورونا المستجد على نحو ملحوظ.
في المقابل، لم تلُح أي مؤشرات نحو إعادة فتح المجال الجوي الدولي المغلق منذ 8 أشهر بسبب تفشي الوباء.
وما زالت الجزائر كغيرها من دول العالم ترسم سياستها الإقتصادية وفق ما تقتضيه جائحة كورونا، لكن النقطة المهمة التي تناولتها الحكومة مؤخرا تتعلق بمراجعة أسلوب إدارة شركة الخطوط الجوية الجزائرية المملوكة للدولة، لجعلها قادرة على المنافسة دولياً عن طريق تغييرات عميقة لإيجاد جو تنافسي.
وتحولت الوضعية التي وصلت إليها الشركة في ظل الجائحة إلى النقطة التي أفاضت الكأس، بعد مسلسل الجدل الذي رافق طريقة تسيير الجوية الجزائرية في السنوات الأخيرة، والتي أعطت صورة سيئة عن البلاد، بحسب منتقدين.
قرارات سياسية شجاعة
وتصحيحا لكل ذلك، تتجه الجزائر عبر استغلال الظروف الاقتصادية العالمية الحالية لفتح خطوط جديدة نحو الخارج وإنشاء شركات خاصة لضمان خدمة النقل الجوي الداخلي، في إطار إيجاد ديناميكية اقتصادية وخفض البطالة.
كما تقرر تقليص عدد الوكالات التجارية للخطوط الجوية في الخارج، والتحضير لأرضية مطار محوري للجزائر بأقصى الجنوب (مدينة تمارانست 1981 كلم عن العاصمة) من أجل بلوغ أسواق الأميركيتين وأفريقيا.
وتعكس الخطوة شكل المقاربة الاقتصادية الجديدة التي تعتمدها البلاد والتي تركز على الانفتاح والتنوع الاقتصادي وهو الأمر الذي يحتاج بحسب الخبراء إلى تطوير قطاع الطيران.
ويؤكد الخبير الاقتصادي عبد القادر بريش لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن قطاع النقل الجوي في الجزائر يعاني منذ سنوات وقد جاءت الجائحة للكشف عن المزيد من الأزمات بعدما سجلت الشركة الوطنية خسائر تجاوزت الـ 200 مليون خلال ثمانية أشهر.
ويرى الخبير الاقتصادي أن حل هذه الأزمات التي يتخبط فيها قطاع الطيران في الجزائر يتطلب إرادة سياسية حقيقية، وهو ما تجسد في القرارات الأخيرة التي أوصت بفتح الأبواب أمام القطاع الخاص والتوجه نحو تطوير آليات التبادل التجاري بين الجزائر والدول الإفريقية التي تشكل سوقا مهمة.
وقال وزير النقل الجزائري، لزهر هاني، إن فتح المجال الجوي أمام القطاع الخاص قرار سياسي لا رجعة فيه ولن يقتصر فقط على الخطوط الداخلية بل يتعداه إلى النقل الدولي، مشيرا إلى أن الخطوط الجوية الجزائرية سينحصر نشاطها في الرحلات الدولية.
وبحسب الخبراء فإن هذه الإرادة السياسية تصطدم بالكثير من التحديات، ففيما تراهن الدولة على خفض البطالة، سيكون من الصعب أن يتم الإصلاح دون اتخاذ قرارات شجاعة تدفع نحو تسريح الآلاف من العمال التابعين للخطوط الجوية الوطنية.
وفي السنوات الأخيرة، أعلنت الشركة الجزائرية عن تسجيلها لعجز مالي أدى إلى إحداث عدة تغييرات في الإدارة، وذلك على خلفية سلسلة من الاضرابات التي قامت بها العديد من النقابات التابعة لها.
ومن ضمن الأرقام المسجلة، أشارت التقارير الرسمية إلى أن الخطوط الجوية عرفت عجزا ماليا عام 2017 تجاوز 100 مليون دولار.
وخلال العامين الماضيين، ارتفعت النداءات المطالبة بمراجعة تسيير مكاتب الجوية الجزائرية في الخارج خاصة وأن عدد منها لا يحقق أي أرباح مالية، وقد تحولت بحسب الخبراء إلى مكاتب توظف أبناء كبار المسؤولين برواتب مرتفعة وتكلفة تقارب 100 آلف دينار دولار في بعض الدول الأوروبية دون فائدة اقتصادية.
ويوضح الخبير الاقتصادي حميد علوان أن هذه الشركة المحورية راحت ضحية نظام سياسي واقتصادي تم بناؤه على مدى عقود من الزمن وفق مبدأ المحسوبية والتعيين عن طريق الولاءات.
وَقال علوان إن هذا الأمر فجر أزمة حقيقة، وتسبب في استنزاف أموال خزينة الدولة، حيث توظف الشركة أزيد من 11 ألف موظف لتسير 95 طائرة بينما توظف شركات عربية منافسة 3 آلاف موظف لتسيير 75 طائرة، ومن هنا نلاحظ حسب الخبير حجم الفجوة والتحدي الحقيقي الذي تواجهه قرارات الحكومة الأخيرة.
ويرى الباحث في المجال الاقتصادي أن الجزائر بحاجة اليوم إلى تحرير الشركة من عقلية التسيير القديمة، وهذا الأمر يتطلب قرارات على المستوى البشري والخدمة والتسيير المالي تهدف لتحديث آليات العمل والاستغناء على الطرق التقليدية التي آكل عليها الدهر وشرب، كما قال علوان: كل الإمكانيات متوفرة لتطوير الشركة ولكن الأمر يحتاج إلى مراجعة سياسية عميقة.
وتأتي هذه القرارت في وقت صعب جدا يمر به الاقتصاد الجزائري المرتبط بقطاع المواصلات، حيث تتوقع الدولة أن تصل خسائر الشركة الحكومية إلى نحو 290 مليون دولار.
غلق للحدود حتى نهاية الجائحة
وفي 17 مارس الماضي، أغلقت الجزائر جميع حدودها البرية والملاحة والنقل البحري مع تعليق جميع الرحلات الجوية، وأبقت فقط على رحلات طائرات شحن البضائع والبواخر الناقلة للسلع. بعدما سجلت الجزائر أول حالة كورونا بتاريخ 12 مارس 2020 لمغترب قدم من فرنسا.
وأمام تراجع أعداد الإصابات اليومية، عادت الحياة في الجزائر إلى طبيعتها وتقرر عودة التلاميذ إلى مقاعد الدراسة في 22 أكتوبر بينما تم تحديد تاريخ 22 نوفمبر موعدا للدخول الجامعي، كما أعطت الموافقة لأصحاب المطاعم والمحالات التجار والمقاهي للعودة إلى النشاط اليومي وفق بروتوكول صحي وإجراءات غير مشددة.
وفي آخر إحصائيات وزارة الصحة، فإن عدد الإصابات بكورونا في الجزائر لا يتجاوز 141 حالة جديدة خلال 24 ساعة الأخيرة، وترى الدولة ضرورة استمرار غلق المجال الجوي إلى حين انتهاء الجائحة.
وقد سبق للرئيس عبد المجيد تبون أن صرح بذلك مشيرا أن الجزائر لن تفتح مجالها الجوي الدولي حتى تنتهي الجائحة، وأكد وزير الشؤون الخارجیة، صبري بوقادوم، على ذلك في تصريح إعلامي سابق موضحا أن قرار فتح المجال الجوي الجزائري أمام رحلات الطیران المدنیة من جديد بید اللجنة العلمیة لرصد ومتابعة تطور فيروس كورونا.
من جهته أكد وزير الصحة والسكان، عبد الرحمن بن بوزيد، أنّ بلاده لا تفكر في فتح الحدود البرية والجوية والبحرية بسبب انتشار الوباء بقوة في عدد من دول أوروبا، خاصة فرنسا التي توجد بها جالية جزائرية بعدد كبير.
خسائر كبيرة ووكالات أفلست
انعكست هذه الوضعية التي تمر بها الخطوط الجوية، بشكل مباشر على العالمين في القطاع السياحي، وأكد رئيس النقابة الوطنية لوكالات السفر والخبير في السياحة سعيد بوخليفة أن هناك أكثر من ألف وكالة سياحية من أصل 3800 وكالة، أعلنت إفلاسها متأثرة بشكل كبير بالإجراءات المتخذة لمجابهة انتشار الجائحة.
وقال بوخليفة لموقع "سكاي نيوز عربية" أن هناك تخوفا من أن يستمر الإغلاق إلى ربيع العام القادم، حيث لا توجد أي مؤشرات على عودة الحركة الجوية إلى مطار الجزائر الدولي قبل نهاية العام الجاري.
ورغم الخسائر المالية التي خلفتها الجائحة على قطاع الطيران، ساعدت الإجراءات المتخذة على كبح انتشار كورونا.
وتمكنت الجزائر من محاصرة الوباء بهذه الاستراتيجية، لكن الإجراء أدى إلى تعطيل مصالح العديد من الجزائريين في الخارج، ويوضح بوخليفة أن الإجراءات المفروضة لا تهدف لمنع الجزائريين من السفر إلى الخارج ولكنها تسعى لمنع دخول حالات جديدة إلى الجزائر في حال تم فتح المطار الدولي.