الاكتئاب.. المرض الخطير الذي يهدد ثلث المغاربة
16:31 - 05 أكتوبر 2020تشير التقارير سواء الرسمية أو غير الرسمية، إلى أرقام مقلقة بشأن الانتشار الملموس لمختلف أنواع الأمراض النفسية بين المغاربة، وفي مقدمتها الاكتئاب، حيث يتباين التوزيع الجغرافي لهذه الأرقام بين المدن والقرى.
وكشف تقرير صادر مؤخرا عن منظمة "بارومتر" العربي، حول الصحة النفسية لمواطني دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، عن إصابة 20 في المائة من المغاربة بمرض الاكتئاب، يتوزعون بين 24 في المائة بالمدن، و17 في المائة في القرى والأرياف.
هذه النسبة من المصابين بالاكتئاب، التي تمثل زهاء ثلث المغاربة، تؤكدها أرقام وزارة الصحة المغربية كذلك، التي كشفت في إحصاءات رسمية سابقة أن 40 في المائة من المغاربة الذين تتجاوز أعمارهم 15 عاما يعانون إما اضرابا نفسيا أو عقليا.
وحسب المختصين في الطب النفسي، عادة ما تبدأ الاضطرابات النفسية بتوتر وقلق، وسرعان ما تتحول إلى اكتئاب قد يؤدي بصاحبه إلى جملة من المشاكل والعقد، تصل أحيانا إلى درجة الانتحار.
أخطاء شائعة عن الاكتئاب
يشخص الاكتئاب انطلاقا من أعراضه المتلازمة والمتداخلة والمركبة و من أبرزها القلق الدائم والحزن والتشاؤم، مع فقدان الطاقة وانخفاض معدل التركز والشعور بعدم احترام الذات، فيما تبقى أكثر الأعراض خطورة هي الميل للانتحار.
هذا المرض النفسي غالبا ما يرتبط لدى الناس ببعض الأخطاء الشائعة، وهو ما يؤكده مدير مستشفى الرازي للأمراض النفسية والعقلية بسلا، البروفيسور جلال توفيق، قائلا: "هناك أخطاء ومغالطات تنتشر بين الناس وهي بعيدة كل البعد عن الواقع، ومن شأنها المساهمة في تدهور الحالة النفسية للشخص المكتئب".
وشدد البروفيسور في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، على أن "الاكتئاب ليس ضعف في الشخصية كما هو شائع، أو انعدام الإرادة والعزيمة لدى الفرد لمواجهة الصعاب، بل هو مرض يستوجب العلاج كباقي الأمراض الأخرى".
وفي ذات السياق، أشار أستاذ الطب النفسي في كلية الطب بالرباط البروفيسور توفيق، أن "من الأخطاء الشائعة بين الناس وفي أوساط العاملين في قطاع الصحة أيضا، التي يمكن أن تبعد المريض عن علاجه الطبي، الاعتقاد بأن الأدوية المضادة للاكتئاب تؤدي إلى الإدمان عليها، وهو خطأ كبير جدا، لأن تلك المضادات تساعد المريض بشكل ملحوظ على استرجاع نمط حياته الطبيعية".
وفي تعريفه للمرض يقول أستاذ طب النفس، إن "الاكتئاب مرض يصنف ضمن الأمراض العقلية التي ترتبط بإفرازات في الدماغ، وغالبا ما يكون لها علاقة بالوراثة أيضا عبر جينات قابلة للاكتئاب".
وعن العلاج، يوضح البروفيسور توفيق أن "هذا المرض النفسي ينقسم إلى أصناف متعددة وتتباين خطورته وفقا للحالات، وبعد التشخيص الدقيق للمريض، يلجأ الطبيب في المغرب، لخطط علاج مقننة دوليا، تعتمد بالأساس على الأدوية المضادة للاكتئاب وأدوية مكملة".
وأضاف: "مدة العلاج تختلف من مريض إلى آخر، وفي المجمل يحاول الطبيب معالجة المريض عبر التتبع النفسي بطرق معينة، كالعلاج السلوكي المعرفي الذي تكون نتائجه مع الدواء جيدة جدا".
أهمية العلاج المبكر
ويربط بعض المغاربة زيارة الطبيب النفسي بالجنون، ويعتقد آخرون أن أدوية الأمراض النفسية قد تسبب الإدمان، وبأن مريض الاكتئاب شخص "ضعيف الشخصية"، وهي معتقدات تدفع المريض في أحيان كثيرة إلى التوجه صوب العلاج التقليدي بالأعشاب عوضا عن العلاج النفسي.
وفي هذا السياق، قال أستاذ الطب النفسي في كلية الطب بالرباط، إن "مستوى التطبيب لدى المغاربة متدني لعدة أسباب، منها عدم الإحساس بخطورة الأمراض النفسية وضعف مشاركة المعلومة الطبية للتعريف بمرض الاكتئاب وطرق علاجه، مما يسهم في ترسيخ المعتقدات الخاطئة عن الأمراض النفسية".
ولفت البروفسور إلى أن "لجوء بعض أسر المصابين بالاكتئاب إلى وسائل العلاج التقليدية الخطيرة وغير المقننة، يفاقم الوضع الصحي للمصاب أكثر وينعكس على حياته الاجتماعية".
كما شدد على "أهمية العلاج في الوقت المناسب، في التغير الكلي للمسار العلاجي للمريض".
ويرجع البروفيسور عدم إقبال بعض مرضى الاكتئاب على العلاج النفسي إلى عدة عوامل، من بينها "التهميش والإقصاء الذي يتعرض له المرضى النفسيون، وضعف البرامج الصحية وبرامج القرب، فضلا عن الصورة السيئة لمستشفيات علاج الأمراض العقلية".
نقص في بنيات استقبال المرضى
وفي الوقت الذي يحذر فيه المختصون في الطب النفسي من خطورة التهاون في علاج الأمراض النفسية وعلى رأسها الاكتئاب، يجد العديد من المصابين المغاربة بأمراض نفسية، والذين يقدر عددهم بالملايين، صعوبة في ولوج العلاج بالمستشفيات العمومية، ويشكو معظمهم من التكلفة الباهظة في القطاع الخاص.
وفي هذا الإطار، كانت الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة، قد رصدت في تقرير لها، ضعف بنيات استقبال المرضى النفسيين في المغرب، فضلا عن افتقار المستشفيات (التي لا تتعدى أسرتها 1725 سريرا) لأدنى شروط الاستشفاء والعلاج.
وكشفت الشبكة في تقريرها أيضا، عن النقص الكبير في الموارد البشرية المخصصة لهذا النوع من العلاجات، والتي لا تتجاوز 172 طبيبا نفسيا و740 ممرضا اختصاصيا في الطب النفسي بالقطاع العام، و131 طبيبا في القطاع الخاص حسب أرقام الشبكة.