زيارة إسبر.. هل تزيحُ واشنطن حلفاء الجزائر التقليديين؟
00:10 - 03 أكتوبر 2020أثارت زيارة وزير الدفاع الأميركي، مارك إسبر، إلى الجزائر الكثير من الأسئلة، خاصة أنها تأتي بعد مضي 15 عاما على آخر زيارة قام بها وزير الدفاع الأميركي الأسبق دونالد رامسفيلد إلى البلاد.
ورغم أن الزيارة لم تستمر إلا 5 ساعات، إلا أنها فتحت الأبواب على مصراعيها للكثير من القراءات والتأويلات في مثل هذه الظروف، التي تمر بها منطقة شمال أفريقيا والدور الذي تريده القوى العالمية من الجزائر.
وقد وصل وزير الدفاع الأميركي إلى الجزائر، الخميس، قادما من تونس وأجرى محادثات مع الرئيس عبد المجيد تبون، بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة ووزير الدفاع، قبل أن يعقد محادثات مع رئيس أركان الجيش الفريق السعيد شنقريحة.
الجزائر وواشنطن.. علاقات تمتد لـ225 عاماً
وبالنظر للعلاقات التاريخية، فإن عمر الراوبط الجزائرية الأميركية تمتد لـ225 عاما، اعتبارا من تاريخ توقيع البلدين على معاهدة السلام والصداقة، والتي نصت المادة الأولى منها على أن يعامل الشعبان الأميركي والجزائري بعضهما البعض بلياقة وشرف واحترام.
واستمر الأمر إلى ما بعد استقلال الجزائر ولم تتقدم العلاقات باتجاه التعاون العسكري، منذ عام 1962، حيث نظرت الجزائر إلى الاتحاد السوفييتي سابقا ثم روسيا كمصدر للكثير من معداتها العسكرية، وبناء على ذلك قدمت موسكو حوالي 67 بالمئة من صادرات الأسلحة إلى الجزائر في الفترة من 2015-2019، وفقًا لمعهد ستوكهولم، بينما تحتل الصين المرتبة الثانية كمصدر للمعدات العسكرية الجزائرية، وتوفر 13 بالمئة من واردات الجزائر من الأسلحة.
وقبل أن يحل ضيفا على الجزائر، صرح مارك إسبر بشأن رغبة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في صد النفوذ الروسي والصيني في شمال أفريقيا، واتهم بكين وموسكو بالانخراط فيما وصفه بالسلوك المفترس وقال في كلمة ألقاها في تونس: "السلوك المفترس يهدف إلى تقويض المؤسسات الأفريقية، وتقويض السيادة الوطنية، وإيجاد حالة من عدم الاستقرار، واستغلال الموارد في جميع أنحاء المنطقة".
ويضع أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر، فاتح خنانو، سياق الزيارة في 3 محاور، وقال لـ"سكاي نيوز عربية" إن المستوى الأول يتعلق بالحضور الجزائري في المنطقة، خاصة ما تعرفه البلاد من حركية على مستوى دبلوماسيتها تجاه ملفين مهمين وهما الملف المالي وبشكل خاص الملف الليبي.
من ناحية ثانية، أوضح الباحث أن تزامن الزيارة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية يهدف لتصحيح مسار مقاربة الولايات المتحدة تجاه شمال أفريقيا، الذي تقف فيه كدولة مهمة.
أما السياق الثالث فهو يتعلق بدعم العلاقات الاستراتيجية والعسكرية وهي تعيش فترة حكم جديد عبر مقاربة الانفتاح والتنويع على مختلف القوى الدولية، ويرى خنانو أن الزيارة تزامنت مع زيارة وفد روسي عسكري رفيع المستوى وهذا الأمر الذي يعزز مكانة الجزائر التي تقدم مقاربة واقعية في الملفات الإقليمية والدولية.
وتحتفظ الولايات المتحدة بذكريات طيبة مع الجزائر خصوصا بعد دورها الكبير في تحرير الرهائن الأميركيين في الحادثة الشهيرة، التي وقعت عام 1979 في طهران، والتي كانت ستأخذ أبعادا مأساوية في المنطقة لولا رجال الدبلوماسية الجزائرية، الذين تمكنوا من حل أزمة أميركية دامت عامين.
الندية في ملف محاربة الإرهاب
وتقود الجزائر جيشًا كبيرًا يضم حوالي 130 ألف جندي، وقد صنفته مجلة "أرميسكي ستاندارت" الروسية في خانة أقوى الجيوش في أفريقيا، وذلك من خلال تحليل القدرة الدفاعية.
ووفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام فإن الجزائر تنفق حوالي 6 بالمئة سنويا من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع، مما يجعلها سادس أكبر مستورد للأسلحة في العالم وتحظى موسكو بنصيب الأسد من الصفقات بمبلغ إجمالي يتجاوز 13.5 مليار دولار.
وبالنظر إلى ما تقدم فإن العلاقات الجزائرية الأميركية ظلت تراوح استراتجية محاربة الإرهاب والتي على إثرها نجحت الولايات المتحدة في تحييد العديد من القادة الكبار للجماعات الإرهابية خاصة خلال الفترة من 1999 إلى 2003 سواء في آسيا أو أفريقيا.
و يؤكد الخبير في الشؤون الأمنية، العقيد الجزائري المتقاعد العربي الشريف، لـ"سكاي نيوز عربية"، أن الجزائر تملك أجهزة قوية في محاربة الإرهاب عن طريق العمل الاستخباري، وهو ما ينظر إليه البنتاغون بكثير من الأهمية، مقارنة بالعمل العسكري الميداني.
ووصف العقيد المتقاعد تعامل الجزائر مع الولايات المتحدة في ملف محاربة الإرهاب بـالندية ، قائلا إن قناة "سي إن أن" الأميركية نقلت على لسان أحد كبار مسؤولي البنتاغون"نحن لا نتعامل معها بنفس القدر - مقارنة بدول الجوار - لأن علاقاتها كانت مع الآخرين، وهناك فرصة ربما لدفع الباب مفتوحا قليلا لتوسيع علاقتنا الثنائية"، فالغياب النسبي لعلاقة عسكرية بين الولايات المتحدة والجزائر أمر يأمل البنتاغون في تغييره الآن.
وبحسب بيان السفارة الأميركية في الجزائر، فإن اللقاء الذي جمع الرئيس الجزائري بالوزير الأميركي ركز على ملف الأمن في شمال إفريقيا والساحل وسبل تعزيز الشراكة العسكرية والدبلوماسية الاستراتيجية بين الدولتين.
وأعرب إسبر عن تقديره لاستعداد الرئيس تبون لتعزيز التعاون وجدد الوزير إلتزام بلاده بمواصلة العمل يدا بيد مع الجزائر لترقية العلاقات العسكرية وتعزيز الأمن والاستقرار الاقليمين.
وفي وقت سابق، رفضت الجزائر مرات عدة طلب الولايات المتحدة احتضان أرضها للقاعدة الأميركية لأفريقيا "أفريكوم" التي تعمل بشكل مؤقت من قاعدة شتوتغارت بألمانيا، وقد سبقت زيارة وزير الدفاع الأميركي زيارة قام بها قائد أفريكوم، الجنرال ستيفن تاونسند، لمناقشة قضايا الأمن الإقليمي والتعاون بصفتها شريكا ملتزما في محاربة الإرهاب، لكن الزيارة لم تغيير من موقف الجزائر الرافض لنقل مقر الأفريكوم من ألمانيا إلى أفريقيا.
ويأخذ التعاون العسكري بين البلدين شكلا خجولاً، ولم يتمكن الجيش الأميركي من المشاركة في مناورات عسكرية بالصحراء الجزائرية الكبرى إلا بحلول عام 2005 في عمليات أطلق عليها اسم مناورات "فلينتلوك"، التي شاركت فيها قوات من تونس والمغرب والسنغال ونيجريا وشملت أيضا مالي وموريتانيا وتشاد والنيجر، في إطار مخطط الساحل الأفريقي، الذي أطلقته واشنطن عقب هجمات 11 سبتمبر 2001، وقد أقر البنتاغون ضمن مخطط الساحل تقديم دعم عسكري تقني ومادي لجيوش الدول المشاركة في المناورات العسكرية بتكلفة 100 مليون دولار سنويا.
الدستور الجديد.. هل يغير المعادلة؟
وأثارت الفقرة 91 من الدستور الجزائري الجديد المقترح للاستفتاء يوم 1 نوفمبر نقاشا واسعا في الجزائر، لما تضمنته من حديث عن صلاحيات رئيس الجمهورية، الذي يتولى مسؤولية الدفاع الوطني في إرسال وحدات من الجيش إلى الخارج، بعد مصادقة البرلمان بأغلبية الثلثين من أعضائه.
وبينما تراهن الولايات المتحدة على هذا الأمر للدفع بالجزائر نحو مزيد من التعاون العسكري، يرى الخبير الجزائري أحمد مزاب المتخصص في الشؤون الأمنية أن التعديل الدستور لم يأت في إطار تغيير عقيدة الجيش وإنما لتوضيح مهامه، وقال لـ "سكاي نيوز عربية" إن مبدأ الجزائر الإستراتيجية ثابتة وهي ترفض التدخل في شؤون البلدان وهذا الأمر يدفع بالولايات المتحدة لاحترام مواقف الجزائر ويعزز فكرة التعاون دون فرض خارطة طريق من القوى العالمية.
وخلافا لطبيعة الزيارة التي قادت وزير الدفاع الأميركي للمنطقة، فإن الطرفين لم يعلنا عن محتوى الزيارة، مما يعني حسب الخبير الأمني أنها : زيارة لم تأت وفق ورقة طريق مسبقة تفرضها الولايات المتحدة، وإنما لمناقشة آليات عودة الجزائر للعب دور محوري في المنطقة خاصة في الملف الليبي بعدما سعت أطراف لتغييبها".
وبشكل عام فإن مزاب لا يضع عنوانا موحدا لزيارة وزير الدفاع للجزائر مقارنة بطبيعة الزيارة التي قادته إلى تونس على سبيل المثال والتي خلصت إلى توقيع اتفاق استراتيجي عسكري مدته 10 سنوات.
ورغم التحولات المتسارعة التي تشهدها منطقة الساحل وسعي الولايات بكل الطرق لمجابهة الحضور القوي للروس والصين واستغلال تراجع الدور الفرنسي، فلا يتوقع الخبراء أن تغير الكثير من المعادلات المطروحة بين الجزائر وأميركا في ملف التعاون العسكري. إلا أنها تحافظ على علاقاتها مع جميع الأطراف الدولية المؤثرة في ظل استقلالية قرارها، وعدم ارتهانها لمعسكر على حساب آخر.