بعد قضية رحمة.. تونس تعود إلى "جدل الإعدام"
19:54 - 01 أكتوبر 2020جريمة بشعة راحت ضحيتها شابة تونسية، ثم احتجاجات وغضب، فتصريح للرئيس قيس سعيّد يدعو فيه إلى إعادة العمل بعقوبة الإعدام.
هذا ملخص الأحداث التي وقعت في الأيام الأخيرة في تونس، وإعادت إلى الواجهة من جديد عقوبة الإعدام التي تم تعليق العمل بها في البلاد منذ 29 عاما، وتجدد الجدل بشأن جدوى هذه العقوبة.
منظمة العفو الدولية طالبت تونس الالتزام بعدم تطبيق الإعدام، وفاء بالتعهدات التي قطعتها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة المتعلقة بقرار وقف تنفيذ أحكام الإعدام، في انتظار الاتجاه بشكل تام إلى إلغائها.
وقالت المنظمة في بيان لها إن "الحملات المتكررة في تونس التي تدعو السلطات لتطبيق عقوبة الإعدام، تعد انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان وخاصة الحق في الحياة".
وأضافت أنه لم يثبت في أي من دول العالم أن عقوبة الإعدام هي الأشد ردعا للحد من الجريمة.
ودعت الرئيس قيس سعيّد إلى المصادقة على البروتوكول الثاني التابع للعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، الخاص بإلغاء عقوبة الإعدام في كل التشريعات.
موقف بعد الجريمة البشعة
وكان سعيّد قد أعلن موقفه المؤيد لاستئناف تنفيذ أحكام الإعدام، خلال اجتماع مجلس الأمن القومي الاثنين الماضي، معتبرا أن "من قتل نفسا بغير حق جزاؤه الإعدام".
تصريح الرئيس التونسي بخصوص العودة لتنفيذ عقوبات الإعدام جاء إثر مسيرة احتجاجية نظمها العشرات باتجاه قصر الرئاسة بقرطاج، للمطالبة بإعدام مرتكب جريمة القتل التي هزت الرأي العام بضاحية عين زغوان بالعاصمة.
وذهبت ضحية الجريمة شابة تدعى رحمة، وعثر على جثتها بعد أيام من اختفاءها وعليها آثار تشويه وخنق.
وقالت وزارة الداخلية في بيان إنها تمكنت من القبض على القاتل، وهو من ذوي السوابق الجنائية، مشيرة إلى أنه اعترف بجريمته.
الجريمة الوحشية ليست الأولى من نوعها في تونس، فقد شهدت محافظة القيروان منذ أسابيع جريمة مشابهة راحت ضحيتها شابة لقيت حتفها ذبحا في محلها للخياطة، كما سبق أن شهدت نفس المحافظة جرائم اغتصاب وعنف طالت عجوزا في التسعين من العمر.
وضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالتعليقات المطالبة بالقصاص، وإعدام كل من يرتكب جرائم قتل واغتصاب، ويدعو نشطاء الحملات الافتراضية إلى مسيرة احتجاجية كبرى السبت، تحت شعار "كلنا رحمة.. طبق الإعدام".
يشار إلى أنها ليست المرة الأولى التي تتكرر فيها هذه المطالب من عدد من التونسيين إثر جرائم قتل واغتصاب، رغم أن البلاد كانت قد أوقفت تنفيذ أحكام الإعداد عام 1991.
فقدان الأمل في العدالة
وتقول رئيسة اتحاد المرأة راضية الجربي في تعليقها على القضية، أن المواطنين لم يفكروا في القصاص والإعدام "إلا بعد أن فقدوا الأمل في منظومات قضائية لا تطبق القانون"، وحملت الدولة مسؤولية تنامي ظاهرة القتل والاغتصاب التي تطال النساء والأطفال.
فيما دعا الناشط والأستاذ الجامعي عادل اللطيفي إلى "تحكيم العقل وعدم مشاركة المجرم في منطقه الإجرامي بالدعوة للإعدام"، وقال: "على المجتمع عدم التهرب من تحمل مسؤوليته والمطالبة بالإعدام بدل علاج عاهاته وأمراضه من الجذور".
الأسباب الحقيقية
ومن جهة أخرى، قالت عضو الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب سيدة مبارك في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن "ما يحدث من احتجاجات ومطالب في هذا الصدد يخفي وراءه تجييشا سياسيا يستغل الوعي البسيط للمواطن، من أجل العودة بالبلاد خطوات للوراء في مجال الحقوق والحريات".
وأضافت مبارك أن "الدراسات لم تثبت أن عقوبة الإعدام تحد من معدلات الجريمة"، وأنه "على الدولة معالجة الأسباب العميقة للجريمة وهي غياب التنمية والعدالة الاجتماعية وارتفاع معدلات البطالة، والعمل على تحسين مستوى العيش ومراجعة نظم التربية في تونس".
وأشارت عضو هيئة الوقاية من التعذيب إلى أن "تونس مطالبة برسم إستراتيجيات لمقاومة الجريمة على المستوين الاجتماعي والقانوني".
لا تردع ولا تحد
وفي السياق ذاته، اعتبرت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في بيان، أن عقوبة الإعدام لا تردع ولا تحد من تفشي الجريمة، مؤكدة التزامها بالنضال ضد العنف عامة والعنف المسلط على النساء خاصة، باعتباره انتهاكا لكرامتهن.
وقالت إنها تتابع موجة العنف التي يشهدها المجتمع التونسي، وإن "تضامنها مبدئيا مع الضحايا وعائلاتهم".
سياسيا، دعا أمين عام حركة مشروع تونس محسن مرزوق، رئيس الجمهورية للخروج إلى العلن والإعلان رسميا عن التراجع عن اتفاقية عدم تطبيق حكم الإعدام.
وقال القيادي في التيار الديمقراطي غازي الشواشي إن "السلوك الإجرامي ظاهرة معقدة ويجب معالجتها وفق مقاربة شاملة، تشترط التركيز على الوقاية من الوقوع في الجريمة بدل التركيز على تشديد العقوبة".
بدوره، تفاعل الفنان صابر الرباعي مع الجدل الدائر، وقال في تصريح إعلامي إنه مع تنفيذ حكم الإعدام ضد قاتل "رحمة "، وانتقد المدافعين عن مرتكبي الجرائم.