الأمازيغية في المغرب بين نصوص القوانين وواقع التطبيق
04:46 - 14 سبتمبر 2020مرت أكثر من سنة على احتفال الأمازيغ بقرار البرلمان المغربي استخدام الأمازيغية لغة رسمية في البلاد بعد أن كانت معتمدة في الدستور منذ سنة 2011، إذ حدد القانون التنظيمي مراحل استعمالها وكيفية إدراجها في الحياة العامة وإدماجها في التعليم والمؤسسات الرسمية على مراحل، مع إلزام الدولة بالعمل على حمايتها وتنميتها باعتبارها رصيدا مشتركا لكافة المغاربة وكذا كتابة اللغة الأمازيغية بحرف تيفيناغ.
التعامل بحرف تيفيناغ
تعتبر حروف تيفيناغ من أقدم الأبجديات في العالم، يستخدمه الأمازيغ والطوارق منذ أكثر من ألفي عام قبل الميلاد، تحديدا في المنطقة الممتدة من غربي مصر القديمة إلى جزر الكناري ومن حدود جنوب البحر الأبيض المتوسط إلى أعماق الصحراء الكبرى في النيجر ومالي.
ويعد تعلم حروف تيفيناغ أول خطوة نحو تدريس اللغة الأمازيغية والتعامل بها في المؤسسات العمومية مثلما ينص القانون، غير أن هذا المكتسب كان قد حصل عليه الأمازيغ جزئيا قبل إقراره، فقد استعمل تيفيناغ للكتابة على واجهات العديد من المؤسسات العمومية إلى جانب العربية والفرنسية، منذ اعتماده سنة 2003.
فقد كانت بداية إدماج الأمازيغية في المدرسة العمومية سنة 2003، وتم تأسيس أول مسلك للدراسات الأمازيغية بجامعة أغادير سنة 2007، بعدها جامعات فاس ووجدة والناظور والدار البيضاء، ثم تم خلق القناة الأمازيغية سنة 2008 وبداية بثها كان سنة 2010.
وهذا التسلسل يؤكده الأستاذ الباحث بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة ابن زهر أغادير، الحسين بويعقوبي، في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية" والذي يضيف إلى ذلك كله، انتصارا كبيرا للأمازيغيين يتمثل في تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية سنة 2001.
وفي خطوة اعتبرت هي الأولى من نوعها في البرلمان المغربي، قامت النائبة البرلمانية عن فريق الأصالة والمعاصرة، إبتسام عزاوي، في 14 يناير 2019 بتوجيه سؤال كتابي باللغة الأمازيغية مكتوب بحرف تيفيناغ، إلى وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، حول منع القيد في سجل الحالة المدنية للأسماء الأمازيغية.
ويمكن القول إن الأمازيغية كانت وليدة نقاش سياسي حاد جرى في 30 أبريل 2012، إثر طرح النائبة البرلمانية عن حزب التجمع الوطني للأحرار، فاطمة تابعمرانت، سؤالا باللغة الأمازيغية. باعتبار أن لغة التخاطب داخل هذه المؤسسة التشريعية يجب أن تشمل الأمازيغية إلى جانب العربية، إلا أن بعض ممثلي الفرق البرلمانية لم يستوعبوا لغة السؤال، فطالبوا رئيس الجلسة بضرورة توفير الوسائل اللوجستية التي تمكن من الترجمة الفورية للتدخلات باللغة الأمازيغية.
وبعد مرور حوالي سنة على هذا الحدث، عاود الكرة نائب برلماني من فريق الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وطرح سؤاله باللهجة الريفية ليجيبه في سابقة في صفوف الوزراء، وزير الصحة المغربي، الحسين الوردي، باللهجة ذاتها.
ترجمة الأمازيغية أم تدريسها؟
لا يمكن إنكار جهود المغرب الحثيثة في ترسيم اللغة الأمازيغية بدءا من الإعلان عام 2001 بتعميم تدريسها، غير أنه بحسب بويعقوبي فإن، "هذه العملية عرفت تطورا ملحوظا بين 2003 و 2008 لكنها تراجعت لأسباب كثيرة."
وفي سياق تحديد أسباب صعوبة تنزيل مقتضيات تعميم اللغة الأمازيغية، يرجح بعض الأمازيغيين كفة انقسام اللغة الأمازيغية إلى لهجات وغلبة الطابع الشفوي عليها.
وفي هذا الشأن، يقول اليعقوبي "إن توحيد اللغة الأمازيغية ممكن نظريا لوجود قواسم مشتركة كثيرة بين هذه اللهجات، لكن يحتاج الأمر لدوافع قوية ولما يسمى بالتهيئة اللغوية التي يتم التأسيس لها من خلال ضبط قواعد الصرف والنحو والمعجم الأمازيغي".
تجدر الإشارة إلى أن اللغة الأمازيغية التي تنتمي إلى عائلة اللغات الأفروآسيوية، تتوزع إلى لهجات حسب كل دولة. بالنسبة للمغرب، فهي تنقسم إلى اللهجة الأمازيغية الريفية واللهجة الأمازيغية السُّوسِية واللهجة الأمازيغية الأطلسية.
خطوات إلى الأمام لتفعيل الأمازيغية
في بداية شهر سبتمبر 2020، تم تأسيس لجنة وزارية يرأسها رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، ذو الأصول الأمازيغية، لتتبع مراحل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، بما في ذلك دراسة مخططات العمل والبرامج القطاعية المرتبطة بها.
في هذا الصدد، يعتبر رئيس الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة، عبد الله بادو، أن هذه اللجنة تبقى غير كافية.
ويضيف في تصريح خص به موقع سكاي نيوز عربية "ان الحكومة ما زالت متعثرة في تفعيل نصوص الدستور المغربي في هذا الأمر، كما أن أي قطاع حكومي أو جماعة ترابية أو هيئة عمومية أو دستورية لم تبادر بالإعلان عن اعتماد مقاربة تشاركية، لوضع مخطط بخصوص كيفيات ومراحل إدماج الأمازيغية في الميادين التي تخصها، هذا بالإضافة إلى التأخر الحاصل في تشكيل المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية".
وبحسب رأي بادو، يبقى مطلب الترسيم العملي للأمازيغية قائما والمدخل الوحيد والأوحد لضمان حيوية اللغة الأمازيغية، واستكمال باقي الحقوق الهوياتية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بها.
يذكر أن الحركة الأمازيغية خاضت مسارا نضاليا طويلا على مختلف الأصعدة وفي معظم المجالات ومازالت. إذ يختلف الخبراء حول أصولهم التاريخية، فمنهم من يقول إنهم جاؤوا من المشرق وجزيرة العرب، وسافروا إلى إفريقيا عبر البحر ومنهم من يرى أنهم ربما جاؤوا من أوروبا أو مناطق البحر الأبيض المتوسط. إلا أن عثور علماء الآثار على بقايا عظام أول إنسان في المغرب، تحديدا في جبل إرحود، رسخت فكرة أن الإنسان الأمازيغي لم يهاجر قط إلى شمال إفريقيا بل كان موجودا هناك منذ البداية، وهي الأقرب إلى الحقيقة.