باعتراف أممي.. كيف سقطت حكومة السراج في اختبار الشرعية؟
18:24 - 29 أغسطس 2020لم تسقط شرعية حكومة فايز السراج في نظر المتظاهرين الغاضبين في طرابلس فقط، بل في نظر الأمم المتحدة، المصدر الرئيسي لشرعية المجلس الرئاسي في ليبيا وراعي اتفاق الصخيرات قبل سنوات.
فمنذ أيام تشهد العاصمة طرابلس، وغيرها من مدن الغرب الليبي، الخاضعة لسيطرة ميليشيات حكومة السراج احتجاجات على تردي الأوضاع المعيشية والفساد المستشري.
لكن الحكومة التي تصف نفسها دوما بالمعترف بها دوليا، قابلت هذه الاحتجاجات بالقمع والنيران، ولم تستعن بقوات الأمن، بل أرسلت ميليشيات مثل "ميليشيا النواصي" لتقوم بالمهمة ولكن بطريقة ميليشياوية.
ودعت منظمة العفو الدولية "أمنستي" حكومة السراج إلى الإفراج جميع "المختطفين" وفتح "تحقيق سريع وشامل ومستقل في استخدام القوة ومحاسبة المسؤولين عن ذلك.
وقالت إن الميليشيات استخدمت الرشاشات الثقيلة في قمع المتظاهرين.
ورأى الكاتب والباحث السياسي الليبي، محمود المصراتي، في حديث إلى موقع "سكاي نيوز عربية"، أنه "ليس مستغربا استخدام حكومة السراج للميليشيات، فقد اعتمد رئيسها على هذه المجموعات المسلحة منذ دخوله إلى طرابلس".
السقوط في الاختبار
ومثلت هذه الاحتجاجات أول اختبار لهذه الحكومة أمام شعبها، لكن سقطت فيه، بحسب مراقبين ومنظمات حقوقية، وحتى الأمم المتحدة.
وأصدرت الأمم المتحدة، السبت، بيانا دعت فيه إلى "تشكيل حكومة تمثل الشعب الليبي"، فيما يعد نزعا للشرعية الدولية عن الحكومة التي تتألف من قادة ميليشيات وشخصيات محسوبة على الإخوان.
وأوضحت بعثة المنظمة الدولية لدى ليبيا أن البلاد الغارقة في الفوضى "بحاجة ملحة للعودة إلى عملية سياسية شاملة ومتكاملة، لتلبية تطلعات الشعب الليبي إلى حكومة تمثله بشكل ملائم، وإلى الكرامة والسلام".
وقالت إن البلاد، التي تعوم فوق أكبر احتياطي نفطي في إفريقيا، ويعاني شعبها أوضاعا معيشية صعبة "تشهد تحولا لافتا في الأحداث، يؤكد الحاجة الملحة للعودة إلى عملية سياسية شاملة ومتكاملة من شأنها أن تلبي تطلعات الشعب الليبي إلى حكومة تمثله بشكل ملائم".
وقال المصراتي إن الشرعية منزوعة عن حكومة السراج منذ فترة، فاتفاق الصخيرات وشرعية حكومة السراج غابت في الآونة الأخيرة عن الكثير من بيانات الجهات الدولية، بما فيها الأمم المتحدة.
وأضاف المصراتي أن حديث الأمم المتحدة عن حكومة الجديدة تمثل كل الليبيين، يعني نهاية حقبة حكومة السراج.
وجاء بيان الأمم المتحدة بعد القمع الشديد الذي قوبلت بها الاحتجاجات.
ويوم السبت، سقط أول قتيل في الاحتجاجات متأثرا بجراح أصيب بها لدى إطلاق الميليشيات النار على المتظاهرين يوم الجمعة.
تقاذف الاتهامات
وطفت على السطح الخلافات العميقة التي كانت سائدة بين أجنحة هذه الحكومة، وسط تقارير عن أن "القوة المشتركة" في طرابلس أحبطت محاولة انقلاب كان ينوي تنفيذها باشاغا بالتعاون مع خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة، وأحد قادة تنظيم الإخوان.
ويقول نائب رئيس تحرير بوابة "إفريقيا الإخبارية"، حسين مفتاح، إن ما حدث في طرابلس كشف حقيقة وهن البيت السياسي في حكومة فايز السراج.
وأضاف مفتاح في حديث إلى "سكاي نيوز عربية" أنه عندما حصل الاحتكاك بين الأطراف الحاكمة في طرابلس، حاول كل طرف أن يضحي بالآخر، مشيرا إلى تقاذف المسؤولين عن قمع المتظاهرين.
وبحسب مفتاح، فإن التظاهرات أظهرت الصراع المتفاقم فيما سبق بين هؤلاء الذين كانوا يحتمون بساتر خارجي (مثل مواجهة الجيش) لإخفاء صراعاتهم.
ولفت إلى أن نهاية حكومة السراج سيكون صفعة لتركيا، التي استغلتها من أجل تحقيق مصالحها وأطماعها، مشيرا إلى أن أنقرة ستعمل على التضحية بأحد هؤلاء الأطراف من أجل مصالحها.
وقال إن الصراع الآن بين السراج وباشاغا قد يتخذ شكلا عنيفا ويتحول إلى معارك دامية، في ظل وجود ميليشيات قد تتصادم، لا سيما أنها معروفة بعدم الانضباط، وهو ما سينذر بكارثة مروعة بالنسبة لسكان العاصمة.
لكن بحسب مفتاح، فإن أيا كانت نتيجة التناحر بين أجنحة السلطة في طرابلس، فإن الحقيقة المؤكدة أن الشعب بات يرفض كل هذه الطبقة التي كان مبرر وجودها الوحيد، هو شرعية الاتفاق السياسي الذي رعته الأمم المتحدة.
والآن، رفعت الأمم المتحدة الغطاء عن حكومة الميليشيات، لتواجه مصيرها أمام شارع غاضب.