في البر والجو.. تحالف تركيا وإسرائيل "العسكري" يحرج أردوغان
23:08 - 15 أغسطس 2020في يناير 1994، اصطحب الرئيس الإسرائيلي حينها عزرا وايزمان، خلال زيارته المعلنة إلى العاصمة التركية أنقرة، أكثر من عشرين مسؤولا بارزا، العديد من هؤلاء يعملون في الصناعات العسكرية.
واليوم، بعد 26 عاما من التعاون العسكري المعلن وغير المعلن بين الدولتين، تحاول تركيا أن تظهر نفسها عبر آلة الدعاية الإعلامية أنها دولة تتخذ موقفا ضد إسرائيل وتدعم القضية الفلسطينية، بينما تثبت الحقائق أن إدارة الرئيس رجب طيب أردوغان تمارس لعبة مزدوجة تهدف إلى كسب التأييد الشعبي عبر مواقف "دعائية" دون أن يؤثر ذلك على العلاقات الحقيقية المستمرة مع إسرائيل، خاصة على المستوى العسكري.
وطبقا لمركز أبحاث ودراسات الصراع، ومقره بريطانيا، فإن يناير 1994، يمثل نقطة تحول في التعاون بين تركيا وإسرائيل في المجال العسكري، علنيا.
ونشرت دورية "ستراتيجيك كومنتس" ورقة تحليلية قالت فيها إن العلاقات العسكرية بين الجيشين كانت منذ وقت أطول، لكنها ظلت طي الكتمان، لا سيما أن العلاقات بين تل أبيب وأنقرة بدأت عام 1949، بعد أشهر من قيام دولة إسرائيل.
أما الخبير في الشؤون التركية، هاني سليمان، فيقول في حديث إلى موقع "سكاي نيوز عربية" إن أول صفقة عسكرية بين البلدين تمت في عام 1978.
ولاحقا، أبرم الطرفان عدة عقود تعجل من الدولة العبرية موردا رئيسيا للأسلحة والتكنولوجيا العسكرية إلى تركيا، الأمر الذي يمكّن الأخيرة من تفادي إجراءات الحظر التي قد يفرضها حلفاء أنقرة في الغرب بسبب انتهاكات حقوق الإنسان في سياق الحرب مع حزب العمال الكردستاني، بحسب مركز أبحاث الصراع.
حكم أربكان الإسلامي.. والقفزة
أما القفزة الكبيرة في المجال العسكري فكانت عام 1996 في عهد حكومة نجم الدين أربكان الذي يعد الأب الروحي والفعلي للتجربة الإسلامية السياسية، عندما أبرمت تل أبيب وأنقرة اتفاقيتين عسكريتين، بحسب معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، لتكون أول اتفاق بين الدولة العبرية ودولة ذات أغلبية إسلامية.
وكان أربكان، زعيم حزب الرفاه، ذي التوجه الإسلامي، الذي خرج منه رحمه حزب العدالة والتنمية، الذي يتزعمه الرئيس الحالي، رجب طيب أردوغان.
وفي فبراير منذ ذلك العام، تم توقيع اتفاق عسكري في مجال التدريب والمناورات، سمح بموجبه للطيارين الحربيين الإسرائيليين باستخدام الأجواء والقواعد التركية، أربع مرات في السنة، في مقابل تعرف نظرائهم الأتراك على التكنولوجية العسكرية الإسرائيلية.
وكانت هذه الاتفاقية مكسبا كبيرا بالنسبة إلى إسرائيل، فمجالها الجوي صغير للغاية ولا يقارن بنظيره التركي، بحسب دورية "ستراتيجيك كومينتس".
"القبضة التركية الإسرائيلية"
وطبقا لمركز دراسات الصراع، فإن الطيارين الإسرائيليين اكتسبوا خبرة كبيرة على مر السنين من جراء هذا الاتفاق، الذي مكّنهم من التحليق فوق مناطق جبلية "ستكون ضرورية للمهمات فوق إيران".
لكن الإعلان عن هذا التعاون بين الطرفين تم في أبريل 1996، وحينها صرح وزير الدفاع الإسرائيلي، قائلا: "بتشابك الأيادي التركية والإسرائيلية، فإننا نشكل قبضة قوية".
وفي أغسطس 1996، وقعت تل أبيب وأنقرة اتفاقية أخرى تشمل تبادل زيارات الوفود العسكرية والتعاون في مكافحة الإرهاب وأمن الحدود والتعاون الجوي والبحري.
ورأى معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى في ورقة بحثية عام 1997، أن تركيا وإسرائيل عززتا في هذا الوقت من علاقتهما الاستخبارية الطويلة الأمد.
وبحسب المعهد، أدى تعزيز العلاقات العسكرية بين تركيا وإسرائيل وقتها إلى تعميق المخاوف العربية والإيرانية بشأن التداعيات المحتملة لهذا المحور المتبلور.
وفي عام 1997، ذكرت صحف تركية أن تل أبيب وأنقرة شرعتا في برنامج من أجل تقييم التهديدات التي تواجه البلدين، للمسارعة إلى اتخاذ الخطوات اللازمة في حال وقوع أي حادث.
وبالفعل أجرت الدولتان سلسلة مناورات حربية، من بينها "عروس البحر" في مياه المتوسط وأخرى في إيطاليا عام 2005، أي في حكم أردوغان.
ويقول هاني سليمان إن "إسرائيل تمثل بالنسبة لتركيا حليف وشريك عسكري أساسي وليس تعاونا مرحليا أو مجرد طرف تعقد معه صفقات عابرة أو هامشية؛ فمستوى العلاقات العسكرية يمكن وصفه بأنه تعاون استراتيجي وتحالف عسكري، وخاصة مع تعزيز العدالة والتنمية للعلاقات منذ 2002".
ضد الكردستاني ودول الجوار
وساعدت إسرائيل تركيا في تأمين حدودها ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني الأكراد الذين يعملون انطلاقاً من قواعد في سوريا والعراق وإيران، بالاعتماد على تجربتها الخاصة في تأمين حدودها إبان احتلال جنوب لبنان.
وعلى الصعيد الأمني، اجتمع المسؤولون في مخابرات البلدين مرارا لتبادل المعلومات بشأن سوريا والعراق (في عهد صدام حسين) وإيران.
صعود تجاري صاروخي
وبحسب معهد دراسات الصراع، فقد كانت التجارة بين البلدين لا تزيد عن 18 مليون دولار في 1987، ووصلت إلى ملياري دولار في 2004.
لكنها لامست 6.6 مليارات دولار في عام 2019، وهو أعلى رقم بين بين البلدين، بحسب صحيفة "ديلي صباح" التركية، وذلك على الرغم من التوتر الظاهري في العلاقات بين البلدين.
وخلال أزمة فيروس كورونا، وجد الموردون الإسرائيليون في تركيا بديلا عن الصين، بسبب قرب تركيا الجغرافي وأسعارها المعقولة، بحسب الصحيفة التركية ذاتها.
والحديث عن التجارة لا بد أن يتبعه حديث عن الصفقات العسكرية المجزية بين البلدين، كانت إحداها صفقة بقيمة 650 مليون دولار أميركي، قامت بموجبها تل أبيب بتحديث 54 طائرة تركية مقاتلة، وتزويدها بصواريخ جو- أرض.
وفي صفقة أخرى حصلت إسرائيل على مبلغ 110 ملايين دولار من أجل تحديث مروحيات عسكرية تركية وتزويدها بصواريخ، ومعدات الحرب الإلكترونية، فضلا عن صفقة تطوير 170 دبابة من طراز "أم- 60"، وغيرها.
ومع أن تركيا قطعت علاقتها "رسميا" مع إسرائيل في أعقاب حادثة "مافي مرمرة" عام 2010، وربطت عودتها بفك الحصار عن قطاع غزة، إلا أنها عادت وطبعت العلاقة مع تل أبيب في عام 2016، وقبلت بالتعويضات.
القفزات الثلاث
ويرى المتخصص في الشأن تركي، محمد عبد القادر، بأن تطور العلاقات مع إسرائيل، تم أساسا في عهد الإسلاميين.
وأوضح عبد القادر في مقابلة مع موقع "سكاي نيوز عربية" أن العلاقات بين أنقرة وتل أبيب مرت بثلاث قفزات: المرحلة الأولى التي تعرف بالتأسيسية، وارتبطت برئيس الوزراء في خمسينيات القرن الماضي عدنان مندريس.
وأثمرت العلاقات الإسرائيلية التركية حينها عن تأييد أنقرة للعدوان الثلاثي على مصر عام 1956، بحسب عبد القادر.
أما المرحلة الثانية فتمت في عهد أربكان الذي شن هجوما كلاميا على إسرائيل في الحملة الانتخابية، لكن الاتفاقات العسكرية الاستراتيجية وقعت في عهده.
وجاءت المرحلة الثالثة في عهد أردوغان، الذي اتبع نفس السياسة، لكنه حافظ على العلاقات مع إسرائيل وجعل بعضها سريا.
ويقول معهد "السادات بيغن" في ورقة بحثية إن العلاقات التركية الإسرائيلية تشهد حاليا مؤشرات على تحسن ملموس، إذ التقى رئيس المخابرات التركية هاكار فيدان، رئيس الموساد، يوسي كوهين، عدة مرات خلال العام الماضي.
وخلال جائحة فيروس كورونا، سمحت تركيا بتصدير مساعدات طبية إلى إسرائيل، وهبطت طائرة شحن تابعة لشركة العال في تركيا، علاوة على اجتماع مسؤولين من البلدين لمناقشة المصالح المشتركة في البحر المتوسط.
وتبدو إسرائيل مهمة لتركيا في مجال المشتريات العسكرية، خاصة أنه يمكن أن تحصل على السلاح منها بسهولة أكبر مما يتطلب الأمر في أميركا والاتحاد الأوروبي.