معركة "الكمامة"..كيف استطاعت 110 سيدات مصريات تحقيق الإنجاز؟
19:24 - 03 يوليو 2020نظرة حانية تُلقيها منى نصر الدين على أطفالها الثلاثة قبل مغادرة منزلها بقرية "المعنا" في محافظة قنا بصعيد مصر، في طريقها إلى عملها بمصنع للملابس الجاهزة تحول نشاطه لصناعة الكمامات الواقية بسبب أزمة فيروس كورونا.
تُسرع نصر الدين الخطى للحاق بمواعيد العمل بينما تشعر بالحماس، لأنها تشارك الدولة في جهود التصدي لفيروس "كورونا" المستجد، ضمن 110 سيدة.
وكانت مصر قد أعلنت عن ظهور أول حالة إصابة بـ "كوفيد-19" في منتصف فبراير الماضي، لصيني الجنسية، قبل انتشار فيروس "كورونا" المستجد حتى تخطت الإصابات 70 ألفا حتى الآن.
وخففت الحكومة المصرية الإجراءات المتبعة مع الأزمة السبت الماضي، مع إلزام المواطنين بارتداء الكمامات الواقية في وسائل النقل الجماعية العامة والخاصة وخلال ترددهم على جميع المنشآت الحكومية فضلًا عن دور العبادة.
وتقول نصر الدين في حديثها لموقع "سكاي نيوز عربية" إنها تمارس عملًا يساعد في إنقاذ أرواح كثيرة وتعتز بنفسها حينما ترى أقنعة الوجه التي تصنعها توزع بأسعار مناسبة للمواطنين.
ظروف اقتصادية صعبة
وتعمل السيدة الثلاثينية في المصنع منذ افتتاحه في عام 2019 على مساحة 3 آلاف متر، التحقت به في محاولة لتوفير دخل ثابت لأسرتها لكن الضغوط الاقتصادية زادت في الآونة الأخيرة بعد توقف زوجها عن العمل مضطرًا.
وتوضح نصر الدين: "زوجي يعمل كسائق على سيارة أجرة وبعد تدهور الأوضاع بسبب كورونا منحه صاحب السيارة إجازة مفتوحة".
ونحو 12.9% من الأسر المصرية واجهت الأزمة ذاتها، حيث انخفض دخلهم نتيجة لتوقف المشروع مؤقتًا، وفق دراسة لقياس أثر "كورونا" على حياة المصريين، أصدرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وهو جهاز حكومي.
وتصل السيدة الثلاثينية إلى المصنع في الثامنة صباحًا، وتنضم إلى عشرات النساء من جيرانها والقرى المجاورة، حيث تخضع لعدد من الإجراءات الاحترازية قبل البدء في العمل، من أجل الحفاظ على سلامتهم الشخصية.
ويُعدد تلك الإجراءات محمد فؤاد، مدير المصنع في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية": قياس درجة الحرارة للجميع أولًا، مع توفير الكمامات والقفازات الطبية وأكياس بلاستيكية للرأس والقدمين، ومنع أي سيدة مخالطة لحالة كورونا من العمل مع حصولها على إجازة 14 يومًا.
لم تكن وتيرة العمل مستقرة بعد تفشي "كورونا" انخفضت معدلات شراء الملابس الجاهزة من المصنع، فقد توقفت الماكينات الضخمة واضطروا إلى تخفيف العمالة.
قبل أن يعود إلى المكان ضجيجه بخط إنتاج للكمامات الواقية، وفق المعايير الدولية، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بمصر، ومحافظة قنا إذ تقوم بتوزيعها على المواطنين بسعر التكلفة من خلال منافذها.
بداية الإنتاج
ومع بداية شهر إبريل الماضي، دارت عجلة الماكينات لإنتاج 200 قناع وجه فقط يوميًا، ثم استقبل المصنع عشرات من نساء القرية للحصول على تدريب لإنتاج الكمامات الواقية، حيث وصل عدد المتدربات الجُدد إلى 80 سيدة، من بينهم منى عبدالهادي صاحبة الـ 23 عامًا.
وجاءت الفتاة العشرينية إلى المصنع لتحسين الوضع المادي لأسرتها، لكن في الوقت نفسه ترى أنها تقوم بدور مهم خلال توقيت صعب كما توضح لموقع "سكاي نيوز عربية": "أصنع كل كمامة بحُب لأنها ستذهب لمن يحتاجها من المواطنين أو الأطباء أو أهالي المصابين بكورونا".
ولم يعد عمل النساء في صعيد مصر محل تهميش كما هو في السابق، حيث تعتقد عبدالهادي أن مساعدة عشرات الفتيات والسيدات في توفير أقنعة وجه خلال أزمة تفشي "كورونا" ساهم في تعزيز قيمة عملهن عند الأهالي وعدم التعرض لأية مضايقات.
وتقول عبدالهادي: "العمل ليس عيبًا، داخل المصنع عشرات النساء المكافحات، خلف كل سيدة قصة مُلهمة، لذلك ينتابنا إحساس الفخر ونحن نعمل سويًا".
ومع الوقت زادت إنتاجية المصنع، صارت النساء تصنع نحو 10 ألاف كمامة يوميًا، وفق مدير المصنع.
ومن أجل ذلك اتخذوا قرارًا بزيادة الورديات كما يوضح فؤاد: "الأولى من الثامنة صباحًا حتى الثانية ظهرًا، وآخرى من الثالثة عصرًا حتى الثامنة مساءا" مع مراعاة تعقيم المكان مرتين يوميًا.
وتمر أقنعة الوجه على مراحل عدة للوصول إلى الشكل النهائي، بداية من جمع الثلاث طبقات للكمامة ثم تركيب دعامة من الناحيتين وتثبيت المرابط بها فضلًا عن التعقيم بالبخار ثم تعريضها إلى أشعة فوق البنفسجية وأخيرًا تغليف كل واحدة في كيس بلاستيكي قبل تجميعها في علب كبيرة.
العمل بحماس
وبحماس تنهمك عشرات النساء في أداء أدوارهم داخل المصنع، يكسرن جدية العمل بسرد مواقف طريفة لتعلو الضحكات بينهم، تلك الحالة جذبت "صفاء دندراوي" 48 عامًا من منطقة رمادية، حيث عانت من الأحزان بعد وفاة زوجها العام الماضي وهو ما دفعها إلى طلب العمل بالمكان.
وتحسنت نفسية دندراوي كما تصف مشاعرها لموقع "سكاي نيوز عربية":"عشت أيام مُرة انتهت بانضمامي إلى المصنع، لا يعوقني السن عن أداء عملي بكفاءة، خاصة أنني أخدم بلادي من خلال دوري البسيط".
وتتحدث السيدة الصعيدية بعفوية مؤكدة أنها لا تُحب يوم الإجازة الذي تحصل عليه، تُشير إلى أنها تنتظر انتهاء يوم الجمعة بفارغ الصبر من أجل العودة إلى المصنع: "أتعلم هنا كل يوم شيء جديد، أشعر كأنني ولدت مرة أخرى".
ولدى دندراوي ولدين، أحدهما يؤدي واجبه الوطني في الجيش المصري، والآخر يعمل في أحد البنوك، تقول إنها علمتهما منذ صغرها "المرأة نصف المجتمع، يجب أن تشارك وتساعد الأسرة" لذلك لم يحاولا إقناعها بعدم الذهاب إلى المصنع.
تلك الروح السائدة داخل مصنع النساء في "المعنا" جعل القائمون عليه يضعون خطة لزيادة الإنتاج بصورة أكبر، إذ يجزم فؤاد على قدرتهم في الوصول إلى 50 ألف كمامة يومية مع الحفاظ على الجودة كما تؤكد السيدة الأربعينية: "همّي دائمًا خروج أقنعة الوجه من بين يدي في أفضل صورة".