محاكمة رموز عهد بوتفليقة تثير جدلية حضور الرئيس السابق
23:35 - 23 يونيو 2020تستمر في الجزائر محاكمة رموز نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، لتعيد إلى الواجهة النقاش والجدل بشأن إمكانية استدعاء بوتفليقة للمثول أمام المحكمة حتى لو بصفة شاهد.
وفي آخر جلسة شهدتها محكمة سيدي أمحمد بالجزائر العاصمة، الاثنين، استمع القاضي لأقوال رئيسي الوزراء السابقين عبد المالك سلال وأحمد أويحيى وعدد من الوزراء في حكومتيهما على غرار عمارة بن يونس وعبد الغني زعلان وطلعي بوجمعة ويوسف يوسفي، في قضايا تتعلق بالفساد المالي واستغلال النفوذ ومنح إمتيازات لرجل الأعمال علي حداد.
وقد تحولت المحاكمة إلى حلبة ملاكمة وتراشق للتهم بين الوزراء، وحاول كل واحد منهم دفع التهم عنه وتوريط الآخر. ولم يتوقف كل من أويحيى المدان بالسجن 15 سنة حبسا نافذا وسلال المدان بـ12 سنة حبسا نافذا، عن محاولة الاختباء خلف عبارة "كنا نطبق برنامج الحكومة و الرئيس"، وقال أويحي خلال دفاعه عن نفسه : "كنت أطبق سياسة جماعية مع الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة"، مشيرا إلى أن الصفقات تمت تطبيقا لتعليمات هذا الأخير.
من جهته، دافع سلال عن نفسه قائلا :" أنا أطبق برنامج الرئيس المصادق عليه من البرلمان"، وأضاف:"كلفني بوتفليقة بحراسة مشاريع الأشغال العمومية، عندما كان عمار غول وزيراً لهذا القطاع".
ويتعلق الأمر بصفقات مشروعي الطريق السيّار شرق غرب وميناء جنجن والتي تندرج في إطار الصفقات العمومية السنوية والتي تتجاوز قيمتها 34 مليار دولار بمعدل 5 آلاف صفقة.
وأعادت هذه التصريحات النقاش حول الجدوى من استدعاء الرئيس بوتفليقة كشاهد، خاصة وأن الأمر يتعلق بجرائم ارتكبها رموز نظامه في حق المال بعد إصابته بجلطة دماغية بتاريخ 27 أبريل 2013، أدخلته المستشفى وأصبح مقعداً وشبه عاجز على الحركة والكلام.
وتعتبر الولاية الرئاسية الرابعة للرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة من 2014-2019 الأكثر إثارة للجدل، وهي الفترة التي برز فيها اسم شقيقه السعيد كفاعل أساسي، حتى أن البعض كان يصفه بالرئيس الفعلي للبلاد، قبل أن تنقلب الأوضاع رأسا على عقب مع اندلاع حراك 22 فبراير 2019، الذي انتفض ضد ولاية رئاسية خامسة والمطالبة بمحاكمة رموز حكمه.
وبتاريخ 7 ديسمبر 2019 تم جلب سعيد بوتفليقة إلى محكمة سيدي امحمد بصفته مستشار الرئيس بوتفليقة للاستماع لأقواله في قضية تمويل رجل الأعمال علي حداد حملة بوتفليقة للرئاسة التي كانت مقررة في 18 أبريل 2019، وقد امتنع سعيد عن الرد على أسئلة القاضي ليأمر هذا الأخير، بإعادته إلى سجن البليدة، حيث يقضى عقوبة 15 عاما سجن نافذا بتهمة التآمر ضد سلطة الدولة، بحكم صادر عن المحكمة العسكرية بتاريخ سبتمبر 2019.
في هذا الإطار، قال المحامي الجزائري نجيب بيطام، لـ"سكاي نيوز عربية" إن محاكمة الرئيس جزائيا لا تتم إلا في حالة الخيانة العظمى والتآمر ضد أمن الدولة مع جهات أجنبية، وعدا تلك فلا مجال لمتابعة الرئيس وفق نص الدستور، حيث لا يوجد نص قانوني يمكن الاستناد عليه لمحاكمة رئيس الجمهورية في قضايا الفساد".
"مستحيل؟"
ويضع الدستور الجزائري القائم أمام استثناء رئيس الدولة من المحاكمة، ولا يمنع استدعائه كشاهد. غير أن حالة بوتفليقة الصحية تجعل من المستحيل جلبه إلى المحكمة كشاهد، حيث يمكنه الامتناع بشاهدة طبيبة.
وأكد المحامي بيطام أن "مسألة محاسبة الرئيس يجب تعديلها في الدستور الجديد للبلاد"، مشيرا إلى أن "مسودة الدستور المطروحة للنقاش حاليا في الجزائر لم تتطرق إلى تلك النقطة، رغم أن هناك مؤشرات إيجابية على أن تقوم السلطة الحالية بتجسيد ذلك استجابة لتطلعات الشارع".
ووصف المحامي بيطام حجج رموز النظام المتابعين قضايا بـالضعيفة قانونيا، مشيرا إلى أن "حجة تنفيذ تعليمات الرئيس لا تحميهم من الوقوع تحت طائلة القانون وتحمل المسؤولية"، كما قال: "المسؤول ينفذ التعليمات إذا كانت مشروعة ويتحمل مسؤوليته إذا كانت تعليمات غير مشروعة".
المشهد الجديد
من جهته، وصف أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة الجزائر الدكتور نور الدين بكيس الوضع في الجزائر اليوم، بـ"المشهد الجديد" الذي يستدعى إسقاط ذلك الاستثناء الذي ظل سائدا لعقود لحماية الرئيس من المحاكمة والمحاسبة أو الحضور كشاهد.
وأشار بكيس في تصريح لـ"سكاي نيوز عربية" إلى أن المنطق المعمول به الآن يعتمد سياسة الفصل بين الرئيس ورجال الرئيس، وهو ما يعني حسبه أن "الجزائر لم تدخل الآن قبل مرحلة التأسيس للمسؤولية بشكل مطلق وتعميم المسؤولية السياسية، خاصة في ظل الوضع الصحي الذي يمر به بوتفليقة".
وفسر الخبير الجزائري عدم استدعاء بوتفليقة حتى الساعة، بأن ما وصلت إليه الجزائر من تغيير لا يسمح بذلك، وأن المتاح يستلزم التوقف عند حدود محاكمة كبار الوزراء وعدم المغامرة بالاستماع إلى أقوال الرئيس في القضايا المطروحة أمام المحكمة.
وأوضح بكيس أن مسألة استدعاء بوتفليقة كشاهد أو السماع إلى أقواله في محل إقامته هو إدانة له كما قال: لا يمكن تفادي الإدانة لأنه الضامن ولا تفكيك للقضية.
ويتواجد الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة (83 عاما)، بمقر إقامته بالجزائر العاصمة، وكان آخر ظهور له بتاريخ 3 أبريل 2019، عندما قام بتسليم ورقة استقالته لرئيس المجلس الدستوري، الطيب بلعيز، دون أن يدلي بأي تصريح.
محكمة التاريخ
وقال عضو المجلس الدستوري السابق عامر رخيلة في تصريح لـسكاي نيوز عربية إن "بوتفليقة رئيسٌ مدان من الناحية التاريخية والمعنوية وقد انتهى انسحابه من المشهد بالكشف عن ملفات ثقيلة".
وقال رخيلة إن الدستور الجزائري وضع مسألة محاكمة الرئيس ضمن اختصاص محكمة أمن الدولة التي لم يتم تنصيبها ولا يوجد أي قانون عضوي يفعلها، ولا توجد أي جهة مؤهلة لمحاكمة بوتفليقة، إضافة إلى ذلك فإنه من الناحية العملية المرتبطة بالقدرة الجسدية للرئيس السابق فإن المحاكمة مستحيلة ومتعذرة.
ووفق ما يطرح الخبير الدستور من تحليل فإن الغاية من المحاكمة، إدانة شخص مع إعطائه الحق في الدفاع عن نفسه والتصريح بالاعتراف أو النكران.
ويرى الخبير الدستوري أن السلطة الحالية لا تريد فتح هذا الملف في الجزائر، وتنتظر فقط رحيل بوتفليقة، لطي الملف بشكل نهائي والمرور إلى ما هو أهم عبر بناء الجزائر الجديدة.