"الخواتم الفضية" تعكس مأزقا للحرس الثوري الإيراني في العراق
16:09 - 11 يونيو 2020كان قادة الميليشيات الموالية لطهران يتوقعون أن يحصلوا على الأموال من خليفة الجنرال الإيراني المقتول، قاسم سليماني، في وقت سابق هذا عام، لكنهم تعرضوا إلى مفاجئة كبيرة، إذ حصلوا على خواتم فضية فقط.
ويعكس هذا المشهد، الذي جاء في سياق تقرير لوكالة "أسوشيتد برس" ونشرته الخميس، قدرات إيران المتضائلة بسبب العقوبات الأميركية، وتداعيات جائحة كورونا، وهو ما وضعها أمام تحد جديد في التعامل مع الميليشيات المتنافسة في العراق والتي تعتمد على أموال طهران.
وقالت الوكالة إن الميليشيات العراقية كانت تأمل الحصول على الأموال، كما هي العادة دائما، عند أول زيارة لقائد فيلق القدس الجديد في الحرس الثوري الإيراني، إسماعيل قاآني، في وقت سابق هذا العام.
لكن قادة هذه الميليشيات أصيبوا بخيبة أمل عندما اكتفى قاآني بتوزيع خواتم فضية عليهم، في أمر يظهر حجم الأضرار التي ألحقتها العقوبات الأميركية بالنظام الإيراني وتفشي فيروس كورونا هناك.
وخلال زيارته الثانية إلى بغداد، كان على قاآني التقدم بطلب للحصول على تأشيرة، وهو أمر لم يحدث مع سلفه سليماني، في خطوة تبدو جريئة من قبل حكومة بغداد الجديدة التي تسعى إلى تقييد حرية إيران في التنقل داخل العراق.
غياب سليماني والمهندس
وتحدث مسؤولون عراقيون عن صراع تخوضه إيران للحفاظ على سيطرتها على الميليشيات العراقية بعد ستة أشهر من اغتيال سليماني ونائب قائد ميليشيات الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس في هجوم بطائرة أميركية مطلع يناير 2020.
وذكرت "أسوشيتد برس" أنه في ظل غياب شخصيات مؤثرة مثل سليماني والمهندس لتوحيد الفصائل المتباينة، ظهرت انقسامات في صفوف قوات الحشد الشعبي، المظلة الشاملة للقوات الشيعية.
وتسبب مقتلهما في تعطيل مسار إضفاء الطابع المؤسسي على الميليشيات، التي كان المهندس يخطط لها بدقة بمباركة سليماني.
ويقول الباحث العراقي: "مع رحيل المهندس، لا يوجد ركيزة تدور حولها سياسات الحشد الشعبي".
وتمتع سليماني، المهيمن على الميليشيات التابعة لإيران في جميع أنحاء المنطقة، بمكانة شبه أسطورية لدى الميليشيات في العراق.
ويمكن أن يعزى ذلك إلى شخصيته الكاريزمية وإجادته اللغة العربية، مما جعل علاقته بالمسؤولين العراقيين أكثر من ممتازة.
وكان سليماني يدخل ويخرج من العراق بانتظام للتخطيط والوساطة وتقديم المساعدات المالية، وقال مسؤولون إن إحدى زياراته المفاجئة كانت كافية للتوصل إلى اتفاق بين الميليشيات المتنافسة.
وعقب مقتله، دبت الخلافات بين الميليشيات، حيث تنازعت حول شخصية رئيس الوزراء مرتين قبل أن تستقر على مصطفى الكاظمي.
خواتم قاآني
ويعد قاآني أقل دراية بقادة الميليشيات العراقية ويتحدث إليهم من خلال مترجم. ويدير السفير الإيراني إيرج مسجدي، وهو نفسه عضو سابق في فيلق القدس، الاجتماعات في العراق.
وهدايا قاآني من الخواتم الفضية عوضا عن الأموال جاءت خلال اجتماع في أبريل مع قادة عدد من فصائل المليشيات، بحسب ثلاثة مسؤولين، اشترطوا عدم الكشف عن هوياتهم لأنهم غير مخولين بالحديث إلى الصحفيين.
وذكروا أن قاآني قال لهم إنهم سيضطرون في الوقت الحالي إلى الاعتماد على تمويل الدولة العراقية، في إشارة إلى الأزمة الاقتصادية التي تعصف بإيران.
وتحصل ميليشيات الحشد الشعبي على رواتبها من الدولة العراقية، وقدرت بنحو ملياري دولار في ميزانية عام 2019، لكن تلك الأموال لا توزع بالتساوي.
وقال مسؤولان عراقيان مقربان من الميليشيات إن الجماعات الأصغر حجما المدعومة من إيران تعتمد على وسائل أخرى غير رسمية للدخل وتتلقى دعما من إيران، يقدر بنحو 3-9 ملايين دولار.
وشُكل الحشد الشعبي عام 2014 كإطار لتنظيم، وجذب الآلاف الذين تطوعوا لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي، بعد فتوى أصدرها المرجع الشيعي، آية الله علي السيستاني.
واشتدت بعد ذلك، شوكتها السياسية والعسكرية، تحت حكم المهندس المؤيد لإيران بشدة، وأصبح الحشد قناة لتأثير طهران في العراق.
خلافات وانشقاقات
وفتح مقتل المهندس الباب أمام فصائل معارضة لهذا النفوذ، خاصة تلك المرتبطة بالسيستاني، للانفصال عن قيادة الحشد الشعبي، في حين تشكو بعض الميليشيات من أن الجماعات الموالية لإيران تتلقى معاملة تفضيلية.
كما واجه الرجل الذي يُنظر إليه على أنه خليفة المهندس المحتمل، عبد العزيز المحمداوي، الملقب بـ "أبو فدك"، معارضة من الميليشيات التي اعتبرته الخيار المدعوم من إيران، وبحسب المسؤولين، لم يعترف رئيس الوزراء به رسمياً رغم توليه بعض المهام الإدارية.
وأظهرت بعض أكثر الميليشيات الصديقة لإيران في ظل الحشد الشعبي علامات الانشقاق.
وأعلنت جماعة جديدة، تعرف باسم عصبة الثائرين، مسؤوليتها عن هجمات ضد القوات الأميركية في مارس الماضي، ويعتقد أنها نشأت من قبل ميليشيات كتائب حزب الله القوية، التي اتهمتها الولايات المتحدة بالوقوف وراء هجمات سابقة.
وقالت أربع ميليشيات مرتبطة بالسيستاني مؤخرا إنها ستتلقى أوامر مباشرة من رئيس الوزراء العراقي، متجاوزة قيادة الحشد الشعبي.
وذكر مسؤول بارز في كتائب حزب الله إن الخطوة أضعفت قوات الحشد الشعبي وشرعيتها بين الجمهور، خاصة أن مصداقية الحشد بالنسبة إلى كثير مستمدة من فتوى السيستاني.
وكان الشقاق واضحا عندما زار رئيس الوزراء الكاظمي مقر قيادة الحشد، بعد أسابيع من توليه منصبه، وإلى يمينه، جلست شخصيات مقربة من طهران، وجلس إلى يساره المنتسبون للسيستاني.
وقالت رندا سليم، مديرة برنامج حل النزاعات بمعهد الشرق الأوسط، إن هذا يمثل "ألما رئيسيًا" للمؤسسة الشيعية بقيادة السيستاني في الخطط الإيرانية الأوسع.
وهناك سؤال أكبر يلوح في الأفق حول مستقبل الحشد الشعبي، فالمهندس كان يشرف على خطط لتحويل الميليشيات المستقلة إلى قوة أكثر احترافا، وقال ثلاثة من قادة الميليشيات، خلال زيارة قاموا بها مؤخراً إلى الموصل، إن هذه الخطط لم تكتمل بعد.
وكان واضحا أن المهندس كان يملك تأثيرا واسعا على الميليشيات، إذ عندما هاجم متظاهرون السفارة الأميركية في بغداد في 31 ديسمبر من العام الماضي ردا على ضربات واشنطن التي استهدفت الميليشيات، كان المهندس وليس قوات الأمن العراقية هو الذي تم استدعاؤه في نهاية المطاف لسحب المتظاهرين، وفقا لمسؤولين عراقيين.