المبادرة المصرية بين الإجماع الدولي والتعنت التركي المتوقع
17:03 - 07 يونيو 2020تواصل دول عربية وأجنبية تباعا ترحيبها بالمبادرة المصرية لحل الأزمة الليبية وإنهاء الصراع المسلح بهذا البلد، في الوقت الذي يتوقع فيه مراقبون أن تواصل تركيا انتهاكاتها للأعراف الدولية، وتزيد من دعمها للميلشيات الإرهابية التي تقاتل دعما لأجندتها الرامية لإعادة بناء الإمبراطورية العثمانية.
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد أعلن، السبت، عن مبادرة سياسية شاملة لحل الصراع في ليبيا، وقال في مؤتمر صحفي مشترك مع قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر، ورئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح في القاهرة، إن "المبادرة تدعو إلى وقف إطلاق النار اعتبارا من الاثنين 8 يونيو".
وأوضح السيسي أن المبادرة تشدد على ضرورة "إلزام الجهات الأجنبية بإخراج المرتزقة وتفكيك الميليشيات وتسليم أسلحتها، بجانب استكمال مسار اللجنة العسكرية 5+5 في جنيف".
كما تهدف المبادرة إلى ضمان "تمثيل عادل لكافة أقاليم ليبيا الثلاث، في مجلس رئاسي ينتخبه الشعب تحت إشراف الأمم المتحدة، للمرة الأولى في تاريخ البلاد".
وعبرت الولايات المتحدة عن ترحيبها بالمبادرة التي تهدف إلى وقف إطلاق النار، والمساعدة في إطلاق العملية السياسية بليبيا.
وقالت السفارة الأميركية في ليبيا في بيان على تويتر: "نرحب بجهود مصر وغيرها من الدول لدعم العودة إلى المفاوضات السياسية التي تقودها الأمم المتحدة وإعلان وقف إطلاق النار. وندعو جميع الأطراف للمشاركة بحسن نيّة لوقف القتال والعودة إلى المفاوضات السياسية التي تقودها الأمم المتحدة".
كذلك، رحبت روسيا بالمبادرة المصرية التي وصفتها بالهامة من أجل إنهاء الأزمة في ليبيا.
وذكرت السفارة الروسية في القاهرة: "تقدمت مصر اليوم بالمبادرة الهامة لإنهاء الأزمة في ليبيا. نرحب بكل الجهود الرامية الى تسوية النزاع واستعادة السلام في كافة الأراضي الليبية".
وأجرى وزير الشؤون الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان، السبت، مشاورات مع نظيره المصري سامح شكري، ليعبّر له عن دعمه للمبادرة المصرية بشأن إنهاء الصراع في ليبيا.
وحسب بيان الخارجية الفرنسية، فقد هنأ لودريان شكري على الجهود التي بذلتها مصر بشأن الملف الليبي، ورحب بالنتائج التي تحققت والتي تهدف إلى الوقف الفوري للقتال، واستئناف المفاوضات في إطار اللجنة العسكرية المشتركة.
وعربيا، ثمنّت وزارة الخارجية والتعاون الدولي الإماراتية "المساعي المخلصة التي تقودها الدبلوماسية المصرية بحس عربي مسؤول وجهود مثابرة ومقدرة".
وأكدت الوزارة "وقوف دولة الإمارات مع كافة الجهود التي تسعى إلى الوقف الفوري للاقتتال في ليبيا، والعودة إلى المسار السياسي الذي تقوده الأمم المتحدة، بما يضمن سيادة ليبيا بعيدا عن التدخلات الخارجية كافة".
ورحبت المملكة العربية السعودية بـ"جهود مصر" الهادفة إلى حل الأزمة الليبية، معربة عن تأييدها دعوة السيسي وقف إطلاق النار في ليبيا.
وأعربت الرياض عن ترحيبها "بكافة الجهود الدولية الداعية إلى وقف القتال في ليبيا والعودة للمسار السياسي، على قاعدة المبادرات والقرارات الدولية ذات الصلة".
من جانبه، وصف وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، "إعلان القاهرة" بأنه "إنجاز مهم ومبادرة منسجمة مع المبادرات الدولية، يجب دعمها للتوصل لحل سياسي للأزمة الليبية".
وعبّر الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، عن "تثمينه للمبادرة لإيقاف القتال في ليبيا والتوصل إلى تسوية سياسية متكاملة للأزمة في البلاد".
وبدوره أكد المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي، اللواء أحمد المسماري، مساء السبت، أن المبادرة المصرية تضمن حلا سياسيا يرضي جميع الأطراف كونها تنص على تعديل اتفاق الصخيرات وإعلان دستوري جديد.
وأفاد المسماري بأن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، دعا من خلال المبادرة المجتمع الدولي، لتحمل مسؤولياته تجاه ليبيا وسلامة أراضيها.
ورغم الإجماع الدولي على أهمية المبادرة المصرية في وضع نهاية للأزمة الليبية، إلا أن مراقبين ومحللين يرون أنها ستقابل بالتعنت والرفض التركي، وذلك لعدم رغبة أنقرة في إيجاد حل للملف الليبي بالطرق السياسية السلمية.
وتعليقا على الرد التركي المتوقع على المبادرة، أوضح الخبير في الشؤون التركية خورشيد دلي، أن إعلان القاهرة يتعارض مع مخططات أنقرة، حيث أن تركيا لا تتبنى مشروع سلام في ليبيا وإنما استراتيجية سيطرة وهيمنة واحتلال.
وتوقع الخبير في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، منير أديب، ألا تمتثل تركيا للمبادرة، مشيرا إلى أن تأييد العالم لها لن يغير من موقف أنقرة العازمة على دعم الميليشيات الإرهابية، والدفاع عن مصالحها الاقتصادية واتفاقياتها مع حكومة فايز السراج.
وفي حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، قال أديب، إن موافقة تركيا على المبادرة يمثل بالنسبة لحكومة رجب طيب أردوغان العودة إلى نقطة الصفر، وتخليها عن دعم الإرهابيين في ليبيا، الأمر الذي لا يتفق وعقلية الحاكم التركي.
تصعيد تركي مرتقب
وبما أن المبادرة تقضي بإلزام كافة الجهات الأجنبية بـ"إخراج المرتزقة الأجانب من ليبيا وتفكيك المليشيات وتسليم أسلحتها"، حتى يتمكن "الجيش الوطني الليبي" من "الاضطلاع بمهامه الأمنية"، يرى محللون أن تركيا ستلجأ إلى أسلوبها المعتاد للرد على مثل هذه المبادرات والمتمثل بالتصعيد، ومحاولة كسب الوقت لخلط الأوراق في الساحة الليبية، وإعادة الأمور إلى نقطة البداية.
وحول هذه النقطة، أوضح الخبير بالشؤون التركية بمركز الأهرام كرم سعيد لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن تركيا تحلم بتحقيق الانتصار في ليبيا بالاعتماد على دعم الميليشيات التي تقاتل دعما للسراج، مضيفا أن أنقرة سترفض أي تسوية سياسية في هذا البلد العربي، وخير دليل على ذلك تجاوبها السلبي مع "مهمة إيريني" لمراقبة تنفيذ بنود اتفاق حظر توريد الأسلحة إلى ليبيا.
وتابع سعيد قائلا: "تركيا لا تفهم لغة الحوار وهو ما برز في تصريحات أردوغان الأخيرة لدى استقباله فايز السراج، وإصراره التنقيب عن الطاقة قبالة السواحل الليبية".
أما الخبير في الشؤون التركية خورشيد دلي، فيرى أن الرد التركي على المبادرة سيأخذ شكلا تصعيديا يتمثل بزيادة الدعم بمختلف أشكاله لحكومة السراج، والاستمرار في تسهيل تدفق المقاتلين المرتزقة إلى ليبيا.
وبيّن خورشيد لـ"سكاي نيوز عربية" أن قبول تركيا بالمبادرة المصرية سيكون على حساب تخليها عن نظرتها الاستعمارية للمنطقة، وهو أمر مستبعد، لذا فمن المرجح أن تلعب أنقرة على عامل الوقت على أمل أن تستعيد الميليشيات التي تعمل وفقا لأوامرها بعض المواقع التي خسرتها أمام ضربات الجيش الوطني الليبي.
واسترسل خورشيد قائلا: "هدف أردوغان يتمثل بالوصول للهلال النفطي في ليبيا، وذلك للحصول على تمويل يدعم من خلاله حكومة السراج والميليشيات المتطرفة والمرتزقة".
ولفت الخبير في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، منير أديب، إلى أن رفض تركيا للمبادرة المصرية سيفضح أردوغان ويضع تركيا في وضع حرج، لأن الشعب الليبي بكافة أطيافه سيدرك أن البلاد تسير على طريق السيناريو السوري، وسيرد بقوة على أنقرة وتدخلاتها ودعمها للميليشيات.