قتيل جديد على يد الشرطة الأميركية.. وفيديوهات توثق "العنف"
19:49 - 05 يونيو 2020لا تزال عدسات الكاميرات في أميركا ترصد العنف الذي يمارسه عناصر الشرطة في مختلف الولايات ضد المتظاهرين، الذين خرجوا أصلا للاحتجاج على عنف الشرطة، لكن ما يزيد الوضع اشتعالا هو مقتل صاحب مطعم من أصول إفريقية خلال تفريق الشرطة للاحتجاجات.
ومنذ مقتل الأميركي من أصول إفريقية جورج فلويد، على يد رجل الشرطة ديريك تشوفين، خلال عملية اعتقال في مدينة مينيابوليس، اجتاحت الولايات المتحدة تظاهرات غاضبة، رفضا للتفرقة العنصرية ولعنف الشرطة المستخدم ضد المدنيين أصحاب البشرة الداكنة.
إلا أن تلك الاحتجاجات، لم تفلح في التخفيف من حدة العنف الذي يستخدمه رجال الشرطة، بل زادت منه مع استخدام قوات الأمن الغاز المسيل للدموع، والرصاص المطاطي، والضرب، والاعتقالات.
وكما فضحت كاميرات الهواتف المحمولة الجريمة التي ارتكبها رجال شرطة بحق فلويد، وثقت أخرى العنف الممارس بحق متظاهرين عزّل.
وكانت مدينة لويسفيل في ولاية كنتاكي، أحدث المدن التي فقدت أحد مواطنيها نتيجة عنف قوات الأمن، إذ نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، مقاطع فيديو من زوايا مختلفة، التقطها شهود عيان وكاميرات مراقبة، وثقت مقتل ديفيد مكاتي على يد عناصر الشرطة والحرس الوطني.
وبدأت الواقعة مع وصول قوات الأمن لفرض حظر تجول، يبدأ من الساعة التاسعة مساء، في منطقة مكتظة أمام مطعم مكاتي "يايا للشوي"، حيث كان مجموعة من الأشخاص يتناولون الطعام في الخارج.
وما أن وصلت قوات الأمن للمكان، حتى بدأت بإطلاق طلقات تعرف بـ"كرات الفلفل" التي تتسبب بتهيج العين والأنف، صوب المجتمعين أمام المطعم، مما دفعهم إلى إخلاء المكان بسرعة والدخول إلى المطعم.
ومع اندفاعهم إلى الداخل، استمر رجال الشرطة بإطلاق الطلقات نحو الباب، وليس على الأرض بحسب ما ينص عليه القانون، حتى كادت طلقة منهم أن تصيب رأس ابنة أخ مكاتي التي كانت قرب الباب.
ودون أن يدرك مكاتي من أطلق الطلقات، اقترب من الباب وأطلق رصاصة من مسدس كان بحوزته نحو الشارع، مما دفع رجال الأمن للتراجع، قبل أن يطل هو مجددا من خلف الباب رافعا يده، ليقوم رجال الأمن بإطلاق 18 رصاصة نحوه، مما أدى إلى إصابته بطلقة في الصدر.
وتقوم الشرطة الآن بالتحقيق مع رجال الأمن المتورطين في الواقعة، خاصة وأن كتيب التعليمات الخاص بشرطة المدينة، ينص بوضوح على أنه على رجال الشرطة "أن يتجنبوا استخدام العنف في تفريق التجمعات السلمية"، وأن "يعرفوا بأنفسهم"، بالإضافة إلى "إعطاء تعليمات واضحة بالتفرق ومنح المتجمعين وقتا كافيا لتنفيذها"، وهي جميعها أمور لم يلتزم بها رجال الأمن في حادثة مقتل مكاتي.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قد أثار الجدل مع بداية خروج الاحتجاجات، من خلال تصريحات طالب فيها حكام الولايات بالتعامل بـ"صرامة" مع التظاهرات، داعيا إياهم إلى استدعاء الحرس الوطني و"اعتقال الناس".
وأضاف: "عليكم القبض على الأشخاص، عليكم تتبع الأشخاص، وعليكم وضعهم في السجن لمدة 10 سنوات ولن ترى هذه الأشياء مرة أخرى أبدا... نحن نفعل ذلك في واشنطن العاصمة، سنقوم بشيء لم يره الناس من قبل".
كما وجه الرئيس الأميركي عدد من التغريدات إلى "الأناركيين"، أي الفوضويين، معتبرا أن الكثير من المتظاهرين يحاولون فقط القيام بأعمال شغب وتهديد الأمن العام.
واتهم أيضا "قادة الاحتجاجات بارتكابهم الإرهاب"، قائلا: "الاحتجاجات على مقتل جورج فلويد يقودها إرهابيون محليون وهذه جريمة ضد الإنسانية.. سأحارب "من أجل إبقاء البلاد آمنة".
وتعليقا على الخطوات التي قام بها ترامب، قال الباحث في الشؤون الأميركية ماريو أبو زيد، إن تصريحات الرئيس كانت تدعو للتعامل بشكل "أكثر صرامة لمواجهة أعمال العنف والتكسير والسرقات التي ارتكبها بعض المشاركين بالتظاهرات".
واستطرد موضحا أن ترامب يتعامل مع عدد من الجبهات التي "تحاول استغلال هذه التظاهرات لأهداف أخرى"، وأضاف: " هناك استغلال من الحزب الديمقراطي للاحتجاجات بشكل كبير في ولايات أساسية، إذ صورها على أنها ضد البيت الأبيض، وهو أمر غير صحيح، خاصة وأن الولايات المتحدة على أعتاب انتخابات رئاسية".
مشاهد عنف تتكرر
وبالرغم من تأكيد ترامب أن تصريحاته تستهدف "الفوضويين"، فإن موجة غضب جديدة أثيرت بعد مقتل فلويد، بسبب تكرر مشاهد العنف ضد المتظاهرين.
فخلال الأيام القليلة الماضية، لم تكن حادثة مقتل مكاتي الوحيدة التي وثقت عنف الشرطة، إذ نشرت وكالة "رويترز" للأنباء مشهدا آخر مروع وقع في بافالو بنيويورك.
ويظهر في الفيديو مجموعة من رجال الشرطة المدججين بالسلاح وهم يمشون في أحد الشوارع، يقترب منهم رجل أشيب الشعر، الذي يبدو من الفيديو أنه كبير في السن، ليتحدث معهم، قبل أن يقوم أحدهم بدفعه بقوة، ليقع الأخير على الأرض ويبدأ بالنزف من أذنه.
ومع قساوة المشهد، فإن رجل الشرطة الذي دفعه استمر في السير، بينما حاول آخر الاقتراب من الرجل للتأكد من سلامته، لكن زميله الشرطي دفعه للمضي قدما في السير. ويبدو من الفيديو مجموعة من رجال الشرطة وهم يطلبون المساعدة الطبية عبر أجهزة الاتصال الخاصة بهم.
مشهد آخر تم توثيقه في بالكاميرا ونشره على موقع تويتر، لم يتضح الموقع الذي تم تصويره فيه، يُظهر رجال الشرطة وهم يحاولون تقييد يدي امرأة، إلا أنها نجحت بالإفلات منهم، لينهالوا عليها بالضرب المبرح حتى سقطت على الأرض، وتم تقييد يديها.
ثم حاولت امرأة أخرى الاقتراب من رجال الأمن وحثهم على عدم استخدام العنف، ليقوم شرطي بدفعها لتسقط على الأرض ويتم اعتقالها هي الأخرى.
وفي فيلادلفيا، أظهر مقطع فيديو على تويتر، مجموعة من رجال الشرطة كانوا على متن دراجات هوائية، وهم ينهالون بالضرب بالعصي على مجموعة من المتظاهرين السلميين، من بينهم امرأة تم إسقاطها على الأرض وضربها بقوة.
ولعل أحد أكثر الفيديوهات التي انتشرت بشكل كبير في مختلف أنحاء العالم، هو فيديو لطفلة تصرخ وتبكي من الألم بعد أن أطلق رجال الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع باتجاهها.
وتجمع مجموعة من المتظاهرين حول الطفلة لرش الماء والحليب على وجهها في محاولة للتخفيف من آثار الغاز، فيما استمرت هي بالصراخ من الألم.
ولدى سؤاله عن الأساليب التي لجأت إليها الشرطة الأميركية في الكثير من الأحيان لتفريق المتظاهرين، أكد أبو زيد أنها "في الوقت الراهن لا تزال ضمن الحدود المشروعة لمكافحة الشغب"، قائلا: "الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي وخراطيم المياه، هي من الأمور المشروعة بمكافحة الشغب، ويتم تطبيقها حول العالم".
وتابع: "الأمر لا يزال على صعيد رجال الشرطة ولم يتم تصعيده لتوثيق أحداث عنف على يد قوات الجيش أو الحرس الوطني. عندما يتعلق الأمر بالأمن الداخلي وحماية الممتلكات، ومواجهة منظمات تحاول استغلال المظاهرات لخلق حالة من الرعب والشغب، نرى أن الشرطة الأميركية ما زالت ضمن الإطار المتعارف عليه، ولم تتعد سقف البروتوكولات الأمنية".
وشدد الباحث في الشؤون الأميركية، على أنه "لا يمكن للشرطة أن تضبط كل عناصرها بشكل كامل".
وقال: "في العديد من الولايات رأينا رجال الشرطة وهم يشاركون في التظاهرات ويدعمون المحتجين، كما رفض حكام ولايات أيضا استخدام العنف ضد المحتجين. من المؤسف أن يتم صبغ كل رجال الشرطة بالصبغة العنصرية التي رأيناها في قتلة فلويد".
وعن الطريقة التي يمكن أن تخفف من حالة الاحقان الموجودة في الشارع الأميركي، رأى أبو زيد أن "تحقيق العدالة بسرعة لأسرة فلويد" سيخفف من حدة التظاهرات.
وحذر في الوقت نفسه، من أنه في حال "تأخر تحقيق العدالة، أو لم ينل قتلة فلويد عقوبات قاسية، فإن التظاهرات في أميركا ستتسع وستتجه للعنف بشكل أكبر".
واختتم حديثه بالقول: "تبقى الكلمة الأخيرة للقضاء.. هل سينصف عائلة فلويد أم لا؟.. هذا ما سيحدد اتجاه المظاهرات الأميركية في الفترة المقبلة".