الشارع العراقي يسأل: أين تذهب مليارات النفط؟
15:38 - 14 نوفمبر 2019تعاني مدرسة الأكرمين بقضاء أبو الخصيب في البصرة من تهدم واكتظاظ فصولها، بسبب تعدد الفترات الدراسية في اليوم الواحد. وما يمنع تطوير المدرسة التي تبعد كيلومترات قليلة عن حقل السيبة الغازي في المحافظة المتخمة بالنفط، هو ببساطة "عدم وجود أموال".
ويقول مدير المدرسة عبد الحسين عبد الخضر لوكالة أسوشيتد برس إنه طلب من مديرية التعليم تمويل مشروع تجديد مبنى المدرسة التي أنشئت عام 1972، لكن جاء الرد: "ليس هناك أموال".
وأضاف أنه يعتمد على أولياء الأمور والمتطوعين لشراء أثاث، والحفاظ على نظافة المدرسة حتى يتمكن الطلاب من الدراسة في أجواء مناسبة.
وفي مكان قريب، توجد مدرسة أخرى مهجورة، بعدما نقل طلابها إلى مدرسة أخرى. وقالت فتاة صغيرة إن المدرسة "قديمة، وقد تنهار في أي لحظة".
وبينما ترتفع المشاعل النارية من حقول النفط والغاز في العراق، يعاني العراقيون من نظام تعليمي متدهور وبنية تحتية مهترأة، فيما أشعلت البطالة والفساد الشارع في انتفاضة غير مسبوقة ضد الطبقة الحاكمة.
واجتاحت موجات من الاحتجاجات العنيفة بغداد والمحافظات الجنوبية في العراق، حيث هتف المتظاهرون بسقوط المؤسسة السياسية، التي يقولون إنها لا تمنحهم الأولوية.
وما يؤجج الاضطرابات هو الغضب الناشيء عن اقتصاد متخم بأموال النفط، فشل في توفير الوظائف وتحسين حياة الشباب الذين يشكلون غالبية الذين خرجوا الى الشوارع.
ويقول الشباب إنهم سئموا من الفساد الحكومي الفاضح، وتدني الخدمات الأساسية، وهو المحرك الرئيسي للاحتجاجات التي قتل فيها ما لا يقل عن 320 شخصا، وأصيب الآلاف، منذ انطلاقها في الأول من أكتوبر.
وقالت هدى، الناشطة من البصرة: "نحن عاطلون من العمل وفقراء، لكننا نرى من حولنا كل يوم مشاعل حقول النفط."
وتحدثت هدى، شريطة عدم الكشف عن اسمها الكامل لأسباب أمنية. وتساءلت "أين تذهب هذه المليارات"؟
ويعد سؤال هدى وجيها. فالنفط يمثل ما يقرب من 85-90 في المئة من عائدات الدولة.
وتبلغ الميزانية الاتحادية لهذا العام 79 مليار دولار من أموال النفط، بناء على الصادرات المتوقعة البالغة 3.88 مليون برميل يوميا بسعر 56 دولار للبرميل.
وتحسن الاقتصاد العراقي في عام 2019 بسبب ارتفاع إنتاج النفط، ومن المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.6 في المئة بحلول نهاية العام، وفقا للبنك الدولي.
ونادرا ما يرى المواطن العراقي ثمار هذه الثروات، بسبب سوء الإدارة المالية، وعدم الكفاءة البيروقراطية والفساد.
وتبلغ نسبة البطالة الإجمالية حوالي 11 في المئة، بينما يعيش 22 في المئة من السكان في فقر، وفقا لتقديرات البنك الدولي. وثلث الشباب العراقي بلا عمل.
ويقول علي المولوي، رئيس قسم الأبحاث في مركز البيان، وهو مركز بحثي مقره بغداد، إن "إحدى المشكلات الرئيسية أن معظم الثروة النفطية ينفق على القطاع العام، وخاصة في الرواتب".
القطاع العام والمحسوبية
ويعد التقاسم الطائفي للسلطة السياسية، أو ما يطلق عليه المحاصصة، علامة فارقة في التكوين السياسي بالعراق، وهو ما يمكن النخب السياسية فعليا من الحكم بناء على توافقات واتفاقيات غير رسمية، الأمر الذي أضعف دور البرلمان، وهمش الكثير من الكفاءات العراقية.
وعلى الأرض تمت تلك الآلية عبر نظام محاصصة يتشارك بموجبه القادة السياسيون الموارد، ويسعى كل منهم جاهدا لزيادة شبكات المحسوبية وبناء الدعم. وللقيام بذلك اعتمد القادة على توزيع وظائف حكومية لضمان الولاء.
ويمكن الاطلاع على العديد من قوائم التوظيف التي تضم مئات الأشخاص مع ملاحظة انتسابهم لعدد قليل جدا من العائلات.
وأدى هذا النظام إلى تضخم القطاع العام، واستنفاد الموازنة المعتمدة على النفط، مخلفا القليل للاستثمار في مشروعات اجتماعية وبنية تحتية تشتد الحاجة إليها.
ويقول المولوي: "هذا هو النهج المتبع. المحسوبية تقوم بالأساس على منح وظائف وليس أي شيء آخر. هي طريقة أولية لتوزيع الموارد - عبر القطاع العام".
وفي موازنة 2019 مثلا، مثلت رواتب القطاع العام نحو 40 بالمائة من الإنفاق العام.
ونما القطاع العام في العراق بالتوازي مع تطور صناعة النفط في البلاد في اعقاب الغزو الأميركي عام 2003 الذي أطاح بصدام حسين.
ومع تدفق شركات النفط الكبرى على حقول النفط بالبلاد نما عدد الموظفين الحكوميين 3 أضعاف خلال الستة عشر عاما الماضية، وفق بحث المولوي.
وكما كان منح الوظائف أيضا اسلوبا متبعا من جانب الساسة العراقيين لتهدئة الاحتجاجات. فقد ضم رئيس الوزراء عادل عبد المهدي آلاف المعينين في حزمة إصلاحات قدمها الشهر الماضي.
لكن حزمة الإصلاحات تمثل عبئا جديدا على الاقتصاد المثقل بالأعباء، بحسب خبراء.
ويقول الخبير الاقتصادي احمد الطبقجلي، إنه بسبب شبكات نظام المحاصصة المتعددة وغير المركزية "أصبح لدينا العديدين ممن يقومون بالتعيين وكأنهم يتعاطون منشطات".
إنفاق مظلم
وتتبع مسار الأموال وكيفية إنفاق الوزارات لمخصصاتها أمر صعب حتى بالنسبة للمصلحين ذوي النوايا الحسنة لأن هناك القليل من الشفافية والمحاسبة.
وتخصص الموازنة العامة مبالغ متزايدة سنويا "للسلع والخدمات" التي يمكن أن تتراوح ما بين مشروعات الخدمات العامة إلى نفقات مبهمة مثل صيانة مبنى الوزارة.
إلا أن العديدين يشتكون من أنه لا يمكن رؤية أي تقدم يتحقق على الأرض.
ويقول المولوي إنه في بعض الحالات لا يتم ببساطة إنفاق التمويل بسبب سوء التخطيط والإدارة.
"يجمع المسؤولون جميع الموازنات معا من أجل الإنفاق، ثم "يجعلون الأولويات دائما للأشياء البسيطة، ويزعمون أن المال غير كاف"، وفقا للمسؤول.
وأضاف "أو تستخدم الأموال لسداد ديون متراكمة من السنوات الماضية. لذلك عندما يحين وقت توقيع العقد، يقولون: لا توجد أموال لأن ما لديهم غير كاف. هناك آلاف الطرق التي يستطيع من خلالها البيروقراطيون سرقة هذا المال."
في الوقت نفسه، لا تزال هناك مشروعات هامة غير مكتملة.
ولا يبدو أن الزعماء العراقيبن مستعدين حتى الآن لإصلاح النظام الاقتصادي، الذي قال خبراء إنه غير مستدام بسبب قلة الموارد ويعتمد بشكل مفرط على أسواق النفط المتقلبة.
وبذلت محاولات جادة في أعقاب الأزمة المالية عام 2015، عندما اتخذت إدارة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي تدابير تقشفية لم تحظ شعبية.
لكن عندما انتعشت أسعار النفط، لم تلتزم الحكومة بهذه التدابير. وزادت نفقات حكومة عبد المهدي بنسبة 25 بالمائة مقارنة بالسنوات الماضية.
وأمام زيادة الإنفاق المبنية على زيادة التدفقات النفطية وانتعاش أسعارها، لا تزال مدرسة الأكرمين تستقبل الطلاب على فترات متعددة في فصولها المكتظة في البصرة، بينما يواصل المتظاهرون في شوارع بغداد والمدن الأخرى الهتاف بسقوط الحكومة التي لم تستطع تقديم جوابا شافيا على سؤال هدى: "أين تذهب مليارات النفط؟".