في "قرية الإيدز" بإيران.. كيف أسقطت "إبرة" دعاية الصاروخ
23:04 - 31 أكتوبر 2019في الخامس من أكتوبر، اقتحم مئات الأشخاص الغاضبون مكتب إمام صلاة الجمعة في قرية شنار محمود بمدينة لوردغان جنوب غربي إيران، وأشعلوا النار فيه. وبعدها، توجهوا إلى مبنى المحافظ ورددوا شعارات ضد نظام الحكم، والسبب كان "مرض الإيدز".
فقد أصبحت القرية في حكم المناطق المنكوبة صحيا، بعد أن انتشر فيها مرض الإيدز جراء تعرض الأهالي لفحص طبي باستخدام "إبر ملوثة"، في وقت يواصل فيه النظام الإيراني عرض إنجازاته من الصواريخ الباليستية.
وقال سكان غاضبون حينها، إن 300 شخص على الأقل أصيبوا بالإيدز، من بينهم أطفال، بسبب استخدام أحد المراكز الصحية في القرية إبر ملوثة أثناء إجراء فحص لمرض السكري قبل شهرين.
ويوم الاثنين، أكد مركز الجمهورية لأبحاث العلوم الطبية الاستراتيجية، أن القرية وبلداتها القريبة في الواقع أصبحت "مركزا للعدوى بفيروس نقص المناعة البشرية"، بحسب وسائل إعلام محلية.
وبحسب موقع مجلس المقاومة الإيرانية المعارض، فإن القطاع الصحي في إيران يعاني تدهورا كبيرا، نتيجة الفساد الإداري.
واستند الموقع إلى تصريحات لوزير الصحة سعيد ناماكي في 15 يوليو 2019، قال فيها إنه "تم تخصيص مبلغ 1,3 مليار دولار مخصص للمعدات الطبية، ولا أحد يعرف من قام بتخصيصها، وما الذي تم إحضاره، ولمن تم تسليمها".
وأظهرت تحقيقات أن بعض الأفراد داخل وزارة الصحة، استخدموا الأموال بناء على سعر الصرف المستخدم من قبل الحكومة، المخصص لاستيراد الأدوية والمعدات الطبية، لشراء سلع أخرى مثل كابلات الكهرباء.
وجرى الحصول على أرباح أكبر من السلع الفاخرة، التي تم شراؤها وفقا للمخطط نفسه، وذلك باستخدام أموال من منظمة الأغذية والدواء الإيرانية، بحسب المجلس.
ويقول المحلل السياسي الإيراني، علي قاطع الأحوازي، لموقع سكاي نيوز عربية، إن الأزمة التي وقعت في مدينة لوردغان كانت نتيجة "وجود عمال غير متخصصين في أماكن مهمة وحساسة".
ويرجع الأحوازي ذلك إلى ما وصفه بـ"إهمال النظام الإيراني للقطاعات الأساسية مثل الصحة والتعليم"، مما أدى إلى هجرة أصحاب الشهادات العاملين في هذين القطاعين المهمين، الذي أدى بدوره إلى نقص في الكوادر المدربة.
وتقبع إيران تحت ضعوط اقتصادية كبيرة، بسبب العقوبات الأميركية عليها، التي خنقت إنتاجها النفطي، ووضعت عشرات الكيانات الاقتصادية الرسمية والخاصة على لائحة العقوبات.
من الإبرة.. للصاروخ
لكن العقوبات الأميركية التي فرضت على إيران بسبب برامجها النووية والصاروخية، لا تشمل قطاعي الغذاء والدواء.
ويقول الخبير في الشأن الإيراني حسن راضي لموقع سكاي نيوز عربية، إن "النظام الإيراني واللوبيات التابعة له، تحاول لوم العقوبات الأميركية لتبرير الفشل، لكن العقوبات لا تشمل القطاعات الصحية والطب والغذاء والدواء، وبالتالي تستطيع الدول إرسال الغذاء والدواء لإيران".
ويعتبر راضي الواقع الصحي في إيران "متدهورا إلى أبعد حد"، قائلا: "يمكنك أن تشاهد إعلانات على الجدران في الشوارع لبيع الكلى والعيون، وهناك مرضى على الأرصفة أمام المستشفيات الحكومية، حيث لا توجد خدمة مجانية".
ويرجع راضي ذلك إلى "انعدام الإنفاق على الخدمات الأساسية، في مقابل الإنفاق على الصواريخ الباليستية ودعم الميليشيات المسلحة في المنطقة".
وبحسب تقرير صادر عن معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام (SIPRI)، فقد بلغ الإنفاق العسكري الإيراني عام 2018 نحو 13 مليار دولار.
وعلى الرغم من ارتفاع معدل التضخم إلى 40 في المئة، وانخفاض الناتج المحلي، يشير التقرير إلى سحب طهران مبالغ ضخمة من احتياطي العملة الأجنبية، للإنفاق على تطوير الصواريخ الباليستية والطموحات العسكرية الإقليمية.
وأجرت إيران في شهر يوليو الماضي، اختبارا لصاروخ باليستي من طراز "شهاب -3" متوسط المدى، وذلك في خضم العقوبات المشددة والتوتر الإقليمي في الخليج العربي.
واعتادت إيران نشر مقاطع دعائية لعمليات إطلاق صواريخ أو منشآت تخزين ضخمة، في إطار دعاية داخلية لإظهار مدى استعدادها القتالي، في وقت يواجه النظام في طهران تململا شعبيا، نتيجة سوء إدارة الموارد الاقتصادية وإهدار المال على حروب بالوكالة في دول الجوار.
وبالإضافة إلى الصواريخ، فقد أنفق النظام 16 مليار دولار على ميليشياته في العراق وسوريا، بحسب المبعوث الأميركي بشأن إيران براين هوك.
وشدد هوك على أن هذه الأموال "كان من الممكن إنفاقها على الشعب الإيراني، الذي يعاني بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية".
ويقول راضي إن النظام الإيراني الذي يركز على الإنفاق العسكري، لا ينتبه إلى مدى حساسية النظام الصحي، الذي يشكل "مستقبل الإيرانيين"، مشيرا إلى أن غياب الإنفاق على الرعاية الصحية يزيد من حنق الشعب ضد النظام، أيا كان عدد الصواريخ التي يمتلكها.