تطلعات التونسيين وخطاب الرئيس المنتخب
21:10 - 22 أكتوبر 2019تتجه أنظار التونسيين صباح الأربعاء، صوب مجلس نواب الشعب حيث تعقد جلسة البرلمان المخصصة لأداء الرئيس المنتحب قيس سعيد اليمين الدستورية، ليبدأ بعدها تسلم مهام عمله رئيسا للجمهورية التونسية.
ووفقا لقواعد تنصيب رئيس الجمهورية المنتخب الواردة بالنظام الداخلي لمجلس نواب الشعب وبالتحديد الفصل 153، فمن المقرر أن يفتتح رئيس المجلس وهو في هذه الحالة سيكون عبد الفتاح مورو القائم بأعمال رئيس مجلس النواب الجلسة بكلمة موجزة ثم يدعو رئيس الجمهورية المنتخب لأداء اليمين وفقا للنص التالي : أقسم بالله العظيم أن أحافظ على استقلال تونس وسلامة ترابها ، وأن أحترم دستورها وتشريعها، وأن أرعى مصالحها، وأن ألتزم بالولاء لها".
ويؤدي الرئيس المنتخب اليمين الدستورية على مصحف تمت طباعته في تونس عام 1981 وهو مصحف كتب برواية قالون وهي الرواية التي يقرأ بها القرآن في تونس.
وعن هذا المصحف يقول رئيس مجلس النواب بالوكالة عبد الفتاح مورو : "إنه مصحف فخم مكتوب بخط مغربي وهو الخط الأصيل في تونس، ومن يوم دخول هذا المصحف إلى مجلس نواب الشعب في أواخر الثمانينيات درج كل رئيس للجمهورية على أداء اليمين بوضع اليد عليه".
الخطاب الأول
ووفقا للفصل 154 يلقي رئيس الجمهورية خطابا أمام مجلس نواب الشعب بعد أدائه اليمين الدستورية، وبعدها يرفع رئيس المجلس الجلسة بعد إنهاء رئيس الجمهورية خطابه ، ثم يتوجه الرئيس المنتخب إلى قصر قرطاج لاستلام مهما منصبه من الرئيس المؤقت محمد الناصر.
ويعلق قطاع عريض من التونسيين آمالا كبيرة على خطاب سعيد الأول فالرجل الذي سيصبح الرئيس السابع لتونس منذ إعلان الجمهورية في 25 يوليو 1957 يبدو حتى الآن غامضا ، ومازالت الكثير من مواقفه بحاجة لمزيد من التوضيح في ظل أصداء مقولته الشهيرة أثناء الجملة الانتخابية تتردد في الأوساط التونسية حين قال : لست في حملة انتخابية لبيع أوهام والتزامات لن أحققها بل أنا ملتزم بما أقول وأعهد به، عكس وعود الأحزاب التقليدية التي لم يكن حظ الشعب التونسي منها إلا كحظ المتنبي من وعود كارفور الإخشيدي ".
لكن قيس سعيد ليس كافور الإخشيدي والشعب التونسي ليس المتنبي هكذا هو لسان حال التونسيين الذين ينتظرون من الرجل خطابا يكشف جميع توجهاته ويوضح إسلوب عمله.
فخطاب التنصيب سيشكل مرحلة مهمة وفارقة في رسم خريطة طريق البلاد في السنوات الخمس المقبلة سواء فيما يتعلق بعلاقته برئيس الحكومة والصراعات الدائرة حاليا بشأن تشكيه، وكذلك علاقته بالقوى السياسية الوازنة في المشهد التونسي ومحاولتها السيطرة عليه وإخضاعها لحساباته.
كما أنه مطالب بتوضيح تصوراته بشأن تنقيح الدستور والقانون الانتخابي ونظام الحكم، هذا إلى جانب مواقفه الصارمة في مكافحة الفساد وإصلاح منظومة الخدمات العامة التي أكد غير مرة على أنها تحتاج لإعادة الاعتبار خاصة في قطاعي الصحة والتعليم.
وخطاب التنصيب مهم أيضا فيما يتعلق برسم خطوط ودوائر التحرك الدبلوماسي إقليميا ودوليا، وكيفية بلورة الدور التونسي في القضايا الشائكة عربيا وإفريقيا فضلا عن علاقة تونس بأوروبا والغرب عموما وفي القلب منها العلاقة بينها وبين فرنسا.
حكومة برعاية الرئيس
الرئيس المنتخب قيس سعيد سيجد نفسه أيضا بعيد تسلم مهام منصبه أمام تحد مهم وهو محاولات بعض القوى السياسية استدعائه للعب دور في تشكيل الحكومة الجديدة، كطرف محايد يمكن أن يشكل جسرا بين فسيفساء مجلس النواب السياسي، فحركة النهضة صاحبة الأكثرية القلقة داخل البرلمان مازالت عاجزة عن حسم ملفات تشكيل الحكومة وما إذا كانت ستصر على أن يتولى رئاستها أحد رموزها " راشد الغنوشي أقوى المرشحين " أم إنها سعيا لتجنب الخلافات ستقبل بتولي شخصية من خارجها رئاسة الحكومة.
مقترح أن يلعب الرئيس المنتخب دورا في تشكيل الحكومة جاء من كتلة الشعب البرلمانية ذات التوجه الناصري حيث طرح أمينها العام زهير المغزاوي مقترح " حكومة الرئيس، منبها إلى أهمية لاستفادة من الزخم الشعبي والتفويض الذي منحه الناخبون للرئيس المنتخب في عملية تشكيل الحكومة، حركة الشعب كانت قد شددت على رفضها الانخراط في حكومة تترأسها النهضة رغم اعترافها بأحقية الحركة باعتبارها صاحبة الأكثرية البرلمانية في تشكيل الحكومة.
هذا الموقف وجد صدى داخل حركة النهضة ذاتها وظهر هذا جليا في مداخلة القيادي بحركة النهضة لطفي زيتون في اجتماع مجلس شورى الحركة ، وأكد خلالها على أن انتخاب قيس سعيد حمل رمزيتين مهمتين الأولى هي الإذان بسقوط منظومة الفشل التي هيمنت على البلاد خلال السنوات الثلاث الماضية.
والرمزية الثانية هي الشرعية الكاسحة التي حصدها الرجل متغلبا على كل الأطياف السياسية والإيديولوجية، وانحيازه للشعب هذه المواقف وغيرها قد تمهد الطريق بقوة أمام قيس سعيد ليشتبك مباشرة مع مشاورات تشكيل الحكومة بدعم شعبي واضح.
رقابة شعبية
وفي هذا السياق والتزاما بمقولات قيس سعيد نفسه بضرورة الإبقاء على حالة الرقابة الشعبية الدائمة، فقد أعلنت عدد من القوى الشبابية غير الحزبية عن اعتزامها تنظيم وقفة أمام مقر البرلمان في منطقة باردو بالتزامن مع أداء سعيد لليمين الدستورية، ليس احتفالا بالتنصيب وحسب، بل للتأكيد على أن دعمهم لسعيد سيبقى محل اختبار دائم لالتزامه بما انتخبوه على أساسه وهو الاستمرار في محاربة الفساد وعدم الخضوع لحسابات أي قوى سياسية ستسعى للسيطرة على قراراته.