السودان.. "أمل جديد" لباعة الشوارع بعد مشقة السنين
12:16 - 20 سبتمبر 2019شهدت شوارع الخرطوم، عقب نجاح الحراك السوداني في 19 ديسمبر، اختفاء نسبي لظاهرة الحملات اليومية، التي كانت تستهدف بائعات الشاي والأطعمة الخفيفة وباعة الخضر والفاكهة والباعة المتجولون في الأماكن العامة والذين يشكلون نحو 15 بالمئة من الشريحة العاملة في البلاد.
وأثار هذا التحول ارتياحا لدى المدافعين عن حقوق الإنسان، وأحدث استقرارا أسريا لدى أصحاب هذه المهن البسيطة، ومعظمهم من النازحين من مناطق الحروب والجفاف أو المناطق المهمشة تنمويا، وبعضهم من ضحايا اتساع رقعة الفقر التي طالت أكثر من 50 بالمئة من سكان البلاد.
هاجس كبير
وقبل الثورة، ظلت المطاردات اليومية هاجسا كبيرا لدى باعة الشوارع. وتقول حليمة صديق، وهي بائعة شاي في أحد الشوارع الرئيسة المكتظة بحركة المارة والموظفين والعمال، إنها كانت تتعرض يوميا إلى ما يشبه الابتزاز، حيث تصادر أحيانا أدواتها ومقاعدها وطاولاتها الصغيرة دون أي سبب منطقي، مما يعرضها لخسائر كبيرة تزيد من معاناة أسرتها الذين من بينهم 4 في الجامعات ويحتاجون يوميا إلى مصاريف التنقل والكتب وخلافه.
وكانت حليمة تضطر في بعض الأحيان للاستدانة لتغطية الغرامات والخسائر، قبل أن تعود في اليوم التالي للعمل، أملا في ألا تطالها يد الحملات.
احترام مستحق
وتشدد عوضية كوكو، وهي إحدى أشهر بائعات الأطعمة في الخرطوم، وكرمتها وزارة الخارجية الأميركية عام 2016 ضمن أشجع 10 نساء في العالم لدفعها عن حقوق بائعات الشاي والأطعمة، على أن بائعات الشاي يستحققن الاحترام وإطلاق العنان لهن للعمل بحرية، فمعظمهن رعت أسر خرجت أطباء ومهندسين وعاملين وعاملات في مختلف المهن.
وتقدر عوضية أن عدد الطلاب الجامعيين الذين تعولهن بائعات الشاي والأطعمة بأكثر من 9 آلاف طالب وطالبة.
وتشير إلى أن مهنة بيع الشاي والأطعمة أسهمت في تخريج الآلاف من الأطباء والمهندسين والمعلمين والمحامين وغيرهم.
وتؤكد أن من اخترن هذه المهنة المتعبة والتي تتطلب العمل لأكثر من 12 ساعة تحت لهيب شمس الصيف وصقيع الشتاء وأمطار الخريف يجب أن ينظر إليهن بنظرة احترام، وألا يتم التعامل معهن بتلك الطريقة المجحفة التي كانت تعاملهن بها السلطات المحلية في السابق.
ارتياح نسبي
محمد النور توارث امتهان بيع الخضار والفاكهة في الشارع العام المجاور للسوق المركزي في جنوب الخرطوم، لكنه عانى الأمرين خلال السنوات الماضية لأنه كثيرا ما تعرض لخسائر فادحة من جراء الحملات، التي كان يتم توقيتها مع الساعات الأولى من النهار، أي قبل أن يبدأ في بيع ما اشتراه من خضر وفاكهة من تجار الجملة الذين لم يتأثروا كثيرا بتلك الحملات.
لكن بالنسبة لمحمد وغيره فقد أصبح السوق أكثر أمانا بسبب التراجع الكبير جدا في عدد الحملات وانعدامها في بعض الأماكن.
ويقول محمد إن الأمر يبدو وكأنه حلم فقبل بضعة أشهر فقط كان يفكر في إيجاد طريقة للخروج من البلاد والذهاب إلى أي دولة أخرى يمكن أن يجد فيها عملا يكفي لإعالة أسرته الصغيرة ووالديه، لكنه الآن بات أكثر إصرارا على البقاء ومواصلة العمل، رغم المصاعب الاقتصادية الأخرى.
أسلوب مجحف
وانتقد الناشط الاجتماعي، إبراهيم علي مساعد، بشدة الطريقة التي كانت تعامل بها السلطات الباعة قبل نجاح الثورة، ويقول إن هذه الشريحة المهمة خرجت لتعمل وتكسب قوت يومها بطريقة شريفة إلا أنها كانت تواجه بعنف شديد تحت مظلة قانون سيء السمعة، سمي بقانون النظام العام.
وطالب ساعد الحكومة الانتقالية الجديدة بالإسراع في وضع الأطر والقوانين واللوائح التي تحمي الباعة سواء كانوا من الرجال أو النساء.
وأشار إلى أن كل القوانين والمواثيق تؤكد على حق الإنسان في كسب عيشه بالطرق المشروعة، لكن في نفس الوقت لا بد من تنظيم أعمال الباعة، بما يحفظ كرامتهم وآدميتهم، مع ضرورة العمل الجاد نحو تسخير الطاقات لخدمة الإنتاج.