عامان على تحريرها.. و"روائح الموت" تفوح من الرقة
12:37 - 10 سبتمبر 2019من منزل كان تنظيم داعش يستخدمه كمدرسة "لأشباله"، ولم يطأه أحد منذ طرد المسلحين من المدينة السورية قبل عامين، فاحت رائحة كريهة منه فأبلغ الجيران السلطات ليكتشفوا آخر ما تركه تنظيم داعش من أهوال.
وقبل أن يشعر أول المستجيبين بالأرض اللينة من تحت أقدامهم في الفناء، كانوا يعلمون ما هو كامن تحتها: آخر مقبرة جماعية في الرقة، العاصمة السابقة للتنظيم الذي أعلن "الخلافة".
ففي اليوم الأول من الحفر، تم إخراج جثتين، وبعد بضعة أيام وصل عدد الجثث إلى ما يقرب من 20، بما فيها جثث أطفال ونساء كانت مكدسة في حفر في حديقة الفناء.
هذا الاكتشاف، الذي اطلع عليه صحفيو "الأسوشيتد برس" نهاية الأسبوع، هو المقبرة الجماعية الـ16، التي تم العثور عليها في الرقة منذ طرد مسلحي داعش في صيف عام 2017.
وحتى مع إعادة بناء الرقة تدريجيا، فإن المقابر الجماعية الموجودة في المنازل والحدائق والمباني المدمرة، تعد بمثابة ذكرى قاتمة بالفظائع التي ارتكبها المقاتلون، والعنف المدمر الذي لحق بالمدينة لطردهم منها.
فخلال حكمهم، نفذ المتطرفون عمليات قتل جماعي وقطع رؤوس على مرآى من العامة، وتم رجم النساء والرجال المتهمين بالزنا حتى الموت، فيما تم إلقاء الرجال الذين يعتقد بأنهم شاذون من قمم المباني، ومن ثم رشقهم بالحجارة.
كما حدث المزيد من القتل أثناء الحملة الجوية والبرية التي استمرت لسنوات لتحرير الرقة، والتي نفذتها قوات بقيادة كردية مدعومة بغارات جوية شنها تحالف تقوده الولايات المتحدة. الهجوم دمر ما يقرب من 80 بالمئة من الرقة.
وحتى الآن استخرجت 5218 جثة من مقابر جماعية أو من تحت ركام مبان مدمرة بأنحاء الرقة، وفق ما ذكر ياسر خميس، الذي يقود فريق المستجيبين الأوائل. من بين هؤلاء، كان 1400 من مقاتلي داعش بملابسهم المميزة، وبينهم بعض الأجانب، وفق خميس. أما الباقون فكشف الأقارب هوية 700 منهم، لأنهم كانوا هم من دفنوهم.
وقال خميس إن الموارد المحدودة أبطأت من وتيرة البحث، وزادت من صعوبة تحديد سبب وفاة معظمهم. إلا أن القتلى راحوا ضحية غارات جوية أو انفجار ألغام أو عمليات قتل جماعي أو أنهم كانوا من مقاتلي داعش أو ضحايا لداعش دفنهم التنظيم، واستخرجت بعض الجثث مكبلة الأيدي.
ومن المرجح أن يكون القتلى، الذين عثر على جثثهم في أحدث مقبرة مكتشفة قتلوا في الأيام الأخيرة من المعارك حامية الوطيس للسيطرة على الرقة، ثم دفنوا بسرعة خلال القتال.
يذكر أن المنزل يقع في المنطقة البدوية بالرقة، التي كانت أحد آخر معاقل داعش ضد الحصار، حيث شيد على الطراز العربي التقليدي: يتوسطه فناء تحيط به الغرف. كانت الجدران الخارجية مليئة بآثار طلقات الرصاص.
وكان داعش قد استخدم المنزل كمدرسة خلال فترة حكمه، لذا تناثرت الدفاتر والمكاتب في أنحاء غرف المنزل.
ففي حديقة الفناء انتشل حفارون جثة جديدة، السبت، أثناء زيارة فريق "أسوشيتد برس" للموقع، وكان صاحب الجثة يرتدي زيا رسميا، دلالة أنه من مقاتلي داعش. انتهت أعمال الحفر، الاثنين، وانتشلت في المجموع 19 جثة، من بينها جثث ثلاث نساء وطفلان.
وقال إبراهيم المايل، أحد الحفارين، إن العديد من الجثث التي عثر عليها كانت مكومة فوق بعضها في الأرض.
معظم المقابر الجماعية بالمدينة عثر عليها في منازل كهذا لأن المدنيين كانوا يدفنون القتلى أينما تيسر، بسبب عدم قدرتهم على المضي بعيدا وسط كثافة القتال.
وانتشلت من مقابر أخرى بنفس المنطقة، مقبرتان في منزلين، ومقبرتان في حديقتين، 90 جثة، كما عُثر على مقربتين جماعيتين كبيرتين في الأقل بمناطق مفتوحة في المدينة، متنزه عام ومجمع تدريب، أو على أطراف المدينة، حيث دفن مقاتلون زملائهم أو مواطنين لقوا حتفهم.