موسم الطائف.. رحلة في ذاكرة العرب
17:48 - 11 أغسطس 2019استطاع موسم الطائف، أو "مصيف العرب"، إعادة الحياة العربية القديمة إلى الواقع، جاذبا إليه آلاف الزوار من داخل وخارج المملكة العربية السعودية، بفضل نشاطه الواسع الذي شاركت فيه نحو 10 دول عربية، جلبت معها ألوانها وفنونها وذائقتها.
ومن خلال عدد من الفعاليات الاستثنائية التي لا تكاد تجتمع في مكان بمواصفات هذا المصيف القريب من الأراضي المقدسة، استطاع المهرجان إعادة بعث الحياة العربية القديمة منذ أقدم العصور، مقدما الروح العربية عبر أدبها الفذ، وتراثها الغني، وبيدائها الاستثنائية.
وفي قلب عكاظ حيث وصل التنافس في الشعر إلى ذروته بين العرب في الجاهلية، يعود جميع أولئك العمالقة مجددا عبر أحفادهم اليوم، ومن خلال أحدث التقنيات ليقدموا شتى الملاحم العربية في النثر والشعر والفروسية، أمام جمهور من شتى الفئات العمرية.
ولا تطأ قدم الزائر سوق عكاظ حتى يفاجأ بأبيات من الشعر الجاهلي تلقى على مسامعه، أو بسجال شعري بين اثنين من عمالقة الشعر في الجاهلية، حيث تعلو الحناجر عبر المؤثرات الصوتية، لتقدم لنا ملاحم عنترة وعمرو ابن كلثوم وأوابد امرؤ القيس وزهير ابن أبي سلمى، وغيرهم من فرسان الشعر.
وبفضل استغلال ذكي للتقنية والمؤثرات التي لم تفوت شيئا من تفاصيل الحياة العربية القديمة تمكن منظمو عكاظ من تقديم صورة بانورامية واسعة لأزهى عصور العرب في جزيرتهم، عبر ملاحهم الطويلة التي كانت عنوانا لحياتهم، وعبر شعرائهم وقوافلهم والحياة التي عاشوها في مضاربهم، فضلا عن صور من حياتهم الاجتماعية بكل تفاصليها.
ولا يقتصر سوق عكاظ على الجادة المثيرة للاهتمام، والتي لا تعرف الهدوء، ولا بالزوايا المحيطة بها حيث صخرة النابغة، وركن امرؤ القيس، بل نجد أن هذا النشاط الذي هو الذروة، تحط بجواره الرحال فنون عربية أخرى وإن كانت حديثة، في خطة جديدة من قبل المنظمين الذين نجحوا في ربط الماضي والحاضر.
ففي الجزيرة العربية التي تمثل السعودية قلبها، عاد الأحفاد إلى حاضنتهم مجددا من خلال فنونهم وآدابهم، ليقدم العرب بجانب تراثهم القديم كل مكتسباتهم الثقافية عبر العصور.
ومن خلال 11 دولة شاركت في المهرجان حطت تلك الفنون، التي بدأت من الحجاز قديما، ميممة الشام وبلاد الرافدين، مضيا عبر الفاتحين إلى بلاد المغرب والأندلس.
مضارب هوازن
وتمثل مدينة الطائف غربي المملكة العربية السعودية، أحد أشهر المصايف العربية على الإطلاق، وارتبط اسمها قديما بقبيلة هوازن الكبيرة التي دخلت الإسلام في عهد النبي الكريم، وانتشرت بعد ذلك في شتى البقاع العربية حتى أضحى أحفادها اليوم في كل بقعة عربية، وكأن الطائف تعيد لم الشمل العربي الذي تفرق عبر قرون في شتى البقاع شرقا وغربا.
وبجانب سوق عكاظ، الإرث التاريخي للمدينة التي تتبع إداريا منطقة مكة المكرمة، يقدم موسم الطائف فعاليات أبرزها مهرجان ولي العهد للهجن، ومسابقات الفروسية المثيرة التي تشارك فيها فارسات سعوديات لأول مرة يقدمن عروضا في سباقات الخيل.
وفي منطقة الردف الشهيرة، التي تمثل واحدة من المناطق الخلابة في الطائف، ترقد قرية الورد التي تعد من أهم ما يميز المصيف الشهر في المدينة، بجانب ما اشتهر به كونه بستانا طوال العام لشتى أنواع الفاكهة المميزة.
وينبت الورد الطائفي في بيئة غنية، وفي مدينة اشتهرت بحدائقها المعلقة وبساتينها الملونة بشتى أنواع الفاكهة، حيث تنتشر مزارع الرمان والعنب والتين والخوخ والتين الشوكي "البرشومي"، والسفرجل والتوت والمشمش.
وتنتج مزارع الورد الطائفي المنتشرة في مواقع متفرقة من محافظة الطائف، نحو 700 طن من ماء الورد سنويا، ومن الدهن نحو 40 ألف "تولة" (زجاجة عطر بسعة 11.7 غرام) بواقع تولة واحدة لكل 12 ألف وردة، ويرتفع سعر هذه العبوة الصغيرة ليصل إلى نحو ألف دولار أميركي.
وفيما يبدو أنه استغلال كامل واستثمار في بيئة الطائف الفريدة جذب المهرجان كذلك عبر برنامج "سادة البيد" عشاق الهايكنج من شتى البلدان، حيث يقضي هواة هذه الرياضة أوقاتهم في تسلق قمم جبال الطائف وسط طقس شديد الاعتدال وتحت زخات المطر الباردة أحيانا.
في بلاد العرب..
شاركت في مهرجان عكاظ السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والكويت وسلطنة عمان والبحرين، إلى جانب مصر والأردن ولبنان والعراق والمغرب وتونس.
وفي أزقة تلك الدول، يمكن ملامسة فنونها التي تصدح على مسارح أعدت خصيصا للمناسبة التي طغت عليها ألوان قادمة من عمق تراث كل دولة، ألوان عززت بألوان الألبسة التراثية وبأطباق شهية تنافست فيها الدول المشاركة.
ويمثل المهرجان فرصة للزوار للتسوق، ولشراء حاجيات نادرة من ملابس وأطعمة ومعدات وهدايا، لا تقدر بثمن، تباع في أكشاك خاصة يمر بها الزوار في جولة طويلة، لربما استغرقت منه اليوم كله لإشباع فضوله والاستمتاع بكل الثقافات التي يضج بها المكان.
وفي الفترة التي يقام بها المهرجان، والتي تمتد إلى نهاية شهر أغسطس الجاري، يمكن للزوار الاستمتاع يوميا ببرنامج ترفيهي واسع، يشارك فيه فنانون عرب كبار، كالسعودي عبادي الجوهر، والإماراتي حسين الجسمي، ومواطنته أحلام إضافة إلى أصالة نصري وغيرهم من مشاهير الفن العربي.
وبلا ريب، لا تكتمل متعة تلك الجولة دون أخذ استراحات في الأقسام المشاركة، كقهوة الفيشاوي في الركن المصري، أو بوجبة مميزة من الأطباق المغربية الشهيرة، أو في القسم السعودي الذي يقدم فنون الطبخ والضيافة الحجازية والنجدية وغيرها.
المملكة العربية السعودية، أضحت بفضل رؤية 2030 التي أعادت تشكيل وجه المملكة إحدى أهم قبلات السياحة العربية، بل وأخذة في التحول إلى وجهة سياحية عالمية، حيث المناسبات والمهرجانات طوال العام.
وإلى جانب موسم الطائف، توجد مواسم متعددة في شتى مناطق البلاد، مثل فعاليات "السودة"، الرياض والدرعية والعلا وجدة وحائل والمنطقة الشرقية وغيرها.
ويمكن للحاصلين على تأشيرات زيارة أو عمرة زيارة تلك المواسم بفضل التعديلات والتسهيلات التي أدخلت على نظام التأشيرات.
وبحسب مراقبين، فإن الجهود السعودية في هذا المجال، وكذا التجربة الفريدة، ستأخذ مكانها لتصنع تكاملا مع دول الجوار وبالخصوص الشريك الاستراتيجي والجار النشط في المنطقة، دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تشارك مع السعودية في قيادة المنطقة نحو مرحلة جديدة من الازدهار قوامه التنمية والاستقرار والسلام.