بعد كشف الأدلة والتهديدات العلنية..ماذا تريد تركيا في ليبيا؟
17:02 - 01 يوليو 2019من سوريا إلى العراق ثم ليبيا.. تمتد أيادي تركيا لتتدخل فيما لا يعنيها، لتشعل أزمات وتدعم جماعات على حساب أخرى، حتى وإن كان هذا يعني انتشار الإرهاب والدمار.
قد يفهم البعض دوافع تركيا للتدخل في سوريا أو العراق، فهناك حدود تجمعها مع البلدين، وأزمات طاحنة تدور فيهما، قد تشكل ذريعة للتدخل العسكري، ولكن ماذا بشأن ليبيا؟، البعيدة آلاف الكيلومترات عن الأراضي التركية، والتي تعاني أصلا من مشكلات تمزقها.
وكان الجيش الوطني الليبي قد أعلن، الأحد، أنه تم استهداف طائرة مسيرة تركية في طرابلس، كانت تستعد لتنفيذ غارات على مواقع تابعة له.
وقال المتحدث باسم الجيش الليبي، اللواء أحمد المسماري، إن الجيش يخوض "معركة حقيقية مع تركيا على الأرض"، مؤكدا أنها "تقاتل منذ عام 2014 مع الجماعات الإرهابية في بنغازي ودرنة وغيرها من المدن".
وعلى مدار الأشهر الماضية، انكشفت التدخلات التركية في لبيبا شيئا فشيئا، إذ تم ضبط شحنات أسلحة تركية محملة على متن سفن، كان آخرها السفينة التي تحمل اسم "أمازون"، والتي خرجت من ميناء سامسون في التاسع من مايو الماضي، محملة بآليات عسكرية وأسلحة متنوعة، قبل أن تصل إلى ميناء طرابلس.
وجاءت هذه الشحنة من السلاح، بعد أيام من موقف مثير للجدل أطلقه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عقب بدء عمليات الجيش الوطني الليبي العسكرية لتحرير طرابلس من قبضة الجماعات الإرهابية، ليعلن الرجل صراحة دعم بلاده لحكومة فايز السراج، وتدخله لصالح الأخير.
وللحديث عن الدوافع وراء التدخلات التركية في ليبيا، اعتبر الناطق باسم مجلس النواب الليبي عبدالله بليحق، أن "مشروع الإخوان هو المحرك الحقيقي لأردوغان".
وأضاف لموقع "سكاي نيوز عربية": "الهدف من تدخل تركيا في الشأن السوري، هو نفسه الذي يحركها للتدخل في ليبيا، وهو دعم مشروع الإخوان والميليشيات المسلحة".
كما أشار بليحق إلى عوامل اقتصادية تحرك تركيا في هذا المسار، قائلا: "هناك مصالح تركية في ليبيا متمثلة بعقود تم توقيعها منذ عام 2010، في مجالات اقتصادية وتنموية، وبالتالي فإن تركيا تخشى على مصالحها في ليبيا، دون أن تدرك أن ما تقوم به يضر بعلاقاتها مع ليبيا، وبالتالي فإنه سيضر باقتصادها المتضرر أصلا".
وشدد الناطق باسم مجلس النواب الليبي، على أن هذه التدخلات التركية لا تعود بالنفع على البلاد أو الشعب التركي بأي شكل من الأشكال، وإنما هي "دعم لمشروع الإخوان".
واتفق المحلل السياسي الليبي، العربي الورفلي مع بليحق في هذا الصدد، قائلا: "تريد تركيا تمكين الإخوان من حكم البلاد والسيطرة على مقدرات الدولة الليبية، نظرا لأن تلك عناصر تلك الجماعة الإرهابية في ليبيا، يرتبطون بحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا".
وأوضح الورفلي لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن ما يعرف بـ"حزب العدالة" الليبي الذي يرأسه محمد صوان، وغيره من قيادات الإخوان، ارتمت بأحضان تركيا، خاصة بعد أن نبذهم المحيط العربي مثل مصر، ولجأوا لتركيا وقطر".
"روابط إرهابية"
من المعروف أن تركيا تؤوي قيادات لعدد من الجماعات الإرهابية، وعلى رأسها جماعة الإخوان، والتي تمتد روابطها إلى ليبيا لتعبث بأمن البلد ومواطنيه.
وقال الورفلي، إن تركيا "حاضنة لميليشيات إرهابية متوطنة، كجماعة الإخوان، والتي توجد بعض قياداتها في تركيا، لكنها تدير وتشرف على معارك الميليشيات في ليبيا من تركيا نفسها، وبالتالي فهي تدعم هذه الميليشيات لتحقيق مصالح وأغراض سياسية واقتصادية".
واستطرد قائلا: "تاريخيا ترتبط تركيا ببعض الأقليات في ليبيا، والتي تنحدر من أصول تركية، مثل بعض العائلات المنتشرة في مصراتة، لذا فهي تعمل على دعم ميليشيات هناك بالسلاح والعتاد، وهو ما رأيناه بوصول مدرعات تركية وطائرات مسيرة يشرف عليها ضباط أتراك بغرفة عمليات تركية، تقصف بعض المواقع داخل المدن الليبية".
"غطاء السراج"
وعن الطريقة التي دخل بها هؤلاء الضباط الأتراك إلى ليبيا، وتوليهم مثل هذه العمليات من مواقع حساسة، أكد الورفلي أن ذلك تم من خلال مطار معيتيقة بطرابلس، بغطاء من حكومة السراج.
وتابع: "نعلم أن طرابلس محتلة من قبل ميليشيات إرهابية، وأن نقطة العبور أو المنفذ الجوي الوحيد بالمنطقة الغربية هو مطار معيتيقة في طرابلس".
كما أشار إلى ورود معلومات سابقة، تقول إن المطار استقبل ميليشيات جاءت من سوريا عن طريق تركيا، مضيفا: "الطيران التركي يهبط في هذا المطار، محملا بالعتاد والضباط والمسلحين، وهم يدخلون بغطاء من حكومة السراج".
وتضم حكومة السراج بالفعل عددا من القيادات المسلحة المطلوبة دوليا، مثل صلاح بادي، إلى جانب عناصر إجرامية مطلوبة لدى النائب العام، بتهم تتعلق بعمليات تهريب وتبييض أموال والهجرة غير الشرعية.
تصدير لأزمات داخلية
وإلى جانب الشق الاقتصادي الذي تركز عليه تركيا في اتخاذ قراراتها بالتدخل السافر في شؤون الدول الأخرى، فإن عددا من الأزمات الداخلية التي تعصف بأردوغان، دفعته لمثل هذه الخطوات غير المحسوبة.
وكان أردوغان قد تلقى صفعة قوية بخسارته للمرة الثانية في الانتخابات البلدية في إسطنبول، العاصمة التجارية لتركيا، وذلك بعد فوز مرشح حزب المعارضة أكرم إمام أوغلو.
وحصل إمام أوغلو على نسبة 54 في المئة بعد فرز 99 في المئة من صناديق الاقتراع، بفارق 7 في المئة على منافسه بن علي يلدريم الذي نال نسبة 45,1 في المئة.
وحقق بذلك تقدما بأكثر من 775 ألف صوت بزيادة كبيرة مقارنة مع مارس، عندما فاز بفارق 13 ألفا فقط، وهي الانتخابات التي رفضها حزب العدالة والتنمية الحاكم، مطالبا بإعادتها، فقط ليتلقى ضربة أخرى أكثر قوة.
كما تعرضت الليرة التركية خلال الأشهر الماضية إلى أزمات متتالية، إذ فقدت نحو 15 بالمئة من قيمتها أمام الدولار، منذ بداية هذا العام.
ليبيا.. "المعبر إلى مصر"
ولعل أحد الدوافع الخفية التي جعلت أردوغان يخوض غمار مغامرة خاسرة في ليبيا، هو محاولة لاقترابه من الحدود المصرية، لتعكير صفو البلاد، التي نجحت في التصدي لخطط جماعة الإخوان الخبيثة.
وقال الورفلي: "بالطبع أردوغان يعتقد أن التدخل في ليببا سيجعله على مقربة من الحدود المصرية، ليكون شوكة في خاصرتها، خاصة وأنه يكيد لها العداوة، التي تعكس بدورها العداء التاريخي بين الإخوان والجيش المصري".
وتابع: "يريد الرئيس التركي أن يحقق المكسب، وأن يقول للمصريين نحن على مقربة منكم ومن حدودكم، وهو ما يسعى إليه في إطار حلمه التوسعي، الذي لن يتحقق أبدا".
وفي هذا الإطار، قال مدير مركز الحقيقة للدراسات السياسية والاستراتيجية إميل أمين، إن أردوغان "يعلم تماما أنه يركض وراء سراب".
واستطرد قائلا: "فشلت محاولات الإخوان للصعود في مصر وتونس وحتى السودان، ومن الواضح أن محاولات أردوغان في ليبيا هي للثأر من مصر، التي احتفلت في الثلاثين من يونيو بذكرى انتصارها على جماعات الظلام".
وشدد أمين على أنه "من غير الممكن لوجيستيا أو سياسيا أن يحقق الرئيس التركي مساعيه"، قائلا: "شوكة أردوغان ستنكسر في ليبيا".
وحمّل أمين "التخاذل الدولي" المسؤولية عما يجري في ليبيا، وأضاف: "قد يعتقد المرء أن هذا التخاذل الدولي مقصود!، فما معنى أن يتم حرمان الجيش الليبي من السلاح، ولكن يتم السماح لسفن أردوغان بالرسو في طرابلس وإمداد جماعات إرهابية بالسلاح؟".
وفي ظل ضعف التدخلات الدولية الضعيفة لوقف مطامع أردوغان في ليبيا، أشار المحلل السياسي الورفلي، في الوقت نفسه، إلى "التدخل القطري السافر" في شؤون ليبيا.
وأضاف: "الدور القطري هو عبارة عن تدخل سافر، بدعم ميليشيات مصراتة بالأموال، بعد أن حظيت في السابق بغطاء سياسي أيضا"، مستشهدا بعملية "فجر ليبيا" في عام 2014، التي حظيت بدعم قطري مباشر.
و"فجر ليبيا" هو تحالف لميليشيات متشددة من مدينة طرابلس ومصراته والزاوية وصبراته، لطرد القوات التابعة للجيش الليبي من مقراتها في العاصمة.
وقد دعم هذه العملية جماعة الإخوان المسلمين، بعد خسارتهم في انتخابات مجلس النواب. وبعد طرد قوات الجيش من طرابلس هاجمت ميليشيات فجر ليبيا مقر الهلال النفطي.
ومع تصاعد الأزمات التركية الداخلية والخارجية، والصراعات التي يقحم فيها أردوغان بلاده وشعبه، يبدأ "الآغا العثماني" الهبوط نحو الهاوية، دون أن يدرك أن حلم "الدولة العثمانية" قد يعني "بداية النهاية".