إسطنبول بيد المعارضة.. كيف سيغير إمام أوغلو أكبر مدن تركيا؟
21:20 - 24 يونيو 2019في الـ 24 من شهر يونيو لعام 2018، لم يخطر على بال أنصار الرئيس التركي الحالي الذين خرجوا إلى الشوارع ابتهاجا بفوزه في الانتخابات المبكرة أنهم سيحييون ذكرى هذا اليوم بعد عام فقط وهم في حزن شديد بعد خسارة مرشحهم في انتخابات بلدية إسطنبول التي "من يفوز بها يفوز بتركيا بأكملها"، حسبما يقول رجب طيب أردوغان.
وبتعهده القتال "من أجل الديمقراطية في صندوق الاقتراع"، تمكن مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض أكرم إمام أوغلو من تحقيق "فوز مريح" على منافسه بن علي يلدريم مرشح حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يتزعمه أردوغان.
تاريخيا توصف الهزيمة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية بـ"النادرة"، أما سياسيا فهي توصف بـ"النكسة" التي مني بها أردوغان وحزبه في أكبر مدينة بتركيا.
ويبدو أن أهالي إسطنبول أخيرا رأوا الأمل، الذي كثيرا ما تحدث عنه إمام أوغلو في حملاته الانتخابية، بقوله: "أنظر إلى الناس في إسطنبول وأرى أملا. هل تعلم ما هو الأمل؟ أن ترى الضوء حتى في الظلام".
ومن المتوقع أن ينعكس هذا الأمل على الحياة السياسية والاجتماعية في تركيا، حيث قال الباحث السياسي إسلام أوزكان إن تداعيات "كبيرة جدا" ستشهدها البلاد بعد فوز حزب الشعب الجمهوري ببلدية إسطنبول.
نهاية للاستقطاب؟
وأوضح أوزكان لموقع سكاي نيوز عربية أن التغيرات الاجتماعية التي ستطرأ على إسطنبول "تتعلق بالسلوك السياسي لأكرم إمام أوغلو، أي إذا تعامل بحيادية مع جميع شرائح المجتمع التركي، فهذا يعني انتشار قيم التسامح والتعايش والتخفيف من وطأة بعض المشاكل الاجتماعية".
وفي خطاباته الانتخابية، اعتاد إمام أوغلو أن يركز على الجمع بدل التفرقة، وعلى التسامح، الأمر الذي وسع دائرة أنصاره في إسطنبول، حسبما قال أنتوني سكينر، مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مركز دراسة الأخطار (فيريسك مايبلكروف).
ربما يكون هذا الخطاب التسامحي هو الذي حول إمام أوغلو "من معارض غامض نسبيا قبل الاقتراع، إلى حامل راية الأمل الرئيس للناخبين الذين لا يدعمون حزب العدالة والتنمية" في المدينة، حسب سكينر.
واعتقلت السلطات رسميا أكثر من 77 ألف شخص للاشتباه في صلتهم بحركة الداعية المقيم في الولايات المتحدة فتح الله غولن الذي تلقي أنقرة باللوم عليه في التخطيط للمحاولة الانقلابية التي وقعت في 15 يوليو عام 2016.
ومنذ الانقلاب الفاشل الذي شهدته تركيا، زادت حدة الاستقطاب في المجتمع، وبسبب "حملة قمع المعارضة" أصبحت فئات مجتمعية إما مؤيدة للحكومة وإجراءات أردوغان أو معارضة على صلة بغولن.
فقد أقالت السلطات التركية وأوقفت عن العمل نحو 150 ألف شخص في قطاعات الخدمة المدنية والجيش وغيرها.
لكن فوز مرشح المعارضة بانتخابات إسطنبول المعادة قد يعيد الأمل إلى فئات المجتمع التي تعرضت للتنكيل بسبب "حملة قمع المعارضة"، كما تصفها جماعات حقوقية وحلفاء تركيا في الغرب الذين سبق وأن عبروا عن قلقهم بشأن حجم هذه الحملة الأمنية.
مصير السوريين
وقبيل انتخابات رئاسة بلدية إسطنبول الأولى في 31 مارس، والمعادة في 23 يونيو، لاحقت الشائعات إمام أوغلو، في محاولات فاشلة للتأثير على قاعدته الانتخابية التي يتضح أنها اتسعت.
ومن بين الشائعات التي أطلقها خصوم إمام أوغلو هو طرد اللاجئين السوريين من تركيا، حيث يبلغ عددهم 3.56 مليون، بحسب أحدث إحصائية لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
ويعلق الباحث التركي إسلام أوزكان، قائلا: "هكذا يتوقع بعض الإسلاميين أن يطرد أكرم إمام أوغلو اللاجئين السوريين، وهذا غير صحيح لأن موقف إمام أوغلو كان دائما متزنا فيما يتعلق بهذه القضية".
إلا أن هذه القضية، والحديث على لسان أوزكان، "كبيرة جدا، وترتبط بالتطورات السياسية والاستراتيجية في المنطقة، كما تتعلق بنهاية الحرب الأهلية في سوريا، وعوامل أخرى".
الفساد الإداري
وسبق وأن تحدث أكرم إمام أوغلو عن قضية فساد قال إن الرئيس رجب طيب أردوغان متورط بها، لكنه لم يوضح طبيعة الاتهامات الموجهة إليه.
وكان الباحث الأميركي مايكل روبين تحدث عن سجل جرائم كبير متهم به أردوغان، قائلا: "عندما انتخب رئيسا للوزراء (بين عامي 2003 و2014)، كانت هناك بالفعل ملفات فساد معلقة تعود إلى عهده عندما كان عمدة إسطنبول عام 1994 (..) هو متورط أيضا في قضية غسل أموال".
ولاحقت حكومة أردوغان قضية فساد تتعلق بإيران، ومثلت فضيحة لحكمه، لكنها انتهت عام 2014، بإسقاط الادعاء التركي جميع التهم لجميع المتهمين.
لكن أوزكان تحدث عن فساد من نوع آخر، يتعلق بما وصفه بـ"فساد وبذخ" بإدارة بلدية إسطنبول، الأمر الذي سهل على منظمات أهلية، لم يسمها، "مقربة جدا من حزب العدالة والتنمية الحاكم، ويقودها إسلاميون، الحصول على تمويل من بلدية إسطنبول" بالمخالفة للقانون.
وقال: "هذه المنظمات كانت تتغذى ماليا من بلدية إسطنبول، وبعد فوز مرشح المعارضة بانتخابات رئاسة بلدية إسطنبول ستنقطع مصادر التمويل".
ويرى الباحث إسلام أوزكان أن إمام أوغلو سيعمل على توزيع عادل للموارد المالية لأكبر مدينة في تركيا، مضيفا "ستتدفق هذه الأموال لصالح المجتمع التركي وأهالي إسطنبول (..) سيتمتعون بالرفاهية، وسيعيشون مستقبلا أفضل".
مرشح الرئاسة
وفي خضم هذا الفساد، والمشاكل الاقتصادية المتزايدة، جاء فوز إمام أوغلو على منافسه بن علي يلدريم مرشح حزب العدالة والتنمية الحاكم ليمثل هزيمة انتخابية نادرة للرئيس أردوغان الذي يتزعم الحزب.
ويتميز إمام أوغلو بعلاقات، وصفها أوزكان بـ"المتوازنة"، مع المكونات السياسية المختلفة، بمن فيهم الإسلاميون واليساريون واليمنيون وغيرهم.
وإذا استمر أكرم إمام أوغلو في هذه العلاقات "المتزنة" ربما سيكون مرشحا لرئاسة الجمهورية في انتخابات عام 2023، بحسب أوزكان الذي يرى أن رئيس بلدية إسطنبول الجديد يسير على نفس خطى رجب طيب أردوغان الذي انتخب عمدة للمدينة عام 1994، لكن بأيدولوجية مختلفة بالطبع.
وكان أردوغان أسس حزب العدالة والتنمية عام 2001، ثم انتخب رئيسا للوزراء بين عامي 2003 و2014، قبل أن يصبح رئيسا للبلاد.
يقول أوزكان: "الشعب التركي أعطى فرصة كبيرة جدا لأكرم إمام أوغلو لإثبات نفسه وإثبات قدرته على التعاطي مع القضايا المختلفة، ومعالجة المشاكل، وإذا استغل هذه الفرصة، ونجح، فإنه سيتحول إلى الرجل القوى".
هذا الرجل القوي من المتوقع أن يقود تحولات حزبية، لا تنحصر على حزبه الشعب الجمهوري، بل قد تمتد إلى حزب العدالة والتنمية الحاكم، الأمر الذي سيغير الحياة السياسية التركية.
تحولات حزبية
ويعتقد الباحث إسلام أوزكان أن تشكيلا سياسيا جديدا يقوده، من وصفهم بـ"الإسلاميين الجدد"، وهم أحمد داود أوغلو وعبدالله غل وعلي باباجان سوف يلعب دورا في إضعاف الحزب الحاكم ورئيسه أردوغان.
ووجه أحمد داود أوغلو، رئيس وزراء تركيا السابق الذي كان حليفا مقربا لأردوغان، انتقادات حادة لحزب العدالة والتنمية الحاكم، وألقى باللوم في أداء الحزب الضعيف في الانتخابات المحلية، في مارس الماضي، على تغيير السياسات والتحالف مع القوميين.
ولم يختلف الأمر كثيرا بالنسبة للرئيس السابق غل الذي انتقد أردوغان، أما وزير الاقتصاد السابق علي باباجان فكان أول من وجهت إليه اتهامات بالانشقاق عن الحزب الحاكم، بعد نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة، وتشكيله لحزب جديد يضم داود أوغلو وغل.
وفي داخل أروقة الحاكم، لا تزال الشائعات تنطلق بشأن حزب "الإسلاميين الجدد" الذي ربما ينضم إليه بعض النواب من حزب العدالة والتنمية أو يشجع آخرين على تشكيلات سياسية جديدة، بحسب ما قاله أوزكان.