في سودان ما بعد البشير.. ما الذي يخيف قطر وتركيا؟
21:25 - 05 يونيو 2019بينما كانت الهتافات تهز نوافذ القصر الرئاسي في الخرطوم مطالبة بتنحي عمر البشير عن السلطة في يناير الماضي، كان الرئيس الذي شعر لأول مرة بتهديد حقيقي يفكر فيمن يمكن أن يدعمه ضد الشعب الغاضب، ليتخذ قراره باستقلال طائرته إلى الدوحة.
ومثلت قطر الداعم الأول للرئيس المخلوع عمر البشير، حيث لم تخف سياستها الهادفة إلى إبقائه في السلطة رغما عن مطالب ملايين الشعب السوداني بتنحيه.
فمنذ أول مظاهرة رفعت شعار رحيل البشير، أسرعت الدوحة إلى التعبير عن دعمها للرئيس وجاهزيتها لتقديم كل هو مطلوب لتجاوز ما اعتبرته وقتها "المحنة".
ومع اشتداد المحنة التي التفت حول القصر الرئاسي، استقبلت الدوحة في الحادي والعشرين من يناير الماضي الرئيس المغضوب عليه وجدد أميرها تميم بن حمد دعمه للبشير.
واعتبر الدعم القطري لنظام البشير تحديا واضحا للإرادة الشعبية، لكن مصالح الدوحة مع النظام الذي يلتقي معها على نفس الخلفية الإيديولوجية وهي تنظيم الإخوان، كان مقدما على مصالح الشعب السوداني الذي ضاق ذرعا بالفساد المستشري والظروف الاقتصادية الصعبة.
الدعم التركي
وقبل شهرين من زيارة البشير إلى الدوحة، كان نائب الرئيس التركي فؤاد أوقطاي، يقوم بزيارة رسمية للسودان، استمرت ثلاثة أيام وذلك ما بين 19-21 نوفمبر الماضي، في زيارة أكدت العلاقات المتينة بين نظام البشير وحكومة الرئيس رجب طيب أردوغان.
واللافت في هذه الزيارة أنها أتت بعدما استقبل الرئيس التركي نظيره السوداني في أكتوبر، ودعاه إلى المشاركة في افتتاح مطار إسطنبول الجديد.
وفي ديسمبر 2017، زار أردوغان الخرطوم على رأس وفد مكون من 200 من المسؤولين ورجال الأعمال، في وقت كان الوضع في السودان يغلي قبل الانفجار في عام 2018.
وقدم نظام البشير إلى تركيا العديد من التسهيلات والامتيازات المثيرة للجدل، فقد منح جزيرة سواكن الاستراتيجية في البحر الأحمر لتركيا عبر عقد إيجار ليعطي الأتراك موطئ قدم في منطقة الملاحة الاستراتيجية، دون أن يتبين ما الذي سيجنيه السودان من هذه الخطوة سوى تمكين دولة أجنبية من مناطق إستراتيجية ذات سيادة لا يمكن أن تمنح لدولة أخرى.
وأمام الاحتجاجات الشعبية العارمة، وقفت الدوحة وأنقرة بشكل واضح مع نظام البشير لإنقاذه من الانتفاضة التي اندلعت نتيجة تراكمات 3 عقود.
ولم تكن محاولات تميم وأردوغان مدفوعة بالرغبة في تحسين الظروف المعيشية في السودان لتجنب توسع الاحتجاجات، وإنما لأنهما يعتبران الخرطوم - تحت حكم البشير - سندا إيديولوجيا لجماعات مثل تنظيم الإخوان، الذي كان يجد لعناصره في هذه العواصم ملجأ لنشر التطرف ومنصة لدعايته.
انقلاب المعادلة
لكن الرياح أتت بما لا تشتهي الدوحة وأنقرة، حيث لم يستطع النظام المدعوم منهما في الصمود كثيرا أمام الاحتجاجات التي وصلت إلى مقر القيادة العامة للجيش السودانية، مطالبة القوات المسلحة بالتحرك لمساندة الحراك الشعبي.
وانحاز الجيش السوداني إلى الاحتجاجات وعزل الرئيس من منصبه، وشكل مجلسا للإشراف على المرحلة الانتقالية، داعيا قوى الحراك الشعبي للدخول في عملية سياسية لتشكيل هيئات المرحلة الانتقالية والإعداد للاستحقاقات الديمقراطية التي تلبي تطلعات الشعب.
وبحسب تقارير، فقد تمكن العباس البشير، الشقيق الأصغر لعمر البشير، من الهروب إلى تركيا، حيث لديه وشقيقه الآخر عبدالله عدة استثمارات، فضلا عن امتلاكه عقارات وأصولا كثيرة.
ولم يكن العباس الوحيد من الشخصيات النافذة في السودان ممن لجأوا إلى تركيا، فسفير الخرطوم السابق لدى واشنطن عطا المولى، غادر أيضا إلى هناك، وقد تمكن من تحويل مبالغ ضخمة إلى حسابات تركية، وفقا لمصادر.
ارتباك قطري تركي
وبدت مواقف الدوحة وأنقرة اليوم مرتبكة أمام ما يحدث في المشهد السوداني، لتخرج وسائل إعلام قطرية وتركية لانتقاد مساعدات قدمها عدد من الدول العربية، ومن بينها السعودية والإمارات ومصر، إلى الشعب السوداني بعد تنحي البشير لمساعدته في تجاوز الأعباء المالية والاقتصادية في هذه المرحلة التي تطلب من السودانيين التكاتف لعبورها.
ويعد التوقيت عاملا أساسيا في كشف سياسات بعض الدول والمصالح التي تستهدفها، فمن يدعم نظاما منبوذا شعبيا ليس كمن يضخ مساعدات تهدف إلى دعم شعب يتطلع إلى تغيير يضعه على المسار الديمقراطي دون أن ينزلق في الفوضى والصراعات.
وتخشى الدول التي دعمت نظام البشير في أن تفقد مصالحها في السودان الجديد، خاصة أن الانتفاضة الشعبية لم تقم ضد رئيس فقط، وإنما ضد حركة الإخوان التي جاءت بهذا النظام إلى السلطة.
فلم يخفض السودانيون راياتهم الاحتجاجية بعد عزل البشير وإنما استبدلوا "رحيل البشير" بـ "رحيل الكيزان"، وهو الوصف الذي يطلق على رموز وأعضاء الإخوان في السوادن.
وربما يمثل ذلك الجزء الأكثر إثارة للقلق في الدوحة وأنقرة، حيث تعد العاصمتان ملاذا آمنا لتنظيم الإخوان والتنظيمات المتطرفة المنبثقة عنه.