كيف بدأت الخسارة المبكرة لأردوغان في إعادة انتخابات إسطنبول؟
18:10 - 08 مايو 2019لم يتقبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان النتائج الرسمية للانتخابات البلدية في إسطنبول وسعى عبر الطعون والضغوط إلى استصدار قرار بإعادة الانتخابات حتى حصل على ما أراد، لكن ما يصنع الفرق أن الرئيس ذو الصلاحيات الواسعة قد بدأ بخسارة الجولة الثانية "سياسيا".
وبعد ضغوط استمرت شهرا تضمنت تقديم طعون شتى لدفع اللجنة العليا للانتخابات إلى إعادة العملية الانتخابية في إسطنبول، اعتبر الرئيس التركي أن سكان إسطنبول "صوتوا للحزب الخطأ"، عندما أعطوا ثقتهم لمرشح حزب الشعب المعارض أكرم إمام أوغلو، قائلا إن لديه خطة جديدة "لتعزيز ديمقراطيتنا".
وتوقع المحلل السياسي إيلي ليك في مقال له بوكالة بلومبيرغ أن تشمل الخطة الجديدة لأردوغان السعي إلى مزيد من المخالفات والتزوير من أجل استعادة المدينة التي تعد خزانا انتخابيا وماليا كبيرا لحزب العدالة والتنمية.
وقال إن "إجراء انتخابات جديدة أمر لا يمكن الدفاع عنه في معظم أنحاء البلاد، التي استشاطت غضبا بعد قرار إعادة الانتخابات".
ويشير ليك إلى أن العديد من الأتراك الذين لم ينتقدوا أردوغان من قبل (بما في ذلك العديد من المشاهير) سيأخذون جانب المعارضة، ما يعني أن هناك كتل تصويتية جديدة ستجلس في الجانب الآخر من الملعب لمؤازرة فريق المعارضة.
صدع داخل المعسكر
وفي هذه الأثناء، فإن صدعا كبيرا بدأ يأخذ طريقه في جدار الحزب الحاكم، عندما عارض الرئيس التركي السابق والمؤسس المشارك لحزب العدالة والتنمية، عبد الله غول، ورئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو قرار إعادة التصويت.
وقال غول إن قرار إعادة الانتخابات يظهر أن الحزب لم "يحقق أي تقدم" منذ الخلافات الدستورية السابقة. وكان كل من داوود أوغلو وغول قد اختلفا مع أردوغان خلال وجودهما في منصبيهما وسرت شائعات متكررة خلال السنوات بأنهما قاما على الأرجح بتأسيس حزبيهما.
وشبه غول الذي نأى بنفسه مؤخرا عن السياسة اليومية، الوضع بقرار للمحكمة العليا عام 2007 منعه من أن يكون رئيسا للبلاد من دون غالبية الثلثين في البرلمان.
وكتب على تويتر "الذي شعرت به في 2007 (...) هو ما شعرت به أمس عندما قامت محكمة عليا أخرى، هي المجلس الأعلى للانتخابات، باتخاذ قرارها. من المؤسف أننا لم نحقق تقدما".
وبدوره قال داوود أوغلو إن قرار إبطال نتائج انتخابات 31 مارس التي فازت فيها المعارضة "أساء إلى إحدى قيمنا الجوهرية".
وكتب على تويتر أن "الخسارة الكبرى للحركات السياسية ليست خسارة انتخابات فحسب بل خسارة تفوَق الأخلاق وضمير المجتمع".
ويأتي ذلك فيما تتناقل وسائل إعلام تركية اعتزام غول إلى جانب وزير المالية السابق علي باباجان الانفصال عن أردوغان وتشكيل حزب جديد.
خسارة مبكرة
ورغم مساعي أردوغان لالتقاط فرصة ثانية لاستعادة المدينة التي عبرت عن غضبها من سياسات الحزب الحاكم في صناديق الاقتراع، يبدو أن المعارضة عازمة على تلقين الرئيس التركي الدرس مرة أخرى، عبر حشد واسع من الأحزاب وحافز أقوى للتصويت من جانب المواطنين المستفزين من الممارسات غير الديمقراطية.
واعتبرت ميرال أكشينار زعيمة حزب الخير قرار إعادة الانتخابات "انقلابا مدنيا" ضد الديمقراطية، فيما أعلنت عدة أحزاب تركية معارضة دعمها لإمام أوغلوا في الجولة الثانية، ليشهد بذلك أردوغان تشكيل حلف أوسع مناوئ له قد يتعدى الصندوق الانتخابي ويستفيد من الشارع الغاضب لخلق حركة شعبية ضد سياساته.
وهذه هي المرة الأولى التي يطلب فيها حزب العدالة والتنمية إلغاء نتيجة اقتراع منذ وصوله إلى الحكم في 2002. وغالبا ما يؤكد إردوغان المعروف بأنه لا يهزم في الانتخابات، أن شرعيته من الشعب.
ونقلت صحيفة أحوال التركية عن بيرك إسين الأستاذ في جامعة بيلكنت في أنقرة قوله إن إلغاء نتائج انتخابات بلدية إسطنبول "قضت على ما تبقى من شرعية النظام الانتخابي التركي".
وأشار إلى أن مصداقية الانتخابات سبق وأن تزعزعت بعد إبعاد العشرات من رؤساء البلديات الأكراد في جنوب شرق البلاد بعد الانقلاب الفاشل عام 2016.
واعتبر المحلل في صحيفة هآرتس لويس فيشمان أن "إلغاء انتخابات إسطنبول هو في الواقع سيناريو أسوأ حالة لأردوغان وحزب العدالة والتنمية".
وقال "إن أردوغان وحزب العدالة والتنمية هم الذين استدعوا هذه المعركة المشؤومة الشاقة إلى أنفسهم".
الاقتصاد مرة أخرى
وبدلا من أن يصرف العفريت الاقتصادي الذي أسدل الستار في عام 2018 على "المعجزة الاقتصادية" لتتحول إلى لعنة لا تزال تطارد الحزب الحاكم جراء سياسات اقتصادية أودت بالعملة المحلية في غياهب المجهول، أدى قرار اللجنة إلى تدهور جديد في سعر الليرة.
وبلغ سعر الليرة 6.1467 أمام الدولار، وشهدت السندات والأسهم أيضا موجة بيع كبيرة مع تشكك مستثمرين في التزام تركيا بسيادة القانون والإصلاحات الاقتصادية خلال فترة ركود.
وتجاهل أردوغان مخاوف المستثمرين وقال لنواب حزب العدالة والتنمية يوم الثلاثاء إن قرار لجنة الانتخابات "خطوة مهمة لتعزيز ديمقراطيتنا".
ويعرف أردوغان وأعضاء حكومته بأن الاقتصاد كان المحرك الرئيسي في تغيير قناعة الناخبين في إسطنبول، بالإضافة إلى السياسات القمعية التي لا يمكن فصل تأثيرها عن الأسواق، لكن ذلك لم يكن كافيا لردع الرئيس عن التدخل في المسار الديمقراطي.
عزلة دولية
ويضاف إلى النقاط الخاسرة التي بدأت تتسرب من بين يدي الرئيس التركي، الموقف الدولي الرافض لإعادة الانتخابات.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية "نتوقع عندما تجرى عملية انتخابية حرة ونزيهة وشفافة، أن يتم احترامها من قبل جميع الأطراف، حتى يتم الاعتراف بإرادة الناخبين عبر النتائج”.
وقال يوهانس هان مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون الدول المرشحة لعضوية التكتل إنه يتعين على المجلس الأعلى للانتخابات في تركيا عرض حيثيات قراره أمام الرأي العام.
وأعلن هان في بيان مشترك مع فيديريكا موغريني، الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، إن القرار اُتخذ "في سياق مسيس للغاية".
واعتبر وزير الخارجية الألماني هايكو ماس الثلاثاء قرار إعادة إجراء انتخابات "غير شفاف وغير مفهوم"، منددا بـ"جريمة منظمة" ترتكب حاليا بحق الديمقراطية.
وتظهر هذه الردود الدولية بجانب رأي "الليرة" والأسهم الحمراء في البورصة، والغضب الشعبي أن الالتفاف على قواعد اللعبة الديمقراطية لن يعيد ما فقده في مارس.