السجون التركية.. وفيات مريبة تحت مسمى "الانتحار"
21:17 - 29 أبريل 2019يمتلئ سجلّ نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فيما يتعلق بملف السجون بالتجاوزات الخطيرة التي تجري فيها من تعذيب وتنكيل وعمليات قتل تطلق عليها السلطات التركية صفة الانتحار للهروب من المساءلة.
ولعل أحدث الأمثلة على ذلك، الفلسطيني الذي كان معتقلا لدى تركيا، زكي يوسف مبارك الذي ادعت السلطات التركية انتحاره شنقا دون أن تقدم مزيدا من التفاصيل عن كيفية تمكنه من شنق نفسه داخل الزنزانة، بعد أيام من اتهامه بالتجسس بدون أي دليل.
وشجبت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا وأوربا قيام الأمن التركي بتعذيب يوسف حتى الموت، عقب اتهامه بالتجسس دون أي أدلة قدمتها السلطات التركية التي غطت على جريمتها بالقول إنها وجدت الموقوف منتحرا.
وطالبت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا وأوروبا من المقرر الخاص بالتعذيب بإرسال لجنة لفحص جثة المعتقل وعدم السماح للسلطات التركية بإخفاء جريمتها ودفن الجثة بدون إجراء تشريح محايد من قبل الأمم المتحدة.
واستغلت حكومة "العدالة والتنمية" التي يترأسها أردوغان، الانقلاب الفاشل الذي وقع يوم 15 يوليو 2016 كذريعة للإطاحة بمعارضيه وزجهم في سجون ترتكب فيها ممارسات خطيرة تنتهي أحيانا كثيرة بالموت.
وتعترف الجهات الرسمية بتعاظم أعداد المعتقلين في السنوات الأخيرة، حيث تقول وزارة العدل التركية إنه يوجد في البلاد 385 سجنا ومركز توقيف، لكنها لم تعد تكفي بسبب اكتظاظها الشديد بالنزلاء، وإنها ستشيد 228 سجنا جديدا خلال السنوات الخمس المقبلة.
وهكذا باتت تركيا في ظل رئاسة أردوغان خلال العامين الأخيرين، ثالث أكبر دولة في أوروبا من حيث عدد السجناء مقارنة بالسكان، ونقل مركز "ستوكهولم للحريات" إحصائيات صادرة عن وزارة العدل التركية، قالت فيها إن 260,144 شخصا مسجونون في مختلف أنحاء البلاد.
وفيات مريبة
وحذر ناشطون ومنظمات مدنية من الأوضاع الصحية المتدهورة للسجناء في بعض السجون التركية المكتظة بالنزلاء، إذ لقي منذ صيف 2016 عدد كبير من السجناء مصرعهم في "ظروف غامضة"، بعد تعرضهم لسوء المعاملة أو من جراء عمليات تعذيب وحشية ارتكبت في حقهم.
وسلط "مركز ستوكهولم للحريات" في إحدى تقاريره الذي حمل عنوان "حالات وفاة مريبة وانتحار في تركيا"، الضوء على تنامي أعداد الوفيات الغامضة في السجون ومراكز الاحتجاز التركية، بسبب التعذيب.
ونشر المركز أن 120 حالة وفاة وانتحار مشبوهة على الأقل سجلت بين المعتقلين في تركيا خلال العامين الأخيرين.
وصنفت الجهات المعنية تلك الحالات على أنها "انتحار"، دون أن تتكلف عناء إجراء تحقيقات مستقلة في تلك الحالات.
ولم تقتصر حالات الوفاة المشبوهة بالموت داخل السجون، وإنما ضمت أيضا حالات سجلت خارج أسوارها بسبب الضغوط النفسية والتهديدات التي مورست بحق المعارضين قبل اعتقالهم أو عقب الإفراج عنهم.
وفي واحدة من أحدث حالات الوفاة التي سجلت داخل السجون التركية، فارق المدرس المفصول عن عمله مظفر أوزينجز الحياة بأحد معتقلات مقاطعة "تشوريم"، بعد إصابته بأزمة قلبية، علما أنه أمضى آخر 14 شهرا من فترة سجنه في حبس انفرادي.
ونقل موقع "مركز ستوكهولم للحريات" عن أقارب أوزينجز، أنه كان يعاني ارتفاعا في ضغط الدم والسكري.
وتعليقا على وفاة أوزينجز، غرد الناشط في مجال حقوق الإنسان نائب حزب الشعوب الديمقراطي أوغلو، على حسابه في "تويتر"، أن تحليل أوزينجز الطبي بتاريخ 10 أبريل، كان "مقلقا"، لدرجة أنه كان يجب أن يبقى المستشفى، إلا أنه أعيد إلى الحبس الانفرادي بدلا من ذلك.
وإلى جانب أوزينجز، سجلت حالات وفاة كثيرة "مشبوهة" مثل الأكاديمي التركي المتقاعد صبري كولاك الذي حكم عليه بالسجن 7 سنوات ونصف بسبب صلات مزعومة بحركة رجل الدين المقيم في الولايات المتحدة فتح الله غولن الذي تتهمه أنقرة بتدبير محاولة الانقلاب، حيث توفي بسجن مشدد الحراسة في إقليم فان، بسبب أزمة قلبية.
وحذرت النائبة عن حزب الشعوب الديمقراطي، عائشة باشاران، من أنه إذا استمرت الحكومة التركية في ممارساتها الحالية، فإن 1154 سجينا مريضا، بما في ذلك أكثر من 402 سجينا في حالة خطرة، قد يتعرضون للموت.
أطفال في السجون
ولا تقتصر الممارسات الجائرة واللاإنسانية التي ترتكبها السلطات التركية بحق النزلاء على الكبار فقط، حيث أعلنت جمعية حقوق الإنسان التركية في تقريرها لعام 2018، أن السجون التركية تضم 743 طفلا بجانب أمهاتهم، فيما اعتبر تقرير المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، أن وجود معتقلات قبل الوضع بفترة قصيرة أو بعده مثير للقلق.
وفي نوفمبر الماضي، تسلمت زليخة محمد عقيل المعتقلة في السجون التركية، طفلتها دجلة البالغة من العمر عامين لتكمل حياتها داخل السجن، بعد أن فارقتها عدة أشهر حيث لم ينجح جدها في توفير مكان لها بجانب سجن أمها.
وبحسب صحيفة "زمان"، اعتقلت زليخة محمد عقيل وزوجها محمد عقيل كاراداش، في نوفمبر2017، بتهمة عمل دعاية ودعم لتنظيم حزب العمال الكردستاني والانتماء له، ودخلت الأم مع طفلتها إلى السجن بينما لم تتجاوز عامها الأول.
واستمرت الطفلة دجلة بجوار أمها داخل السجن في مدينة أورفا لمدة عشرة أشهر، إلا أن السلطات قررت فصلها عن أمها وتسليمها إلى جدها قبل ثلاثة أشهر بسبب "الاكتظاظ داخل السجن".
ومع دخول دجلة عامها الثاني، عادت إلى حضن أمها مرة أخرى داخل السجن.