أوبر وكريم تقتحمان "ميكروباص مصر".. وتهددان "عفاريت الأسفلت"
00:06 - 05 ديسمبر 2018يعرف المتجه من ميدان الجيزة إلى نهاية شارع فيصل، جيدا ماذا يعني أن يجد مكانا خاليا في ساعة الذروة بحافلة أجرة صغيرة، يتزاحم عليها العشرات لركوبها.
فالبنسبة لهؤلاء، تبدو الحافلة البيضاء من طراز "فولكس فاغن" التي يزيد عمرها على 40 عاما ولا تتسع سوى لثمانية أشخاص، هي الوسيلة الرخيصة الوحيدة في التنقل لمسافات ليست قليلة، في محافظة الجيزة المصرية المكتظة بالسكان.
لكن ليس الزحام وحده في بلد يزيد سكانه عن 100 مليون نسمة ما يجعل الأمر شاقا بالنسبة للكثيرين من منتظري الحافلة، فبعد ركوبها، تبدأ مغامرة أخرى تعتمد على مدى التزام أو عدم التزام السائق بقواعد السلامة والمرور، فضلا عن السلوك الأخلاقي.
وتسهم حافلات النقل الجماعي في جميع أنحاء مصر في إيصال ملايين المصريين إلى وجهاتهم كل يوم، لكن التأخيرات بسبب فوضى تحميل الركاب والتعديات على الطريق العام بالوقوف في منتصفه أحيانا، أصبحت مظاهر يومية طبيعية في المدن الأكثر ازدحاما مثل القاهرة والجيزة والقليوبية (القاهرة الكبرى)، لتفتح بابا أمام شركات النقل "الذكي" لاقتناص الفرصة وإتاحة خدماتها للراغبين في تنقل هادئ وغير مكلف في ذات الوقت.
فقد أعلنت شركتا "أوبر" و"كريم" دخول سوق النقل الجماعي، عبر توفير حافلات صغيرة بمواصفات أكثر ملاءمة لخدمة شريحة من الركاب لا يستطيعون تحمل نفقات سيارة الأجرة (التاكسي)، وفي ذات الوقت يجدون مشكلة في الصراع اليومي من أجل اقتناص مقعد في حافلات النقل الجماعي.
وتأمل الشركتان العملاقتان في جذب ملايين المصريين في الرحلات التشاركية، من مناطق حضرية مزدحمة بشكل مزمن ومليئة بالتلوث، وإحلالها محل السيارات الشخصية.
وقال الرئيس التنفيذي لـ"أوبر" دارا خسروشاهي، في مؤتمر صحفي، الثلاثاء، إن الشركة ترغب في زيادة عدد مستخدميها على مستوى العالم من 100 مليون إلى مليار مستخدم، وإن خدمة "أوبر باص" الجديدة كانت جزءا من هذه الخطة.
وأضاف: "هذا منتج صنعناه للقاهرة. سيكون الآن أيسر الطرق لاستخدام تكنولوجيا أوبر للتحرك في أنحاء المدينة ".
ولم تكشف الشركة عن تسعيرة الخدمة الجديدة، لكن "كريم" المنافس الرئيسي لـ"أوبر" أزاحت الستار عن تفاصيل أكثر.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن هدير شلبى مدير خدمة النقل الجماعى بشركة "كريم مصر"، قولها إن أجرة الحافلة الذكية "كريم باص" تصل إلى 25 جنيها (1.4 دولار)، وهي موحدة على جميع الرحلات فى الفترة التجريبية للخدمة التى بدأت بالفعل يوم الثلاثاء.
وتتراوح أجرة الحافلة الجماعية التي يملكها أشخاص أو شركات نقل صغيرة في مصر ما بين 5 جنيهات إلى 10 جنيهات على حسب المسافة، لكن قد يلزم استقلال أكثر من حافلة في الوجهات الطويلة.
عبر تطبيق هاتفي
يمكن للمستخدمين حجز مقاعد على الحافلة عبر تطبيق إلكتروني باسم "كريم باص" أو "أوبر باص"، حيث بدأت "كريم" باستخدام 25 حافلة عبر 4 خطوط تربط القاهرة بالجيزة، كما تتجه للتوسع إلى 5 محافظات خلال الـ6 أشهر المقبلة.
وبحسب شلبي، يضمن العميل مقعده عبر التطبيق بدلا من الوقوف في الشارع انتظارا للحافلة.
وتتوفر الخدمة الجديدة على تقنية مراقبة خط السير والحصول على تقييم العميل، كما هو متبع في سيارات الأجرة التابعة لـ"كريم".
وكانت "أوبر" و"كريم" قد حققتا نجاحا ملحوظا في مجال التاكسي، حيث حول الكثيرون سياراتهم الخاصة إلى أجرة عبر الاشتراك في تطبيق إلكتروني، وهو ما قدم خدمة مميزة وفرت كثيرا من الجدل اليومي بين الركاب وسائقي التاكسي التقليدي بشأن الأجرة، إضافة إلى معايير السلامة والأمان.
وتقول رحاب عبد المحسن (36 عاما) لـ"سكاي نيوز عربية"، إنها كانت تبحث عن خدمة مماثلة يمكن أن تقلها من مدينة السادس من أكتوبر في الجيزة إلى عملها الكائن في منطقة مدينة نصر شرق القاهرة، مشيرة إلى أن "خدمة مثل هذه يمكن أن توفر أموالا كنت أدفعها في أكثر من وسيلة خلال اليوم من أجل الوصول إلى عملي".
وليس لدى محمود أبوبكر (33 عاما) الذي يسكن قرب ميدان الجيزة مانع من أن يترك سيارته الخاصة ويستقل الحافلات الجديدة، إذا وفرت عليه تكاليف الوقود ومشكلة البحث عن مكان لصف السيارة بحوار محل عمله في حي العجوزة، التابع لمحافظة الجيزة.
عفاريت الأسفلت
لكن لن يفرش أسفلت الطريق بالورود للشركتين اللتين واجهتا سيلا من الانتقادات، بسبب سحب زبائن التاكسي التقليدي، مما أثر بشكل كبير على عشرات الآلاف من السائقين العاملين في هذا المجال.
فأمام احتكاكات عنيفة حدثت في بعض الأحيان بين سائقي التاكسي التقليدي وسائقي "أوبر" و"كريم"، يبدو الوضع بالنسبة للحافلات أكثر إثارة للقلق بالنسبة لكثير من الركاب.
وقالت إسراء علي (32 عاما) التي دأبت على استخدام الميكروباص في تنقلاتها إلى عملها يوميا من الجيزة إلى وسط القاهرة: "ستكون هناك حربا علنية في الشارع. لك أن تتصور أن السائقين حاليا يتقاتلون على الظفر براكب في الشارع، فما بالك بخدمة تأخذ الركاب من البيوت".
وبالنسبة لرضوى عفيفي، وهي ربة منزل (39 عاما) تقطن في مدينة السادس من أكتوبر، فإن سائقي "أوبر" أو "كريم" ذوي التعليم الجامعي الذين واجهوا مشاكل في التعامل مع بعض سائقي التاكسي التقليدي الغاضبين، "لن يستطيعوا مواجهة سائقي الميكروباص الذين يضمون بين صفوفهم بعض من مثيري المشاكل وربما أصحاب السوابق الجنائية".
وينتشر في أوساط سائقي حافلات الأجرة لقب" عفاريت الأسفلت"، في إشارة إلى التهور في القيادة وعدم الالتزام بمعايير الأمان وقواعد المرور.
ويتعين على شريف سعد الوقوف بحافلته ذات الـ14 راكبا في ميدان السيدة عائشة بالقاهرة لتحميل الركاب قبل الانطلاق بهم في رحلة إلى ميدان الجيزة.
ويقر سعد ان بعض الممارسات لسائقي الميكروباص ساهمت في نفور الناس، خاصة هؤلاء الذين يتعاطون المخدارت على الطريق.
وقال لسكاي نيوز عربية:" الناس تريد خدمة آمنة ونظيفة.. سلوك السائق أهم شيء في هذه المهنة".
لكن من ناحية أخرى، يعتبر سعد أن خدمة الحافلات الذكية لن تأخذ كثيرا من زبائن الميكروباص العادي، قائلا: "ركاب التاكسي الذين يشتكون من ارتفاع الأسعار هم الذين سيتجهون إلى الحافلات الذكية"، لكنه سكت قليلا، ثم استدرك: "لا أعرف حقيقة ما الذي يمكن أن يحدث خاصة إذا كانت الأسعار في نهاية المطاف قريبة بين الميكروباص العادي والحافلة الذكية".
وأشار إلى أن الأمر وقتها لن يؤثر فقط على السائق وإنما على من يعرف بالـ"التباع"، وهو الشخص الذي يجمع الأجرة من الزبائن وينادي على الركاب في الطريق. وقال: "أتمنى ألا يفقد الناس أرزاقهم".
واعتبرت رضوى أن كلفة الحافلة الذكية ستكون عائقا أمام كثيرين لاستخدامها، مما يجعل العملاء محصورين في فئات لا تستخدم عادة الميكروباص، لكنها لم تعد تتحمل ماديا تكلفة التاكسي بمختلف أنواعه.
وقالت: "حتى أسعار تاكسي أوبر ازدادت للضعف وأصبحت خاضعة للزيادة خلال اليوم، بناء على وقت الطلب وذروة الزحام بالإضافة إلى ارتفاع سعر البنزين".
لكن من ناحية أخرى، يرى البعض، خاصة السيدات، أن الوسيلة الجديدة توفر جانبا كبيرا من الأمان. وتقول سارة كمال إن الخدمة الجديدة " ستضع معايير جديدة للحافلات العامة، وستوفر خدمة للفتيات اللاتي يخشين التعرض للمضايقات".
وليست "أوبر" و"كريم" أول من اقتحم مجال الحافلات الذكية، فقد سبقتهم شركة "سويفل" التي انطلقت بداية 2017، لكن على نطاق صغير، حيث تخدم نحو 5 مناطق في القاهرة.
ويعني إعلان عملاقي النقل الدخول بقوة في هذا المجال، إنجاز كافة الإجراءات التنظيمية مع الحكومة المصرية، التي ترغب من جانبها في تحسين خدمات النقل في المدن والقضاء على العشوائيات المرورية.