"وعظ" أردوغان الاقتصادي ينفر المستثمرين
13:19 - 17 مايو 2018واصلت العملة التركية (الليرة) منحى الهبوط، بعدما فقدت نحو 15 بالمئة من قيمتها في الأشهر الثلاثة الأخيرة، خاصة بعد تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال غداء عمل مع مستثمرين بريطانيين في مقر وكالة "بلومبيرغ" أثناء زيارته الأخيرة للندن.
وقال واحد ممن حضروا اللقاء لصحيفة "فاينانشيال تايمز": "ليس هناك أمل. يبدو أن الرجل لا يسمع لأحد إطلاقا".
وكان حديث أردوغان في لقاء "بلومبيرغ" أثار انزعاج المستثمرين، الذين خرجوا بقناعة أنه لم يعد ممكنا الاستثمار في تركيا، رغم عرض تركيا لبرامج استثمار جديدة تعمل عليها بتوفير ميزات للمستثمر الأجنبي.
إلا أن طريقة الوعظ والإرشاد التي اتبعها الرئيس التركي حول تصوراته للاقتصاد والأعمال، قضت على أي تفاؤل ممكن لدى هؤلاء لدخول السوق التركية.
وكما قال أحد هؤلاء المستثمرين من القطاع المصرفي، فإن الاستثمار الأجنبي كان متغاضيا عن العجز الكبير في الميزانية التركية، وانكشاف الاقتصاد التركي على مخاطر الاقتصادات الصاعدة الأخرى، لولا ما سمعوه من أردوغان.
خبير اقتصادي
وكانت صدمة المستثمرين ورجال الأعمال والاقتصاديين بدأت بعد ما قاله الرئيس التركي في كلمة له في "تشاتام هاوس" قبل غداء "بلومبيرغ"، إذ أكد أنه لن يقبل بتشديد السياسة النقدية (أي رفع البنك المركزي التركي لأسعار الفائدة)، وأنه سيتدخل بنفسه.
وخاطب أردوغان الحاضرين في مركز الأبحاث البريطاني المرموق: "من فضلكم تعلموا.."، مغالطا كل ما هو معروف من قواعد الاقتصاد بتأكيد أن أسعار الفائدة المنخفضة تؤدي إلى انخفاض معدلات التضخم.
والعكس هو الصحيح تماما، لذلك تلجأ البنوك المركزية للحد من ارتفاع نسبة التضخم برفع أسعار الفائدة (المسمى شيوعا: تشديد السياسة النقدية).
وقال أحد الحضور بعد اللقاء: "حين تسمع مثل هذا الكلام، تصاب بالدهشة والعجب".
ووصفت "فاينانشيال تايمز" خطاب أردوغان للمستثمرين بأنه مثل "صب الزيت على النار"، بسبب ما تعانيه الاقتصادات الصاعدة في العالم عموما نتيجة زيادة سعر صرف الدولار وارتفاع أسعار النفط.
هشاشة الاقتصاد
وكانت مؤسسات التصنيف الائتماني الرئيسية، التي عبرت في تقاريرها الأخيرة عن مخاوفها من مستقبل الوضع الاقتصادي لتركيا، وبالتالي خفضت تصنيفها لديون البلاد، اعتبرت تركيا الثانية من بين الاقتصادات الصاعدة التي تعاني الهشاشة.
وحسب مؤسسة "موديز"، يأتي الاقتصاد التركي في الترتيب الثاني من حيث المخاطر بعد الأرجنتين من بين الاقتصادات الصاعدة في العالم.
ورغم أن النظام المصرفي التركي لا يزال جيدا من وجهة نظر المستثمرين العالميين في القطاع، إلا أن كثيرا من هؤلاء بدأ ينفر تماما من الاستثمار في تركيا بسبب المخاوف من احتمالات استمرار معدلات هبوط سعر صرف العملة وارتفاع معدلات التضخم (التي تتجاوز 10 في المئة الآن).
ويتحسب كثيرون من أن فوز أردوغان بفترة رئاسة أخرى سيؤدي إلى فرض تصوراته الاقتصادية، خاصة على البنك المركزي الذي يضم عناصر تتصف بالكفاءة، لكن ليس بإمكانهم في النهاية مواجهة الضغط السياسي.
وإذا كان الجمهور العادي ينظر إلى سعر صرف العملة ومعدلات التضخم التي تمس تفاصيل حياته اليومية، فإن المستثمرين يأخدون عاملا آخر في الاعتبار هو الأهم بالنسبة لهم ويعكس ثقتهم في الاقتصاد.
ذلك هو وضع سندات الدين السيادي (سندات الخزينة التركية) لمدة 10 سنوات، التي ارتفع العائد عليها مؤخرا إلى أكثر من 7 بالمئة، وهي نسبة خطرة جدا إذا أخذنا في الاعتبار أن عالم المال والأعمال يهتز اضطرابا كلما اقترب العائد على سندات الخزينة الأميركية من 3 بالمئة.
ويتناسب ارتفاع العائد مع انخفاض قيمة السند، وبالتالي يخشى الدائنون على ديونهم أن تتحول إلى مجرد أوراق لا قيمة لها.