من هي الضحية الأولى لحرب ترامب التجارية؟
10:13 - 11 أبريل 2025إذا كانت هناك ساحة معركة فعلية لحرب ترامب التجارية، فإن ولاية ميشيغان هي الأجدر بالحصول على هذا اللقب، حيث يشعر كل من الشركات والعمال هناك بحرارة المعركة التي تهدد بتمزيق النسيج الاقتصادي للولاية. فهي تبدو الضحية الأولى لهذه الحرب التجارية.
يرتبط نحو 20 بالمئة من اقتصاد ميشيغان بصناعة السيارات، التي تعتمد بشكل متزايد على قطع الغيار والمركبات المستوردة من كندا والمكسيك والصين، وهي الواردات التي فرض الرئيس ترامب عليها رسوماً جمركية باهظة في الأسابيع الأخيرة.
فرض ترامب تعريفات جمركية شاملة بنسبة 25 بالمئة على جميع المركبات المستوردة من المكسيك وكندا، وقد دخل هذا القرار حيز التنفيذ منذ أكثر من أسبوع.
وفي خطوة تصعيدية إضافية، تعهد ترامب بفرض رسوم مماثلة الشهر المقبل على قطع غيار السيارات القادمة من هذين البلدين. أما المنتجات الصينية المرتبطة بصناعة السيارات، فقد وُضعت تحت وطأة رسوم جمركية أميركية شديدة، وصلت "حتى هذه اللحظة" إلى 125 بالمئة.
إلى جانب ذلك، لا تزال البضائع القادمة إلى أميركا من بقية دول العالم تواجه تعريفات جمركية عامة لا تقل عن 10 بالمئة.
ومن النادر جداً رؤية طراز سيارة صُنع في أميركا لا يحتوي على أجزاء مستوردة من كندا والمكسيك والصين، مما جعل منتجي السيارات في ديترويت – ميشيغان في موقف صعب، حيث بدأوا بتخزين القطع المستوردة استعداداً للتعريفات الجمركية، كما كثفوا جهودهم لتطوير استراتيجيات تهدف لتقليل تأثير هذه الرسوم على أرباحهم.
توقعات قاتمة
بعد ساعات فقط من دخول الرسوم الجمركية الأخيرة حيز التنفيذ، أعلنت شركة ستيلانتس، المالكة لعلامة "جيب"، عن تسريح نحو 900 عامل بشكل مؤقت في ولايتي ميشيغان وإنديانا.
وفي الوقت ذاته، يعيش باقي العاملين في كبرى مصانع السيارات في ميشيغان حالة من الترقب والقلق، في ظل مخاوف متصاعدة من أن تؤدي الرسوم الجديدة إلى ارتفاع أسعار السيارات وتراجع الطلب، مما قد يُمهّد لموجة تسريحات أوسع.
تُقدّر مجموعة أندرسون الاقتصادية، وهي شركة استشارية في ميشيغان، أن الرسوم الجمركية ستضيف ما بين 2500 و12000 دولار أميركي إلى أسعار العديد من السيارات الجديدة، وما يصل إلى 20000 دولار أميركي للسيارات الفاخرة المستوردة. هذا الأمر سيدفع السيارات الجديدة بعيداً عن متناول المستهلكين الذين يعانون أصلاً من متوسط أسعار يبلغ حوالي 48000 دولار أميركي.
تحذير من كارثة صناعية
وبحسب تقرير أعدته "وول ستريت جورنال" واطلع عليه موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، توقع أحد المسؤولين التنفيذيين في قطاع السيارات بكارثة تشبه "تشيرنوبيل" إذا أثرت الرسوم الجمركية بشكل كبير على قطع الغيار المستوردة.
علماً أن الرسوم الجمركية بنسبة 25 بالمئة التي فرضها الرئيس ترامب على الصلب والألمنيوم المستورد تلعب أيضاً دوراً سلبياً من الناحية المالية، حيث باتت مصانع السيارات في ميشيغان مضطرة لدفع المزيد من الأموال لشراء هذه المواد التي تحتاجها في المصانع.
وتقول ماري بوخزيغر، الرئيسة التنفيذية لشركة "لوسيرن إنترناشونال"، وهي مورد سيارات محلي آخر في ميشيغان، إنها تحدثت مع عملائها حول حاجتها لرفع الأسعار بسبب الرسوم الجمركية الصينية الجديدة. مشيرة إلى أن حوالي 80 بالمئة من مفصلات السيارات وأقواسها ومكونات أخرى تبيعها شركتها مصنوعة في الصين، ولذلك هي غير قادرة على تحمل كلفة الرسوم الجمركية الجديدة.
وجهة نظر متفائلة
من جهة أخرى، ترى بعض الأصوات البارزة، بما في ذلك نقابة عمال السيارات المتحدة ومقرها ديترويت، أن الاضطراب الحاصل سيكون ذا قيمة على المدى الطويل إذا حققت الرسوم الجمركية ما وعد به ترامب، وهو توسيع نطاق التصنيع الأميركي ووقف نقل الوظائف إلى الخارج الذي أهلك العديد من المجتمعات في ميشيغان وخارجها.
شهدت ولاية ميشيغان فترة عصيبة في أواخر التسعينيات وأوائل الألفية الثانية، حيث استغل العديد من مصنعي السيارات اتفاقيات التجارة الحرة، مثل اتفاقية "نافتا"، لنقل إنتاجهم إلى دول أرخص من حيث الكلفة.
وقام بعضهم بنقل مصانعهم إلى المكسيك وأيضاً إلى الصين. ووفقاً لغابرييل إيرليتش، وهو خبير اقتصادي بجامعة ميشيغان، فقد بلغ عدد الوظائف في قطاع تصنيع السيارات في ميشيغان حوالي 185 ألف وظيفة العام الماضي، انخفاضاً من 336 ألف وظيفة في عام 2000.
وأعربت نقابة عمال السيارات المتحدة (UAW) عن تفاؤلها الحذر بأن الرسوم الجمركية الجديدة ستعكس هذا الاتجاه، حيث يقول رئيس النقابة شون فاين، إن بعض الاقتصاديين يحاولون تخويف أي شخص بالقول إن تكاليف الرسوم الجمركية ستنتقل إلى الأميركيين العاملين.
بينما الحقيقة هي أن اتفاقية "نافتا" للتجارة الحرة هي التي انتقلت كلفتها إلى الأميركيين العاملين، وذلك في شكل إغلاق المصانع، ووفيات اليأس، والدمار الاقتصادي. مشيراً إلى أن التجارة الحرة ليست حرة، بل بمثابة كارثة.
ميشيغان تدفع ثمن التعريفات
ويقول محلل شؤون تطوير الأعمال زياد عيتاني، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إنه من المعروف أن سوق الولايات المتحدة الأميركية هي من أكبر أسواق استهلاك وتصنيع السيارات، ولكن التعريفات الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب مؤخراً أثرت سلباً على دور أميركا في هذه الصناعة وتحديداً على ولاية ميشيغان.
إذ أن الكثير من شركات تصنيع قطع الغيار موجودة في هذه الولاية وهي شركات أساسية في إنتاج أغلب السيارات والشاحنات والقطع البحرية في العالم، مثل شركتي "Borgwarner" و "Dayco". لافتاً إلى أن شركات كبرى مثل "Stellantis"، بهدف خفض الإنفاق العام والتكاليف، سرّحت نحو 900 موظف، وهو الأمر الذي سيزيد من نسبة البطالة في الولاية ويرفع الطلب على المعونات.
لا حلول سريعة
وبحسب عيتاني، فإن الحلول لملف صناعة السيارات في أميركا صعبة، ولن تكون في الأفق القريب. خصوصاً مع رد رئيس الوزراء الكندي بفرض تعريفات قيمتها 25 بالمئة على السيارات المستوردة من الولايات المتحدة. مشدداً على أنه لتجنب المزيد من المخاطر، يجب على شركات تصنيع السيارات في أميركا أن تقوم بإعادة تقييم شاملة لعملياتها، وأن تتخذ خطوات مثل إعادة تصنيع قطع الغيار في البلاد، رغم ارتفاع تكلفة هذه العملية مقارنة بالدول المجاورة.
إضافة إلى السعي للحصول على إعفاءات ضريبية من سلطات الولاية، مثل الإعفاء من ضريبة الأرض السنوية للمصانع، ما سيساعدها في الحفاظ على استمرارية عملها.
لمنح إعفاءات وامتيازات
ويؤكد عيتاني أن الحلول التي قد تأتي على شكل تعليق الرئيس ترامب للتعريفات الجمركية لفترة محدودة أو تأجيل مواعيد تطبيقها لن تكون كافية. بل يجب العمل على إعادة النظر في القرارات التي فرضها ترامب، أو فرضها ضمن قيود ولفترات محدودة. كما يمكن تحديد القطاعات التي ستنال إعفاءات، وتحديد البضائع التي لا يوجد مصدر محلي لها ولا غنى عن استيرادها. مشيراً إلى أنه يجب منح بعض الشركات امتيازات مؤقتة على الأرباح لمساعدتها في الإنفاق على مجالات البحث والتطوير، كي تستمر في المنافسة مع التوسع الصيني في هذا المجال.