"العودة لسويفت".. هل تكسب روسيا جولة جديدة ضد "أوروبا"؟
08:32 - 28 مارس 2025بعد جولة جديدة من المحادثات في المملكة العربية السعودية، أعلنت الولايات المتحدة أن روسيا وأوكرانيا تعهدتا بتنفيذ وقف جزئي لإطلاق النار في "منشآت الطاقة"، فيما يُعد تقدماً نسبياً تم إحرازه في المفاوضات الجارية، رغم أنه لم يرق لمستوى تطلعات وتعهدات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لإنهاء الحرب بشكل كامل.
اتفقت الأطراف أيضاً على "ضمان الملاحة الآمنة، والقضاء على استخدام القوة، ومنع استخدام السفن التجارية لأغراض عسكرية في البحر الأسود".
لكنّ موسكو من جانبها قدّمت مجموعة من الاشتراطات والمطالب التي تدعو لاستيفائها قبل تفعيل ما أطلق عليه "مبادرة البحر الأسود"، وكانت واحدة من تلك الاشتراطات ما يتعلق برفع القيود والعقوبات المقيدة للصادرات الروسية من الأسمدة والغذاء، بما يشمل أيضاً الآلات الزراعية والتأمين على الشحنات.
كما تُطالب موسكو كذلك بإعادة ربط البنك الزراعي الروسي "روسلخوزبانك"، و"المنظمات المالية الأخرى" المشاركة في التجارة الزراعية بنظام سويفت.
وكانت إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، قد ساعدت في قيادة الجهود لإزالة بعض أكبر البنوك الروسية من نظام سويفت، وهو نظام دولي يسمح للمؤسسات المالية من جميع أنحاء العالم بتبادل معلومات المعاملات، بعد وقت قصير من غزو البلاد لأوكرانيا في أوائل عام 2022.
عودة جزئية
يقول الأستاذ في كلية موسكو العليا، الدكتور رامي القليوبي لموقع"اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- روسيا ليست مستبعدة بشكل كامل من سويفت، لكن العودة الكاملة تتطلب توافقاً أميركياً أوروبياً، وهو أمر غير متاح حالياً.
- "لا أتوقع عودة روسيا بشكل كامل إلى نظام سويفت في المستقبل القريب".
- لكن العودة الجزئية عبر بعض البنوك المحددة مثل البنك الزراعي الروسي، قد تكون مطروحة في إطار صفقة الحبوب المرتقبة بين موسكو وواشنطن.
ويوضح أن الاتحاد الأوروبي لن يخفف من حدة عقوباته، بل على العكس، فهو الطرف الأكثر تشدداً في موقفه تجاه موسكو، في حين بدأت الولايات المتحدة تخفف من لهجتها وتُظهر إشارات على تطبيع تدريجي في علاقاتها مع روسيا.
الموقف الأوروبي
ولم يستبعد وزير الخزانة الأميركي، سكوت بيسنت، السماح للبنوك الروسية بالانضمام مجدداً إلى نظام "سويفت" في الوقت الذي تستمر فيه المفاوضات لإنهاء الحرب في أوكرانيا. لكن تقريراً لـ "بوليتكو" يشير إلى أن "البيت الأبيض سيحتاج إلى دعم من أوروبا لإعادة انضمام روسيا".
قال بيسنت في تصريحات لـ "فوكس نيوز":
- سيكون هناك نقاش مطول حول العديد من الأمور المتعلقة بالطريقة الصحيحة لإعادة روسيا إلى النظام الدولي.. لكنني أعتقد بأن من السابق لأوانه مناقشة شروط الاتفاق قبل التوصل إليه".
- أعتقد بأن كل شيء وارد.. وكما ذكرت، فإن جزءاً من جهود وزارة الخزانة في مجال الأمن القومي يتم من خلال العمليات المالية، ومن خلال عقوباتنا، ومن خلال فرض عقوبات على الأفراد والبنوك والدول.
ولكن الاتحاد الأوروبي، الذي ظل حتى هذه اللحظة مستبعدا إلى حد كبير من محادثات السلام والذي يضم بنوك مركزية من بين المؤسسات التي تشرف على نظام سويفت، سوف يحتاج فعليا إلى الموافقة على السماح للبنوك الروسية بالعودة.
ووفق ما نقلته صحيفة بوليتيكو، عن المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية للشؤون الخارجية، أنيتا هيبر، فإن "إنهاء (الحرب على أوكرانيا) والانسحاب غير المشروط لجميع القوات العسكرية الروسية من كامل أراضي أوكرانيا، سيكون أحد الشروط الأساسية لتعديل العقوبات أو رفعها".
ومن جانبه، أمضى وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو الأسابيع الأخيرة في إخبار الأوروبيين، الذين يشعرون بالانزعاج بسبب استبعادهم من المفاوضات الجارية لإنهاء الحرب في أوكرانيا، بأنهم سوف تتم دعوتهم إلى طاولة المفاوضات عندما يحين الوقت لمناقشة مستقبل العقوبات.
تحول في الخطاب الغربي
من جانبه، يرى الكاتب والمحلل الروسي، ديمتري بريجع أن:
- الحديث عن إمكانية عودة روسيا إلى نظام "سويفت" وتخفيف العقوبات الأوروبية يعكس تحولاً في الخطاب الغربي، ويؤكد تآكل مرحلة الإنكار السياسي والاقتصادي أمام الواقع الذي تفرضه روسيا بثبات وفعالية.
- روسيا لم تخرج من المعادلة الدولية كي تعود إليها، بل كانت وما زالت رقماً صعباً في مجالات متعددة، من الطاقة إلى الغذاء، ومن الأمن إلى التوازنات الدولية.
ويشير لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى أن الحديث عن إعادة ربط "روسيلخوزبانك" بمنظومة "سويفت" ليس مجرد قضية بنكية عابرة، بل هو اعتراف ضمني من خصوم روسيا بأن مفاتيح الاستقرار الغذائي والمالي العالمي لا يمكن إدارتها دون المرور بموسكو.
ويشار إلى أن "روسيلخوزبانك" هو بنك مملوك للدولة في روسيا، يقدم مجموعة واسعة من الخدمات والمنتجات المالية لشركات الأغذية الزراعية، والتي تشكل مصدرا أساسيا للإيرادات لموسكو من خلال المبيعات العالمية للسلع الأساسية مثل القمح والشعير والذرة.
وفي حين لم يفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على الصادرات الزراعية الروسية، واختار بدلاً من ذلك فرض تعريفات جمركية باهظة ، فإن العقوبات المفروضة على البنك المذكور وضعت عقبات في المدفوعات بين المصدرين والمستوردين وأثارت غضب الكرملين، مما أدى إلى انهيار مبادرة البحر الأسود التي روجت لها تركيا والأمم المتحدة في الأصل، بحسب تقرير لـ "يورونيوز".
ويضيف بريجع: العقوبات التي فُرضت كانت بمثابة إعلان صريح للحرب الاقتصادية، لكنها بدلاً من أن تؤدي إلى عزل روسيا، سرعت من بناء استقلالها الاستراتيجي في مجالات متعددة، بما في ذلك المالية، التكنولوجية، الإنتاجية، وحتى السياسية، مشيراً إلى أن روسيا تجاوزت الصدمة واستثمرتها في تعزيز منظوماتها الخاصة، وفتحت قنوات جديدة مع الشرق والجنوب، وشكلت شبكات بديلة وقوية للتجارة والتحويلات والتمويل.
ويشير إلى أنه في حال عودة روسيا إلى "سويفت"، فلن تكون عودة الخاضع، بل عودة المنتصر، حيث لن تدخل عبر الأبواب الخلفية، بل ستُفتح لها الأبواب أمام أنظار الجميع، مؤكداً أن كل تنازل غربي في هذا المسار هو تأكيد لحقيقة واضحة: روسيا دولة لا تُعزل، ولا تُبتز، ولا يمكن تهميشها.
ويختتم بريجع حديثه بالقول إن المرحلة المقبلة ليست مرحلة رفع عقوبات أو إعادة ربط أنظمة مالية، بل مرحلة فرض التوازنات الجديدة، حيث لا تفاوض روسيا على وجودها، بل تُرسي معالم النظام القادم بنَفَس طويل ورؤية عميقة، والعالم كله بدأ يدرك ذلك.
نظام سويفت
يشار إلى أن نظام سويفت تأسس في العام 1973، ويربط أكثر من 11 ألف مؤسسة في أكثر من 200 دولة. ويُرسل ما يقرب من 50 مليون رسالة مالية يومياً، بحسب تقرير لـ "يورونيوز" أشار إلى أنه:
- حتى 24 فبراير 2022 (تاريخ بدء الحرب في أوكرانيا) ظلّ اسم سويفت غامضاً إلى حد كبير للكثيرين، باستثناء العاملين في القطاع المالي. ولكن بعد دخول الدبابات الروسية إلى أوكرانيا، برز الاسم بين عشية وضحاها على الساحة الدولية. وسرعان ما بدأت حكومة كييف تدعو إلى طرد البنوك الروسية من نظام سويفت، أو إلغاءه، للحد من قدرة موسكو على تمويل آليتها الحربية.
- ردّ الاتحاد الأوروبي في 2 مارس 2022، بقراره طرد سبعة بنوك روسية من نظام سويفت. وقد تصدرت هذه الخطوة عناوين الصحف العالمية، وحظيت باحتفاء واسع باعتبارها كسراً للمحظورات.
- وبعد أشهر، وتحديداً في شهر يونيو من العام نفسه، وافق الاتحاد الأوروبي على إلغاء نظام سويفت لثلاثة بنوك أخرى: سبيربنك (وهو الأكبر في روسيا)، وبنك الائتمان في موسكو، وروسلخوزبنك.
- وصرحت المفوضية الأوروبية آنذاك، في تفسيرها للقرار ، بأن "هذه البنوك بالغة الأهمية للنظام المالي الروسي وقدرة بوتين على مواصلة الحرب. وسوف يؤدي ذلك إلى ترسيخ عزلة القطاع المالي الروسي عن النظام العالمي".