ما هي الكلفة الاقتصادية لهجوم ترامب على النظام العالمي؟
19:30 - 06 مارس 2025
بينما تتوالى قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب المثيرة للجدل، تتزايد التساؤلات حول التداعيات الاقتصادية العميقة التي قد تترتب على هجومه المستمر على النظام العالمي.
فما بين التعرفات الجمركية التي تستهدف الحلفاء والخصوم على حد سواء، والتلويح بعقوبات تهدد استقرار الأسواق، وصولاً إلى تعليق التزامات خارجية، يبدو أن هذه تعيد رسم خريطة التحالفات الدولية، وفي الوقت نفسه تحمل أيضاً أعباء اقتصادية قد تمتد تأثيراتها إلى ما هو أبعد من الولايات المتحدة.
وفي ظل هذا المشهد المضطرب، يطفو سؤال محوري على السطح: ما هي التكلفة الاقتصادية الأوسع نطاقاً لهذه المواجهة التي يخوضها ترامب مع النظام العالمي؟
الاقتصادي والكاتب الصحافي البريطاني، مارتن وولف، يقول في مقال له بصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية:
- في الثالث من مارس، اتخذ دونالد ترامب قرارين بالغي الأهمية. الأول فرض رسوم جمركية على كندا والمكسيك بمعدل 25 بالمئة، وكذلك على الواردات الصينية بمعدل 10 بالمئة بالإضافة إلى 10 بالمئة التي فرضت الشهر الماضي.
- من المتوقع أن يتبع ذلك فرض رسوم جمركية بنسبة 25 بالمئة على الواردات من الاتحاد الأوروبي.
- تنتج هذه الاقتصادات الأربعة مجتمعة 61 بالمئة من واردات الولايات المتحدة من السلع.
- كان القرار الآخر الأكثر أهمية تعليق المساعدات العسكرية الأميركية لأوكرانيا، الأمر الذي أعطى الدولة المحاصرة خيارا يبدو وكأنه بين الاستسلام والهزيمة. ولا بد أن صديق ترامب فلاديمير بيوتن في غاية النشوة: فالرئيس الأميركي يمزق الغرب أمام عينيه.
- هذه ليست سوى مجموعتين من القرارات في العاصفة التي رافقت رئاسة ترامب الثانية.
- بالنسبة للعالم الخارجي، فهي ذات أهمية هائلة، فهي تمثل نهاية العلاقات التجارية الليبرالية والمتوقعة والمحكومة بالقواعد مع أقوى دولة في العالم، والتي خلقت النظام نفسه. كما تمثل تخلي الولايات المتحدة عن التحالفات والالتزامات الأساسية لصالح علاقة أوثق مع عدو سابق. من الواضح أن ترامب يعتقد أن روسيا أكثر أهمية من أوروبا.
ويضيف: في كلتا الحالتين فهو مخطئ بشدة، وكما لاحظ كبير خبراء الاقتصاد السابق في صندوق النقد الدولي، موريس أوبستفيلد، فإن العجز التجاري للولايات المتحدة لا يرجع إلى الغش من جانب الشركاء التجاريين، بل إلى تجاوز إنفاقها للدخل، بالنظر إلى أن العامل الأكثر تحديدا للعجز التجاري الأميركي هو عجزها المالي الفيدرالي الضخم، الذي يبلغ حاليا حوالي 6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وتضمن خطة مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون لجعل التخفيضات الضريبية التي أقرها ترامب في العام 2017 دائمة أن هذا العجز سيستمر على الأقل طالما أن الأسواق تموله. ونظرا لذلك، فإن محاولات سد العجز التجاري بالرسوم الجمركية تشبه محاولة تسطيح بالون ممتلئ بالكامل.
ويضيف:
- بالنسبة للمكسيك وكندا، ستكون التكاليف الاقتصادية لهذه التعرفات مرتفعة، حيث بلغت صادراتهما من السلع إلى الولايات المتحدة 27 و21 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي على التوالي، في عام 2023.
- بلغت صادرات الاتحاد الأوروبي من السلع إلى الولايات المتحدة 2.9 بالمئة فقط من ناتجها المحلي الإجمالي في عام 2023. وبالتالي، فإن تأثير التعريفة الجمركية البالغة 25 بالمئة لن يكون كبيراً بالنسبة لها. ومع ذلك، ستظل بمثابة عمل من أعمال الحرب الاقتصادية غير المبررة، بل والجهل الاقتصادي. وسيتعين على الاتحاد الأوروبي الرد. وسوف تتضرر العلاقات عبر الأطلسي بشكل دائم.
- ترامب يشن حربا اقتصادية وسياسية على حلفاء الولايات المتحدة والدول التابعة لها. ولكن الانهيار الناتج عن ذلك في الثقة بين الدول التي كانت تتقاسم قيمه سوف يكلف الولايات المتحدة أيضا الكثير من المال.
تداعيات "خطيرة"
من لندن، يحذر الخبير الاقتصادي، الدكتور أنور القاسم، من "تداعيات خطيرة" للسياسات الاقتصادية التي يتبعها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي تعتمد على التعرفات الجمركية والعقوبات الاقتصادية كسلاح ضغط على الدول الأخرى، سواء كانت حليفة أو خصماً.
ويتناول القاسم التداعيات الاقتصادية الأوسع نطاقاً لهذه السياسات والتي تشملأولاً زعزعة استقرار الاقتصاد العالمي، على اعتبار أن:
- هذه الحرب الاقتصادية تؤدي إلى اضطرابات في الأسواق المالية، حيث تم بالفعل فقدان 3.4 تريليونات دولار من قيمة الأسهم الأميركية، ما يعكس بداية كارثية في 2025.
- يؤثر ذلك على ثقة المستثمرين والمستهلكين، مما يؤدي إلى تباطؤ اقتصادي عالمي.
كما يلفت إلى أن التهديدات بفرض تعريفات جمركية بنسبة 100 بالمئة على دول مجموعة البريكس إذا ما تبنّت بدائل للدولار قد يدفع هذه الدول إلى تقليل اعتمادها على النظام المالي الأميركي، مما قد يضعف هيمنة الدولار عالمياً.
ويشير إلى خسائر اقتصادية محتملة بحجم اقتصاد ألمانيا وفرنسا معاً ، موضحاً أن "التقديرات تشير إلى أن سياسات ترامب التجارية قد تكلف الاقتصاد العالمي خسائر تعادل 7 بالمئة من الناتج الإجمالي العالمي، وهو ما يعادل اقتصاد دولتين بحجم ألمانيا وفرنسا معاً".
ويُبرز كذلك السيناريوهات المرتبطة بتصاعد التضخم وحالة عدم اليقين، موضحاً أنه مع ارتفاع الرسوم الجمركية والتعرفات، ترتفع الأسعار عالمياً، مما يؤدي إلى تضخم عالمي قد يسبب اضطرابات سياسية واجتماعية. كما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف المعيشة في العديد من الدول، مما قد يخلق أزمات اقتصادية داخلية.
وينبه القاسم أن ذلك كله من شأنه تراجع النفوذ الأميركي عالمياً:
- سياسات الضغط الاقتصادي هذه قد تؤدي إلى إعادة تشكيل التحالفات الاقتصادية، حيث تسعى الدول المتضررة إلى البحث عن بدائل للأسواق الأميركية.
- قد يتسارع انتقال القوة الاقتصادية نحو آسيا وأوروبا، ما يؤدي إلى تراجع الهيمنة الأميركية على الاقتصاد العالمي.
ويوضح أن الحرب التجارية التي أطلقها ترامب ليست مجرد نزاع اقتصادي مؤقت، بل قد تكون نقطة تحول في شكل النظام الاقتصادي العالمي، مع احتمالات لانحسار النفوذ الأميركي وخلق نظام اقتصادي متعدد الأقطاب.
الركود التضخمي
في السياق، يشير تقرير لشبكة "سي إن بي سي" الأميركية، إلى أن مخاوف بشأن النمو الاقتصادي ترافقت مع مخاوف بشأن عودة التضخم، وهو ما قد يؤدي بدوره إلى إحياء حالة سلبية لم تشهدها الولايات المتحدة منذ خمسين عاماً.
- جاءت المخاوف بشأن "الركود التضخمي" في الوقت الذي يبدو فيه الرئيس دونالد ترامب عازماً على فرض رسوم جمركية على أية سلعة تدخل البلاد تقريباً في نفس الوقت الذي تشير فيه مؤشرات متعددة إلى تراجع النشاط.
- يتسبب هذا التهديد المزدوج المتمثل في ارتفاع الأسعار وتباطؤ النمو في إثارة القلق بين المستهلكين وقادة الأعمال وصناع السياسات، ناهيك عن المستثمرين الذين تخلصوا من الأسهم واتجهوا إلى شراء السندات في الآونة الأخيرة.
ونقل التقرير عن كبير خبراء الاقتصاد في موديز أناليتيكس، مارك زاندي، قوله: "هذا ركود تضخمي.. إنه ارتفاع التضخم وضعف النمو الاقتصادي نتيجة للسياسة ــ سياسة التعرفات الجمركية وسياسة الهجرة".
وقد ظهرت هذه الظاهرة، التي لم تشهدها الولايات المتحدة منذ الأيام المظلمة للتضخم المفرط وتباطؤ النمو في السبعينيات وأوائل الثمانينيات، بشكل رئيسي في الآونة الأخيرة في البيانات "الناعمة" مثل استطلاعات المشاعر (ثقة المستهلك) ومؤشرات مديري المشتريات.
وعلى الأقل بين المستهلكين، بلغت توقعات التضخم في الأمد البعيد أعلى مستوياتها منذ ما يقرب من 30 عاما، في حين تشهد المشاعر العامة أدنى مستوياتها منذ عدة سنوات. ووفقا لتقرير صادر عن وزارة التجارة يوم الجمعة، انخفض إنفاق المستهلكين في يناير بأعلى مستوى له منذ ما يقرب من أربع سنوات، على الرغم من ارتفاع الدخل بشكل حاد.
وأظهر مسح أجراه معهد التوريد والتصنيع لمديري المشتريات يوم الاثنين الماضي أن نشاط المصانع لم يتوسع إلا بالكاد في فبراير بينما انخفضت الطلبات الجديدة بأكبر قدر في نحو خمس سنوات وقفزت الأسعار بأعلى هامش شهري في أكثر من عام.
وفي أعقاب تقرير معهد إدارة التوريدات، خفض مؤشر الناتج المحلي الإجمالي التابع لمجلس الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا توقعاته للنمو الاقتصادي في الربع الأول إلى انخفاض سنوي بنسبة 2.8 بالمئة. وإذا ثبتت هذه التوقعات، فسوف يكون هذا أول رقم نمو سلبي منذ الربع الأول من عام 2022 وأسوأ هبوط منذ إغلاق كوفيد في أوائل عام 2020، وفق التقرير.
وقال زاندي: "إن توقعات التضخم في ارتفاع. والناس متوترون وغير متأكدين بشأن النمو.. نحن نتحرك نحو الركود التضخمي، لكننا لن نقترب بأي حال من الركود التضخمي الذي شهدناه في السبعينيات والثمانينيات لأن بنك الاحتياطي الفيدرالي لن يسمح بذلك".
وتضع الأسواق في الحسبان احتمالات أكبر بأن يبدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي في خفض أسعار الفائدة في يونيو، وقد يخفض ثلاثة أرباع النقطة المئوية من سعر الاقتراض الرئيسي هذا العام كوسيلة لتجنب أي تباطؤ اقتصادي.
أزمة الاقتصاد العالمي
وإلى ذلك، يؤكد الخبير الاقتصادي أستاذ الاقتصاد الدولي، الدكتور علي الإدريسي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن التصريحات المتكررة للرئيس الأميركي دونالد ترامب ضد النظام العالمي تحمل تداعيات اقتصادية واسعة، لا تقتصر على الولايات المتحدة فقط، بل تمتد إلى الاقتصاد العالمي ككل.
يتناول الادريسي التداعيات الاقتصادية الأوسع نطاقًا لهجوم ترامب على النظام العالمي وهي تشمل:
أولاً- تقلبات الأسواق المالية
يرى الادريسي أن التهديد بإعادة النظر في الاتفاقيات التجارية أو فرض رسوم جمركية جديدة يؤدي إلى حالة من عدم اليقين، ما يدفع المستثمرين نحو الملاذات الآمنة، ويؤثر على حركة رؤوس الأموال عالمياً.
ثانياً- التأثير على الدولار الأميركي
السياسات الحمائية التي يتبناها ترامب من شأنها إضعاف الثقة في الدولار، خاصة إذا دفعت بعض الدول للبحث عن بدائل في معاملاتها التجارية، وهو ما قد يضر بمكانة الدولار كعملة الاحتياط الأولى عالمياً.
ثالثاً- اضطراب سلاسل التوريد وارتفاع التضخم:
يوضح الادريسي أن التصعيد التجاري الجديد يزيد تكاليف الإنتاج عالمياً، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع، وبالتالي تعزيز معدلات التضخم في عدة اقتصادات كبرى.
رابعاً- تراجع الاستثمار الأجنبي
الهجوم على المؤسسات المالية الدولية مثل منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي يرسل إشارات سلبية حول استقرار النظام الاقتصادي، مما يجعل المستثمرين أكثر تحفظاً في قراراتهم الاستثمارية.
خامساً- انعكاسات على أسواق الطاقة
ويشير الإدريسي إلى أن التصعيد التجاري قد يؤدي إلى عرقلة التحول نحو الطاقة النظيفة، أو توتر العلاقات مع الدول المنتجة للنفط، مما قد يؤدي إلى اضطراب أسعار الطاقة عالمياً. ويرى أن هجوم ترامب على النظام العالمي يزيد حالة عدم اليقين، مما يدفع الاقتصادات نحو مزيد من الحذر، مهدداً النمو العالمي، مع ارتفاع التكاليف وانخفاض الثقة الاستثمارية.