اجتماع حاسم.. كيف تخطط الصين لحماية اقتصادها من هجوم ترامب؟
11:39 - 04 مارس 2025في لحظة فارقة بالنسبة لثاني أكبر اقتصاد في العالم، تتجه الأنظار في الخامس من مارس 2025 إلى بكين، حيث يعقد المؤتمر الشعبي الوطني الصيني اجتماعه السنوي، الذي يمثل نافذة يترقبها المستثمرون لفهم اتجاهات الإنفاق الحكومي والتوجهات الاقتصادية للصين خلال العام المقبل.
ومع تصاعد الضغوط الخارجية، وعلى رأسها تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرض المزيد من التعرفات الجمركية الجديدة، إلى جانب التحديات الداخلية المتمثلة في انكماش الاقتصاد وتراجع قطاع العقارات، سيراقب المستثمرون بدقة أي إشارات سياسية واقتصادية صينية تخرج عن هذا الاجتماع، ما يساعدهم على فهم مسار الأسواق خلال المرحلة المقبلة.
وسوف يركز المستثمرون عن كثب على قوة أي حافز جديد قد يظهر، خصوصاً بعد الارتفاع الأخير في أسهم التكنولوجيا الصينية التي غذتها الإثارة حول شركة "ديب سيك".
ما هو جدول الأعمال؟
بحسب تقرير أعدته "بلومبرغ" واطلع عليه موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، من المتوقع أن يستمر الاجتماع البرلماني، الذي يعقد كل ربيع، لمدة أسبوع تقريباً. وسوف يجتمع نحو 3000 ممثل من مختلف أنحاء الصين في قاعة الشعب الكبرى في بكين، حيث سيفتتح رئيس مجلس الدولة لي تشيانغ الجلسة بتقرير عمل.
وسيتضمن هذا التقرير، إلى جانب تقرير منفصل عن الميزانية من وزارة المالية، أرقاماً رئيسية بما في ذلك هدف النمو الاقتصادي الرسمي لعام 2025، والذي من المرجح أن يظل عند حوالي 5 في المئة للعام الثالث على التوالي، والعجز المالي الذي سيكشف عن مقدار ما تستعد بكين لإنفاقه للوصول إلى هذا الهدف.
وقد تخفض الحكومة أيضاً هدف التضخم إلى أقل من 3 في المئة لأول مرة منذ أكثر من عقدين من الزمان، وربما تحدده عند 2 في المئة في إشارة إلى أن صناع السياسات يستيقظون على مخاطر الانكماش المستمر.
وعادة ما يتم التعامل مع هدف التضخم في الصين باعتباره سقفاً وليس هدفاً ملزماً.
وسوف ينصب اهتمام المؤتمر الشعبي في عام 2025 على تعزيز الإنفاق الاستهلاكي، وقد يعمل صناع السياسات على توسيع برنامج البلاد للتبادل التجاري للسلع الاستهلاكية، وتقديم تدابير لاستعادة ثقة الأسر، وإطلاق العنان لإمكانات الإنفاق على المدى الطويل.
وتشمل الخطوات المحتملة زيادة معاشات التقاعد للمتقاعدين، وزيادة إعانات التأمين الاجتماعي الأساسي، وتقديم الدعم المالي للأسر التي تربي الأطفال.
وبحلول نهاية المؤتمر، من المتوقع أن تحصل هذه الخطط على موافقة البرلمان الصيني.
ما هو دور ترامب في هذا؟
ورغم أن ذكر الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالإسم قد يكون غائباً عن الوثائق الرسمية للمؤتمر الوطني لنواب الشعب الصيني، إلا أن سياساته التجارية والاقتصادية التي تستهدف بكين ستظل حاضرة بقوة في خلفية المناقشات وتوجهات صناع القرار.
فمنذ توليه منصبه، فرض ترامب تعرفة جمركية بنسبة 10 في المئة على السلع الصينية، وسعى إلى تقييد الاستثمار الصيني في القطاعات الاستراتيجية الأميركية مثل التكنولوجيا والطاقة، وحث المكسيك على فرض رسومها الجمركية الخاصة على الواردات الصينية.
ويشكل تدهور بيئة التجارة تحدياً للصادرات الصينية، التي كانت محركاً رئيسياً للنمو الاقتصادي. فمع استمرار ضعف الطلب المحلي وإحجام بكين عن العودة إلى نموذج النمو القديم المثقل بالديون، تضع الحكومة الآن تركيزاً أكبر على تعزيز الإنفاق الاستهلاكي.
وقد أكّد رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ، مؤخراً على الحاجة إلى دعم الاستهلاك كمحرك رئيسي للنمو، مستخدماً مصطلح "التداول الداخلي" للإشارة إلى أن الطلب المحلي سيحتل مركز الصدارة.
وظهرت عبارة "التداول الداخلي" لأول مرة أثناء جائحة كوفيد-19 عندما أعطت الصين الأولوية للاكتفاء الذاتي، ويشير إحياؤها إلى أن بكين تستعد لمواجهة اقتصادية أعمق مع الولايات المتحدة.
ماذا سيحدث أيضاً خلال الأسبوع؟
بعد الجلسة العامة الافتتاحية في اليوم الأول، سينقسم المشرعون والمستشارون السياسيون إلى مجموعات، لمراجعة التقارير من رئيس مجلس الدولة ووزارة المالية ووكالة التخطيط الوطني. وخلال الأسبوع، ستقدم المحكمة العليا والمدعي العام في الصين أيضاً تقاريرهما السنوية إلى البرلمان.
وسيكون الحدث الرئيسي هو المؤتمر الصحفي السنوي، الذي سيعقده وزير الخارجية الصيني وانغ يي في اليوم الأخير للمؤتمر، حيث ستتم مراقبة تفاصيل خطابه، للحصول على أدلة حول استراتيجية بكين للتعامل مع رئاسة ترامب الثانية، ودور الصين في إنهاء الحرب في أوكرانيا، ومستقبل شراكة الصين مع روسيا، خصوصاً مع سعي ترامب لإنهاء سنوات من السياسة الأميركية التقليدية بشأن الصراعات، عبر فتح قنوات حوار جديدة مع موسكو.
هل ستكون هناك أي مفاجآت؟
ربما لا، فعلى مدى عقود من الزمان، قدم اجتماع المؤتمر الشعبي الوطني الصيني للمستثمرين لمحة نادرة عن شخصيات وأفكار المسؤولين الذين يديرون ثاني أكبر اقتصاد في العالم. ولكن في السنوات الأخيرة، أصبح الحدث "موجّهاً" بشكل متزايد، مع وجود مساحة ضئيلة للملاحظات غير الرسمية أو المقترحات غير التقليدية التي أثارت الجدل ذات يوم.
وبدلاً من ذلك، قد يركز المجتمعون على "الموضوعات الآمنة" التي تساهم في سرد إيجابي، ومن المرجح أن يكون أحد الموضوعات الرئيسية هو الذكاء الاصطناعي، وخاصة بعد صعود "ديب سيك"، الذي عجل بتبني الذكاء الاصطناعي عبر جميع مستويات الحكومة الصينية.
ويتوقع أن تركز المناقشات على كل من فوائد وتحديات الذكاء الاصطناعي حيث يتطلع صناع السياسات إلى عرض دوره في التنمية المستقبلية للصين.
هل سيحصل القطاع الخاص على المزيد من الدعم؟
كانت هناك إشارات تفيد بأنه سيحصل على ذلك، إذ التقى الرئيس الصيني شي جين بينغ مؤخراً مع كبار رجال الأعمال الصينيين، بما في ذلك المؤسس المشارك لشركة علي بابا جاك ما، وهي لفتة مهمة بعد أربع سنوات من حملة تنظيمية هزت صناعة التكنولوجيا وأضعفت الثقة بالقطاع الخاص الصيني.
وكان هذا الاجتماع اعترافاً واضحاً بأن الصين بحاجة إلى الشركات الخاصة، وليس فقط الشركات المملوكة للدولة، لدفع النمو والمساعدة في استقرار اقتصادها المتعثر. ومع لعب التكنولوجيا دوراً أكبر في منافسة الصين مع الولايات المتحدة، فإن دعم هذا القطاع أمر بالغ الأهمية.
ووعد الرئيس الصيني بتحسين الوصول إلى التمويل للشركات الخاصة، والحد من الغرامات والعقوبات المفرطة، وقد التزمت وزارات مختلفة منذ ذلك الحين بتنفيذ توجيهاته. وللبناء على هذا، من المتوقع أن تصدر عن اجتماع المؤتمر الشعبي الوطني الصيني قرارات جديدة في هذا المجال.
قرارات قد تصدر عن المؤتمر
ويقول الخبير الاقتصادي البروفسور بيار الخوري، وهو عميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إنه في ظل التهديدات المتجددة لفرض تعرفات جمركية أميركية، ووسط بيئة اقتصادية داخلية لا زالت تتأثر بأزمات قطاع العقارات، تتحرك الصين نحو صياغة استراتيجيات متعددة الأبعاد لحماية اقتصادها قبيل اجتماع المؤتمر الشعبي الوطني. فالخطط لا تقتصر على ردود الفعل المباشرة تجاه السياسات الأميركية، بل تمتد إلى محاولة إعادة هيكلة مصادر النمو ذاته، عبر تحفيز الاستهلاك المحلي كبديل عن الاعتماد المفرط على الصادرات، وهي الاستراتيجية التي نادى بها مؤتمر الحزب العشرين. مشيراً إلى أن الصادرات الصينية تواجه رياحاً معاكسة مع تصاعد الحمائية العالمية، ولكن في الوقت عينه فإن عملية تعزيز الإنفاق الاستهلاكي في الصين تتطلب معالجة إشكالات بنيوية، مثل ثقافة الادخار المرتفعة لدى الأسر، وهذا ما سيدفع باتجاه إقرار إصلاحات قد تكون متدرجة في ظل أولويات الإنفاق الحكومي.
ويضيف الخوري أنه من ناحية أخرى، تعوّل الصين على تعميق الاستثمار في التكنولوجيا المتقدمة، مثل صناعة الرقاقات والذكاء الاصطناعي، ليس فقط لتحقيق اكتفاء ذاتي تدريجي، ولكن أيضاً لخلق قطاعات تصديرية جديدة قادرة على اختراق الأسواق العالمية بعيداً عن المنافسة التقليدية. ولكن هذا المسار، وإن بدا واعداً، إلا أنه يواجه تحديات زمنية، فالتقدم التكنولوجي يحتاج إلى سنوات ليثمر، بينما الضغوط التجارية الأميركية قد تتسارع بشكل يفوق القدرة على التكيف. معتبراً أنه في ظل هذا التوجه ستبرز أدوار غير تقليدية لشركات القطاع الخاص الصيني، التي قد تتحول إلى واجهة غير مباشرة لهذه المعركة، مستفيدةً من مرونتها في الابتكار.
أما على صعيد السياسة التجارية، فيرى الخوري أن الصين تسعى إلى تنويع شراكاتها بعيداً عن السوق الأميركية، عبر تعزيز اتفاقيات مع دول آسيوية وأفريقية، وتوسيع مشروع "الحزام والطريق"، رغم ما يواجهه من ندرة العوائد الاقتصادية الملموسة، وتراكم ديون الدول الشريكة. وفي الوقت ذاته، تظهر محاولات لتعزيز مكانة اليوان كعملة دولية، لكن ذلك يرتبط بتحرير النظام المالي، وهو ما قد يثير مخاوف داخلية من فقدان السيطرة على تدفقات رأس المال.
وبحسب الخوري فإنه على الجانب النقدي، قد تلجأ السلطات إلى سياسات تيسيرية لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، أو ضخ استثمارات في البنية التحتية، لكن هذه الخطوط تتعارض مع الحاجة إلى ضبط مستويات الديون المتضخمة، خاصة بعد أزمة قطاع العقارات، الذي ما يزال يشكل نقطة ضعف جوهرية. معتبراً أن هذا التناقض يضع صناع القرار أمام خيارات دقيقة مثل: تحفيز النمو قصير الأجل مقابل تفادي مخاطر مالية طويلة المدى.
ويرى الخوري أنه على الصعيد السياسي، فإن اجتماع المشرعين لن يكون مجرد منصة لإعلان السياسات الاقتصادية، بل أداة لترسيخ رؤية تقوم على استراتيجية الحاجة للثبات في وجه الضغوط الخارجية، عبر خطاب يؤكد قدرة النموذج الصيني على تجاوز التحديات بالاعتماد على السوق المحلية والابتكار. لافتاً إلى أنه مع ذلك، ستبقى الفجوة بين الطموح والواقع مرهونة بقدرة بكين على تحقيق توازن دقيق بين الانفتاح المطلوب لجذب الاستثمارات، والإبقاء على سيطرة الدولة في القطاعات الاستراتيجية.
وشدد الخوري على أن الإجابة على تهديدات ترامب قد لا تكون محددة في قرارات، بل في تراكم خيارات تتراوح بين التحالفات التجارية الجديدة، والإصلاحات الاجتماعية، والحفاظ على هامش مناورة للرد المناسب، إذا لزم الأمر.
تحفيز الاقتصاد
من جهته يقول المحلل الاقتصادي محمد سعد، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إنه مع تصاعد التحديات الداخلية والخارجية، يتوقع أن يكون التركيز الرئيسي للمؤتمر الشعبي الوطني على تعزيز الإنفاق الحكومي كوسيلة لدعم النمو، مع منح أولوية خاصة للمشاريع التي تعزز الاستهلاك المحلي. كما يمكن أن يشمل جدول الأعمال خططاً لتعزيز الابتكار التكنولوجي، وإجراءات لدعم سوق العقارات المتراجع، إذ تدرك بكين أن استقرار سوق العقارات ضروري لمنع المزيد من التباطؤ الاقتصادي.
التعامل مع أميركا
واعتبر سعد أن انعقاد المؤتمر الشعبي الوطني سيكون فرصة للصين لإعادة ضبط استراتيجيتها التجارية لمواجهة سياسات ترامب المتشددة، حيث سيترقب المستثمرون أي إشارات حول مدى استعداد القيادة الصينية لتقديم تنازلات، أو التصعيد في المواجهة الاقتصادية مع واشنطن. ولكن ما هو أكيد أن المؤتمر سيشكل محطة حاسمة في تحديد ملامح السياسة الاقتصادية الصينية للعام المقبل، في وقت أصبحت فيه بيئة التجارة العالمية أكثر تعقيداً من أي وقت مضى، مرجحاً أن يعلن المؤتمر عن تدابير لتعزيز سلاسل التوريد المحلية، وتقليل الاعتماد على الأسواق الغربية، إضافة إلى تعزيز الشراكات التجارية مع دول جنوب شرق آسيا وأميركا اللاتينية، في محاولة لموازنة التأثيرات السلبية لأي عقوبات أو تعرفات جديدة من الولايات المتحدة.