ما مدى قدرة أوروبا على الصمود في مواجهة مطالب ترامب؟
03:39 - 28 مايو 2025
تشهد الساحة الاقتصادية الدولية حالة من الترقب الشديد مع تصاعد حدة الخطاب بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وقد جاء أحدث فصول هذه الأزمة على لسان المستشار الألماني، الذي وجه تحذيرًا مباشرًا وتهديدًا باستهداف شركات التكنولوجيا الأميركية.
هذا التصعيد ليس بمعزل عن التهديدات السابقة التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية تصل إلى 50 بالمئة على المنتجات القادمة من أوروبا. ورغم أن ترامب قد أرجأ تطبيق هذه الرسوم لإفساح المجال أمام المفاوضات التجارية، إلا أن لغة التهديد والوعيد لا تزال مهيمنة على المشهد.
من وجهة نظر ترامب، فإن الاتحاد الأوروبي تأسس بهدف رئيسي هو استغلال الولايات المتحدة اقتصاديًا. وبناءً على هذا الاعتقاد، يطالب ترامب بتنازلات كبيرة من الجانب الأوروبي، تتجاوز مجرد خفض الرسوم الجمركية لتمتد إلى تخفيض الضرائب وتوفير تسهيلات إضافية للشركات الأميركية.
ولا تتوقف المطالب الأميركية عند هذا الحد، بل تسعى واشنطن جاهدة لانتزاع التزام صريح من قادة الاتحاد الأوروبي بفرض رسوم جمركية على الصناعات الصينية، والوقوف في جبهة موحدة ضد بكين.
- اقترب حجم التبادل التجاري بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من مستويات التريليون دولار العام الماضي.
- هذا الحجم الهائل يجعل من أي حرب تجارية محتملة بين الطرفين كارثة اقتصادية بامتياز، مع تداعيات مدمرة قد تطال الاقتصاد العالمي بأسره.
- العلاقة التجارية بين أكبر شريكين اقتصاديين في العالم تضع العالم كله على المحك.
- هدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية تصل إلى 50% على المنتجات القادمة من أوروبا بدءاً من يونيو المقبل، قبل أن يرجئ التطبيق حتى التاسع من يوليو بعد اتصال مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين.
- يتطلب اتخاذ أي قرار في الاتحاد الأوروبي موافقة 27 دولة، مما يجعل المفاوضات تستغرق وقتًا أطول.
- ترامب يطالب الاتحاد الأوروبي بشراء منتجات الطاقة بقيمة 500 مليار دولار سنويًا من الولايات المتحدة.
مطالب ترامب المتشعبة
للتعمق أكثر في هذه القضية، استضاف برنامج "بزنس مع لبنى" على شاشة "سكاي نيوز عربية"، الباحث في الشؤون السياسية والاقتصادية، حميد الكفائي، الذي انضم من لندن.
أوضح الكفائي أن تأجيل ترامب لفرض الرسوم الجمركية على الاتحاد الأوروبي يهدف إلى إتاحة فرصة أوسع للمفاوضات، لكن المطالب الأميركية لا تزال قائمة وواضحة، لافتاً إلى أن ترامب يريد "تجارة متكافئة" بين الطرفين. ورغم أن الاتحاد الأوروبي عرض "تصفير" التعريفات الجمركية المتبادلة، أصرت إدارة ترامب على فرض رسوم بنسبة 10 بالمئة كحد أدنى، وتصل إلى 25 بالمئة على بعض السلع الأساسية مثل الحديد.
يلخص الكفائي جوهر الخلاف في "فهم مختلف للاقتصاد وفهم مختلف للسياسة"؛ فترامب يرى الاتحاد الأوروبي "منافساً للولايات المتحدة"، ويعتقد بأنه "أنشئ أساساً لمنافستها". وهو ما يعتبره الكفائي "خطأً استراتيجيًا"؛ إذ أن الولايات المتحدة هي من "أسهمت وشجعت الأوروبيين على التوحد بهدف إنهاء الحروب ومنع وقوعها بين الدول الأوروبية".
حرب تجارية على الجميع
وبسؤاله عن قدرة الاقتصاد الأوروبي على مواجهة الاقتصاد الأميركي في ظل هذه التهديدات، كان رد الكفائي حاسمًا، إذ يرى أن "دونالد ترامب شن حربًا تجارية على الجميع"، وهو ما "أضعف الموقف الأميركي".
وفي المقابل، فإن "الاتحاد الأوروبي تجمع كبير لدول صناعية ودول ثرية ودول قوية.. بالتالي لديه القدرة على المواجهة". ويضيف الكفائي أن هناك بوادر "عودة أميركية إلى المواقف الأوروبية"، حتى فيما يخص الحرب في أوكرانيا.
كما يشدد على الأهمية الاستراتيجية لأوروبا، قائلًا: "أوروبا مهمة جدًا بالنسبة للعالم، هي أساس الصناعة والديمقراطية والعلاقات الدولية.. كما أن أوروبا لها أهمية كبرى لأميركا وللعالم". ولهذا فإن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تستغني عنها.
ومع ذلك، أشار الكفائي إلى مشكلة جوهرية قد تعرقل المفاوضات، قائلاً: "ترامب يستطيع أن يتخذ قرارًا مفاجئًا ودون العودة إلى الآخرين ويصدر أمرًا تنفيذيًا لتفعيله". في المقابل، "الاتحاد الأوروبي لا يستطيع أن يفعل ذلك؛ هناك 27 دولة يجب الرجوع إليها في أي قرار". وهذا يعني أن "المفاوضات سوف تستغرق وقتًا وقد لا يمتلك الرئيس ترامب الصبر الكافي لأن يتماشى مع هذه الفترة الطويلة التي تتطلبها أوروبا كي تتوصل إلى قرار".
تحالفات أميركية متصدعة
تطرق الحديث إلى وضع علاقة واشنطن مع الاتحاد الأوروبي. وأقر الكفائي بأن "العلاقات الأميركية الأوروبية ليست جيدة في الوقت الحاضر". ولكنه عاد ليؤكد أن هناك "بوادر على تحسن في هذه العلاقات"، وأن "المواقف الأميركية تعود إلى الاقتراب من المواقف الأوروبية".
كما شدد على أن "الولايات المتحدة لا تستطيع أن تستغني عن أوروبا وعن حلفائها عمومًا في أستراليا وكندا واليابان وكوريا الجنوبية". هؤلاء "الحلفاء هم الذين مكنوا أميركا من أن تكون قوية، ومن أن تكون سياساتها متبعة ومراعاة في العالم". واعتبر أن "الابتعاد عن الحلفاء خطأ استراتيجياً ترتكبه إدارة ترامب".
الصين والطاقة.. ملفات شائكة
بالانتقال إلى ملف الصين، أكد الكفائي أن واشنطن تطالب الاتحاد الأوروبي بـ"الوقوف في صفها" وفرض رسوم جمركية على الصناعات الصينية. لكنه استبعد أن يقبل الاتحاد الأوروبي على هذه الخطوة، مشيرًا إلى أن "الاتحاد الأوروبي انتهج سياسة مختلفة عن السياسة الأميركية فيما يخص الصين".
ورغم وجود تقارب وضغوط أميركية حتى في السابق على الاتحاد الأوروبي للتوافق مع السياسة الأميركية، إلا أن التكتل خصوصًا بعد أن فرض الرئيس ترامب عقوبات أو تعريفات جمركية على البضائع الأوروبية، سوف يفكر جيدًا قبل أن ينسجم مع الطلبات الأميركية"، فـ"الصين مهمة جدًا تجاريا للاتحاد الأوروبي؛ وهناك تفاعل وتبادل تجاري كبير بين الجهتين".
وتابع: لذلك، "لا تستطيع أوروبا أن تنفذ ما تطلبه منها أميركا". وخلص الكفائي إلى أن "السياسة الأوروبية ستكون مختلفة وهي مختلفة لأن توجه الاتحاد الأوروبي مختلف عن التوجه الأميركي، خصوصًا بعد الاختلافات التي رأيناها في السياسة الأميركية والتي عاملت الجميع بمستوى واحد، الحلفاء والخصوم بمستوى واحد. ويقول إن الأوروبيين سوف يفكرون مليًا قبل أن ينسجموا مع السياسة الأميركية مستقبلاً".
أخيرًا، وبشأن مطالبة ترامب الاتحاد الأوروبي بشراء منتجات الطاقة بقيمة 500 مليار دولار سنويًا من أميركا، في محاولة لاستبدال الاعتماد الأوروبي السابق على الطاقة الروسية. أكد الكفائي أن "هذا حاصل الآن"؛ فمنذ أن شنت روسيا حربًا على أوكرانيا، توقف الاتحاد الأوروبي أو قلص من وارداته من الطاقة من روسيا كعقوبة لروسيا على ما فعلته في أوكرانيا.
وبذلك، "ازدهرت تجارة الطاقة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي". ويرى الكفائي أنه "لا خيار لأوروبا سوى الاعتماد على أميركا وربما أيضًا على الشرق الأوسط، كي تعوض عن النقص الكبير الهائل الذي حصل بسبب توقف أوروبا عن استيراد الطاقة الأوروبية".