كيف ستتأثر أسواق الطاقة برسوم ترامب الجمركية؟
17:08 - 26 فبراير 2025
تترقب الأسواق مزيداً من التداعيات المرتبطة بسياسة الرسوم الجمركية التي يتبعها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لا سيما على الواردات من كندا والمكسيك، لترتسم ملامح حالة ضبابية جديدة في أسواق الطاقة العالمية.
تأتي هذه الرسوم كجزء من سياسة ترامب "الحمائية" التي تهدف إلى تقليص العجز التجاري وتعزيز الإنتاج المحلي. إلا أن هذه الإجراءات لم تمر دون انعكاسات فورية، إذ اشتعلت المخاوف من اضطرابات في إمدادات النفط وتغيرات محتملة في خارطة التجارة.
التصريحات المتضاربة من الإدارة الأميركية زادت المشهد تعقيداً، خاصة بعد أن أوقف ترامب الرسوم الجديدة مؤقتاً عقب تعهدات من الرئيسة المكسيكية كلوديا شينباوم ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو بتكثيف جهود مراقبة الحدود. لكن هذه التهدئة لم تدم طويلًا، إذ عاد ترامب ليؤكد أن الرسوم ستدخل حيز التنفيذ في موعدها، ما عزز احتمالية حدوث مواجهة تجارية قد تؤدي إلى تعطيل سلاسل التوريد ورفع التكاليف.
ويوم الاثنين، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إن الرسوم الجمركية الشاملة التي تفرضها الولايات المتحدة على الواردات من كندا والمكسيك "سوف تمضي قدماً" عندما تنتهي مهلة شهر واحد –التي حددها سابقاً- لتنفيذها الأسبوع المقبل.
- في الأول من فبراير، وقع ترامب على أوامر تنفيذية تفرض رسوما جمركية بنسبة 25 بالمئة على المنتجات القادمة من المكسيك وكندا، فضلا عن رسوم جمركية بنسبة 10 بالمئة على الطاقة الكندية.
- استند الرئيس الأميركي - الذي أشاد باستخدام الرسوم الجمركية كأداة للتفاوض ومصدر للإيرادات- في أوامره على الفشل المزعوم للمكسيك وكندا في وقف الجريمة والاتجار بالمخدرات على حدودهما الأميركية.
- ترامب أوقف الرسوم الجمركية الجديدة بعد يومين، بعد أن قدمت الرئيسة المكسيكية كلوديا شينباوم ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو تعهدات منفصلة بتعزيز جهودهما في مراقبة الحدود.
- قالت الولايات المتحدة يوم 3 فبراير إن الرسوم الجمركية على السلع الكندية سيتم تعليقها لمدة 30 يوماً، كذلك سيتم تأجيل الرسوم الجمركية على الواردات المكسيكية لمدة شهر واحد. وقال ترامب إنه خلال تلك الفترة، ستنخرط إدارته في مفاوضات مع المكسيك وتسعى إلى التوصل إلى "اتفاق اقتصادي نهائي مع كندا".
ورد ترامب على سؤال في مؤتمر صحافي بالبيت الأبيض عما إذا كانت الرسوم الجمركية المؤجلة على الشريكين التجاريين للولايات المتحدة ستدخل حيز التنفيذ قريباً: "الرسوم الجمركية ستدخل حيز التنفيذ في الوقت المحدد، في الموعد المقرر".
وزعم أن بلاده "تعرضت للاستغلال" من قبل الدول الأجنبية "في كل شيء تقريباً"، وكرر خطته لفرض ما يسمى بالرسوم الجمركية المتبادلة.
وفي أول شهر له في منصبه، فرض ترامب تعريفات جمركية بنسبة 10 بالمئة على الواردات الصينية وأعلن عن خطة لفرض "تعريفات متبادلة" على الشركاء التجاريين الأميركيين. وردت الصين بالفعل بفرض تعريفات جمركية مستهدفة على الواردات الأميركية، مما أثار المخاوف من تصاعد الحرب التجارية بين القوتين العظميين المتخاصمتين بسرعة.
وقد نشأ خوف مماثل فيما يتصل بالمكسيك وكندا، وهما من أقرب حلفاء أميركا وشركائها التجاريين الرئيسيين، بحسب تقرير لشبكة "سي إن بي سي" الأميركية.
وقبل أن يوقف ترامب فرض رسومه الجمركية على الجارتين الأميركيتين، أعلن كل من ترودو وشينباوم عن خطط لفرض رسوم جمركية انتقامية على الواردات الأميركية.
أحداث متقاطعة
تتراكم الأحداث وتتقاطع العوامل الأساسية المؤثرة على ملف الطاقة، الذي أصبح في قلب الحروب التجارية، بفعل السياسات التي ينتهجها (رجل التعريفات الجمركية) دونالد ترامب، خصوصاً فيما يتعلق بجيرانه من الدول المصدرة للنفط مثل المكسيك وكندا"، وفق استاذة الاقتصاد والطاقة،الدكتورة وفاء علي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، والتي تشير إلى أن الرسوم الجمركية تخلق فجوة سعرية وتفرض حالة من الضبابية، وسط الرسائل المتضاربة الصادرة عن الإدارة الأميركية.
وتضيف:
- أثرت تصريحات الرئيس الأميركي بشكل مباشر على أسواق النفط في دول الشمال، مما أدى إلى زيادة الضغوط البيعية وتوجيه الاستثمارات نحو أسواق بديلة.
- في ظل هذه الأجواء، ستجد كل من كندا والمكسيك والصين نفسها مضطرة للرد بالمثل، ما يهدد بفك الارتباط الاقتصادي بين الولايات المتحدة وكندا، على سبيل المثال.
- الولايات المتحدة تعتمد بشكل كبير على ما تستورده من كندا، والذي يبلغ 4.3 مليون برميل يومياً، بالإضافة إلى 500 ألف برميل يومياً من المكسيك. ورغم أن أميركا تنتج 13.4 مليون برميل يومياً، إلا أن هذه الكمية لا تكفي لتلبية احتياجات السوق المحلية.
- وهنا يبرز التساؤل: هل يستطيع ترامب الاستغناء عن طاقة جيرانه؟ الإجابة بوضوح: لا. فذلك سيترتب عليه عواقب وخيمة وتكاليف باهظة يتحملها المواطن الأميركي، الذي سيدفع ثمن هذه السياسات.
وتستطرد: "لا يمكن لترامب القفز على الحقائق، مهما حاول تمرير تصريحات مطمئنة، فواقع الأمر أن سوق الطاقة يشهد تغيراً في قواعد اللعبة، ويتجه نحو إعادة رسم الخريطة الطاقوية العالمية".
وتشير إلى أن الأسواق بطبيعة الحال تتفاعل مع هذه التطورات، مما يزيد من احتمالية ارتفاع الأسعار، إلا إذا أدت الرسوم الجمركية إلى تباطؤ الأنشطة الاقتصادية وانخفاض النمو. وهنا، يصبح المشهد وكأنه "العين بالعين والرسوم بالرسوم"، حيث تتراكم الأزمات في حزمة واحدة، مما قد يعيد العالم إلى دوامة الضغوط التضخمية.
وبدل أن تكون "أميركا أولاً"، قد تجد نفسها الضحية الأولى لهذه السياسات، حيث سيتحول شركاؤها التجاريون، مثل كندا والمكسيك، إلى أسواق بديلة، ما ينعكس سلباً على الاقتصاد الأميركي ويدخله في دائرة من التشوهات. ورغم سياسات ترامب، فقد تراجع إنتاج النفط الصخري، نتيجة تخوف المنتجين من الضغوط الحمائية المفروضة، وفق علي.
في المحصلة، تسهم التصريحات والسياسات المتشددة في إرباك الأسواق، ودفعها نحو إعادة رسم الخريطة الطاقوية العالمية، مما يفتح الباب أمام مرحلة جديدة محفوفة بعدم اليقين الاقتصادي.
حوافز للاستثمار
ويشير تقرير لـ "بلومبيرغ" إلى أن:
- ترامب يروّج لتدابيره الجمركية باعتبارها حافزاً للاستثمارات الجديدة في الولايات المتحدة ومصدراً أساسياً للإيرادات في حين يعمل المشرعون في الكونغرس على تأمين تمرير التشريعات التي تجدد وتمدد التخفيضات الضريبية.
- خبراء الاقتصاد يحذرون من أن الرسوم الجمركية تهدد بتفاقم نمو الأسعار - وهي القضية التي ساعدت في دفع ترامب إلى البيت الأبيض في انتخابات العام الماضي - ويحذرون من أن الرسوم الجمركية لن تجلب الإيرادات التي يتوقعها الرئيس وحلفاؤه.
- ستؤثر الرسوم الجمركية المفروضة على كندا والمكسيك على جيران الولايات المتحدة وشركائها التجاريين الرئيسيين، مما يهدد بزعزعة سلاسل التوريد على مستوى القارة والتأثير على الصناعات الرئيسية مثل قطاع السيارات وكذلك الطاقة.
- تعتمد أجزاء من الولايات المتحدة، بما في ذلك شمال غرب المحيط الهادئ وشمال شرق الولايات المتحدة، بشكل كبير على تدفقات الكهرباء أو الغاز من كندا. ستؤدي رسوم ترامب الجمركية إلى فرض رسوم بنسبة 10 بالمئة على منتجات الطاقة الكندية.
كان ترامب قد هدد بالرسوم الجمركية لأول مرة خلال فترة انتقال الرئاسة، متهماً كندا والمكسيك بعدم بذل جهود كافية لتأمين حدود الولايات المتحدة، وهي القضية الرئيسية بالنسبة له. وقد تحركت كندا لتوسيع سلطتها في قمع عصابات المخدرات في محاولة لطمأنة ترامب بأنها تتخذ الإجراءات اللازمة. كما عين رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو "قيصر الفنتانيل" لقيادة الجهود الرامية إلى وقف تدفق المخدرات عبر الحدود.
إعادة التوازن
على الجانب الآخر يقول الباحث الاقتصادي عامر الشوبكي في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن هذه الرسوم قد تؤدي إلى إعادة التوازن التجاري بين هذه الدول، مع انتقال بعض الصناعات من كندا والمكسيك إلى داخل الولايات المتحدة.
كما يؤكد أن قطاع النفط سيتأثر بهذه التغييرات، حيث قد يؤدي فرض الرسوم إلى ارتفاع أسعار المنتجات النفطية في السوق الأميركية نفسها. ونتيجة لذلك، قد تلجأ الولايات المتحدة إلى استيراد المشتقات النفطية من الأسواق الخليجية أو من أميركا اللاتينية لتعويض النقص.
من ناحية أخرى، يشير إلى أن الولايات المتحدة تعمل على تكثيف جهودها لإصدار تصاريح جديدة لإنتاج النفط. كما أن هناك خططًا لزيادة إنتاج النفط والغاز من ألاسكا، مما قد يسهم في تلبية احتياجات السوق الأوروبية مستقبلًا.
ويخلص الشوبكي إلى أن هذه المرحلة الانتقالية قد تشهد اضطرابات وتذبذبات في أسعار النفط، ما قد يؤدي إلى موجة تضخمية على المدى القصير، لكن على المدى البعيد، هناك توقعات بنجاح الخطة الاقتصادية الأميركية في تعزيز الإنتاج المحلي وتحقيق الاكتفاء الذاتي، بل وتحويل الولايات المتحدة إلى مصدر ومنافس رئيسي في سوق النفط العالمي.