لبنان يعيد رسم خارطة السياحة على خطّ الثقة والاستثمار
10:05 - 30 أبريل 2025
في وقتٍ تتعاظم فيه التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه لبنان، تبدو السياحة كأحد آخر الأوراق الحيوية المتاحة للدولة في سعيها نحو إعادة تنشيط العجلة الاقتصادية.
ولعلّ ما أدلت به وزيرة السياحة اللبنانية لورا الخازن لحود في حديثها إلى سكاي نيوز عربية يشكّل وثيقة سياسية سياحية متقدمة، تعبّر عن مقاربة شاملة تُعَوِّل على الاستثمار في الثقة قبل أي استثمار مالي مباشر.
الثقة كأولوية... والخليج بوابة الاستعادة
في معرض حديثها، أكدت الوزيرة أن أولويات الحكومة السياحية لا تقتصر على الترويج، بل تتقدمها مهمة جوهرية وهي: استعادة الثقة، وخصوصًا مع الدول الخليجية، مشيرةً بوضوح إلى أن السياحة لن تنهض من دون استعادة الحاضنة العربية التقليدية.
"أولويتنا هي إعادة أخواننا العرب والخليجيين إلى لبنان... نشتاق إليهم كما يشتاقون إلينا"، قالت لحود، قبل أن تضيف: "نريد أن نفعل كل ما يمكن لإعادة الثقة لكي يعودوا أسرع".
هذا التوجه يعكس تحولًا في الخطاب الرسمي، من لغة الأمنيات إلى نهج الاستعداد، حيث باتت العودة الخليجية مشروعًا سياسيًا وسياحيًا متكاملاً، يمر عبر مطار بيروت، وتحسين البنية التحتية، وإصلاح تجربة السائح من نقطة الوصول حتى مغادرته.
من مطار بيروت إلى تجربة السائح.. بنية تحتية بحجم الطموح
تحرص وزارة السياحة، وفقًا لما صرّحت به لحود، على ألا تكون زيارة لبنان مجرد إقامة فندقية، بل تجربة متكاملة مدروسة تبدأ من لحظة الهبوط في المطار. فقد بدأت الحكومة بتنفيذ خطوات عملية لتحسين الاستقبال، وتطوير طريق المطار، وتجهيز المنطقة بصور تعكس التراث والثقافة اللبنانية.
"نفعل كل ما يمكن من الإصلاحات، من الاستقبال إلى طريق المطار إلى البنية التحتية... نعمل كفريق واحد لأن لا وزارة تستطيع أن تنجح منفردة"، توضح الوزيرة.
وتكشف هذه التصريحات عن مقاربة حكومية متكاملة تسعى إلى تحويل زيارة لبنان إلى تجربة جاذبة، خالية من المنغصات، وقادرة على منافسة الوجهات الإقليمية الأخرى.
الاستقرار الأمني ركيزة غير قابلة للمساومة
بعيدًا عن لغة السياحة الكلاسيكية، لم تتردد لحود في الربط بين الواقع الأمني والسياسي وبين مستقبل القطاع السياحي، مؤكدة أن السياحة المستدامة لا تُبنى على أرضية هشة.
"ملتزمون بالقرار 1701، وبأن يكون هناك جيش واحد... نعمل جاهدين لإعادة الثقة تدريجيًا لأن الإرادة موجودة"، شددت الوزيرة.
ويعد هذا التصريح بمثابة تطمين مباشر للمستثمرين والسياح العرب بأن السياحة في لبنان لن تكون رهينة التوترات الأمنية، بل مؤطرة ضمن مشروع وطني للاستقرار.
سياحة متعددة الفصول.. ومحاور متنوعة
خلافًا للتقليد اللبناني في حصر السياحة في موسمي الصيف والشتاء، كشفت الوزيرة عن استراتيجية تهدف إلى تمديد النشاط السياحي إلى كافة فصول السنة، واستغلال تنوع المناخ والتضاريس في لبنان.
ففي الربيع، تروج لحود للسياحة البيئية؛ وفي الخريف، تطرح إمكانية المزج بين الزراعة والبيئة؛ أما في الشتاء، فالثلوج تستقطب الهواة؛ وفي الصيف، يبقى البحر سيد المشهد.
"نحن نعمل على أن تمتد السياحة إلى كل الفصول، بل إلى كل المناطق"، تقول لحود، ما يعكس رؤية لا مركزية تهدف إلى إشراك الأطراف والمناطق المهمشة في عائدات القطاع.
السياحة الدينية والثقافية والطبية: موارد غير تقليدية للاستثمار
تميّزت مقابلة الوزيرة لحود أيضًا بتسليطها الضوء على أنماط سياحية بديلة، من أبرزها السياحة الدينية، التي ترى فيها فرصة فريدة للبنان بصفته دولة تلتقي فيها مختلف الأديان والثقافات.
"يوجد في لبنان دروب دينية جميلة، من قديشا إلى غيرها... هذا شيء خاص جدًا للبنان"، تقول، مؤكدة على مكانة البلاد كمحور للحوار الروحي.
من جهة أخرى، أشارت إلى السياحة الثقافية التي تشمل المتاحف والمهرجانات على مدار العام، بالإضافة إلى السياحة الطبية التي تعوّل على سمعة الأطباء اللبنانيين والكفاءات العلاجية، خصوصًا في التخصصات الدقيقة.
المطبخ اللبناني... مرآة لصمود قطاع الخدمات
رغم الأزمات الاقتصادية والمالية، بقي قطاع المطاعم في لبنان مثالًا للصمود، بحسب الوزيرة، التي قالت: "مررنا بأزمات عديدة، من كوفيد إلى الانهيار، ومع ذلك، هناك مطاعم جديدة تفتح باستمرار... الناس يأتون إلى لبنان فقط لتجربة الطعام".
هذا البعد يعكس دور المطبخ اللبناني كمحرّك اقتصادي خفي، يساهم في دعم قطاع الضيافة وخلق فرص عمل في ظل الانكماش.
الاستقبال... جوهر الهوية اللبنانية
لم تغفل لحود الحديث عن الرأسمال البشري، الذي اعتبرته الكنز الحقيقي للبنان، قائلة: "أعتقد أن أكبر ثروتنا هي اللبناني... لا يشبه أحد الآخر، لكنه يعرف كيف يستقبل ويحب أن يستقبل".
هذا الوعي بخصوصية الشعب اللبناني في التعامل مع الضيوف، يضيف إلى خطة الحكومة بعدًا وجدانيًا وإنسانيًا، يعزّز من جاذبية لبنان كمقصد لا يقدّم فقط المناظر، بل العلاقات.
السياحة كجسر اقتصادي وسياسي
من خلال تصريحاتها، رسمت وزيرة السياحة لورا الخازن لحود خريطة طريق تتجاوز الترويج السياحي إلى استراتيجية وطنية متكاملة، تتطلب استقرارًا أمنيًا، شراكة مؤسساتية، وتواصلًا فعّالًا مع العالم العربي.
وإذا ما أحسن تطبيق هذه الخطة، يمكن للبنان أن يحوّل السياحة من قطاع هش إلى قاطرة إنقاذ اقتصادي، ومن موسم صيفي إلى مشروع تنموي دائم.