معركة الرقائق.. واشنطن تعزز دفاعاتها التكنولوجية ضد بكين
13:07 - 05 مارس 2025
تتسابق القوى الكبرى لتعزيز قدراتها في مجال أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي، وذلك في خضم تنافس محموم على ريادة التكنولوجيا العالمية، إدراكًا منها بأن السيطرة على هذه الصناعات المتقدمة أضحت جزءاً لا يتجزأ من معادلات الأمن القومي والتفوق الاستراتيجي.
وسط هذا المشهد، تتكشف ملامح استثمارات ضخمة وسياسات طموحة ترسم ملامح المستقبل الرقمي. والاثنين، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، عن أن شركة TSMC التايوانية ستخصص 100 مليار دولار لدعم تصنيع الرقائق في الولايات المتحدة . ووصف الاستثمار بأنه "خطوة هائلة من جانب أقوى شركة في العالم".
وبحسب تقرير لشبكة "سي إن بي سي" الأميركية، فإن الاستثمارات الجديدة يرفع إجمالي استثمارات شركة TSMC في الولايات المتحدة إلى 165 مليار دولار، وسيذهب نحو بناء خمسة مرافق تصنيع جديدة في أريزونا.
وإعلان شركة TSMC، التي تزود شركات مثل Nvidia وApple بأشباه الموصلات لاستخدامها في الذكاء الاصطناعي، يدعم الجهود المستمرة لإدارة ترامب لجعل الولايات المتحدة مركزًا للذكاء الاصطناعي.
- في الشهر الماضي، أعلن ترامب عن مشروع البنية التحتية للذكاء الاصطناعي بمليارات الدولارات مع شركة أوراكل.
- كما دعا ترامب إلى إعادة إنتاج أشباه الموصلات إلى الولايات المتحدة بعد انتقال جزء كبير من صناعة التصنيع إلى الخارج.
- قال ترامب يوم الاثنين إن تعزيز إنتاج أشباه الموصلات في الولايات المتحدة هو مسألة تتعلق بالأمن الاقتصادي والوطني.
خطوة استراتيجية
من جانبه، يقول أستاذ علم الحاسوب وخبير الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا المعلومات في السيليكون فالي- كاليفورنيا، الدكتور حسين العمري، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن استثمار شركة TSMC لمبلغ 100 مليار دولار في الولايات المتحدة يُعد خطوة استراتيجية ضخمة لها تأثيرات بعيدة المدى على سوق الرقائق الإلكترونية والمنافسة مع الصين.
ويرصد أبرز الدلالات والتداعيات لهذا الاستثمار، مشيراً إلى اعتماد الولايات المتحدة بشكل كبير على أشباه الموصلات المصنعة في آسيا، وخاصةً من تايوان وكوريا الجنوبية، ومع إنشاء مصانع TSMC في أميركا فإن ذلك يقلل من الاعتماد على تايوان، مما يحد من المخاطر الجيوسياسية، خاصة في ظل التوترات المتزايدة بين الصين وتايوان. ويندرج هذا الاستثمار ضمن سياسة إعادة التصنيع المحلي التي تتبناها إدارة بايدن، خاصة مع قانون CHIPS Act الذي يدعم تصنيع الرقائق داخل أميركا.
ويشير في الوقت نفسه إلى أن:
- الولايات المتحدة تسعى لقطع وصول الصين إلى التقنيات المتقدمة في أشباه الموصلات.
- من خلال تصنيع الرقائق المتقدمة داخل أميركا، يمكن لواشنطن التحكم في الصادرات ومنع الشركات الصينية مثل SMIC من الوصول إلى أحدث التكنولوجيا.
- هذا الاستثمار يعزز قدرة أميركا على فرض قيود تقنية على الصين من خلال التحكم في سلاسل التوريد.
ويوضح أن الصين تعمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي في صناعة الرقائق، لكنها لا تزال متأخرة في تقنيات 5 نانومتر وما دون، مشدداً على أن توسع TSMC في الولايات المتحدة يعني أن الصين قد تجد نفسها في وضع أصعب في الوصول إلى الشرائح المتقدمة المستخدمة في الذكاء الاصطناعي، الحوسبة المتقدمة، والأسلحة الذكية.
كما يتحدث عن التأثير المحتمل لهذا الاستثمار على السوق العالمية وأرباح الشركات، قائلاً:
- دخول TSMC بقوة إلى السوق الأميركية سيجعلها شريكاً أساسياً للشركات الأميركية الكبرى مثل Apple، NVIDIA، AMD، وQualcomm
- من المحتمل أن يخلق هذا استثمارات متزايدة في مصانع التصنيع داخل أميركا، مما يقلل من تكاليف النقل ويزيد من سرعة التوريد.
- الشركات الصينية مثل Huawei وSMIC قد تواجه تحديات إضافية في الحصول على رقائق متطورة، مما يدفعها لتطوير بدائل محلية بتكلفة أعلى.
ويقول العمري إن المنافسة القادمة ستكون حول الرقائق المتقدمة (مثل 2 نانومتر وأقل)، والولايات المتحدة تسعى لأن تبقى متقدمة على الصين في هذا المجال، لافتاً إلى أن استثمار TSMC قد يجذب المزيد من الاستثمارات في البحث والتطوير داخل أميركا، مما يضع ضغطاً إضافياً على الصين لتسريع تطوير قدراتها التصنيعية.
ويستخلص من ذلك أن استثمار TSMC في الولايات المتحدة هو خطوة جيوسياسية بقدر ما هو خطوة اقتصادية، تهدف إلى:
- تقليل الاعتماد على تايوان في أشباه الموصلات.
- تعزيز استقلال أميركا التكنولوجي وتطوير صناعة الرقائق داخلياً.
- إبطاء تقدم الصين في الرقائق المتقدمة وإبقائها خارج سباق التكنولوجيا المتقدمة.
- إعادة تشكيل سلسلة التوريد العالمية لصالح الشركات الأميركية.
- تقليل المخاطر الجيوسياسية في حال حدوث توترات بين الصين وتايوان.
اتهامات ترامب
واتهم ترامب تايوان مراراً وتكراراً بسرقة أعمال تصنيع الرقائق الأميركية وروج لرسوم جمركية على واردات أشباه الموصلات.
ونقلت الشبكة الأميركية عن المدير المالي للشركة التايوانية، ويندل هوانج، قوله إنه واثق من أن إدارة البيت الأبيض الجديدة ستواصل تمويل طموحات الشركة في الولايات المتحدة .
- قطعت شركة TSMC بالفعل خطوات واسعة لتوسيع نطاق وجودها في الولايات المتحدة قبل إعلان يوم الاثنين.
- تعهدت الشركة باستثمار 12 مليار دولار في العام 2020 لبناء أول مصنع لها للرقائق في الولايات المتحدة في أريزونا، ثم رفعت هذا الاستثمار لاحقًا إلى 65 مليار دولار مع مصنع ثالث.
- كما حصلت على دعم من الحكومة الأميركية من خلال إعانة بقيمة 6.6 مليار دولار من وزارة التجارة الأميركية.
وقال متحدث باسم شركة إنفيديا إن الشركة المصنعة للرقائق "ستستخدم بشكل كامل شبكة التصنيع العالمية لشركة TSMC لتعزيز مرونة التوريد لدينا وقدرتنا على الصمود".
استثمارات كبيرة
وإلى ذلك، يقول الخبير التكنولوجي محمد الحارثي، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن:
- الفترة المقبل ستشهد ضخ استثمارات كبيرة في قطاع الرقائق الإلكترونية، لا سيما في ظل التنافس الشرس بين الولايات المتحدة الأميركية والصين.
- الصين تبحث عن بدائل لتصنيع الرقائق الإلكترونية، خاصة في ظل الضغوط الأمريكية المتزايدة على الشركات الصينية.
- هناك توجه نحو تطوير المعالجات الكمّية والحواسيب الكمّية، وهو مجال استثماري مهم في المرحلة المقبلة.
- نقص الموارد الأساسية لإنتاج الرقائق الإلكترونية يشكّل تحدياً كبيراً للصناعات الداعمة لهذا القطاع، مما يدفع الصين إلى محاولة الحفاظ على حصتها السوقية الكبيرة.
أما على الجانب الأميركي، يشير الحارثي إلى أن واشنطن تمارس ضغوطًا على الشركات الصينية، من خلال التلويح بفرض ضرائب ورسوم مالية على الواردات الصينية، بهدف منح ميزة تنافسية للشركات الأمريكية في مجال التصنيع.
كما يوضح أن الولايات المتحدة تبحث عن مصادر جديدة للمعادن الأساسية المستخدمة في صناعة الرقائق الإلكترونية، ومن بينها اتفاق المعادن المنتظر مع أوكرانيا، حيث تلعب المعادن دورًا رئيسيًا في هذه الصناعة، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
كما يؤكد أن المنافسة في مجال الرقائق الإلكترونية تعد جزءًا من التنافس الأوسع بين الولايات المتحدة والصين في قطاع التكنولوجيا، حيث تسعى واشنطن إلى جذب الاستثمارات في هذا المجال، نظراً لأهميته في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وأضاف أن هذا الملف يحظى باهتمام كبير من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، نظراً لدوره الاستراتيجي في الاقتصاد الأميركي.