بين التحديات والفرص.. كيف ترى "غورغييفا" مستقبل المنطقة؟
12:11 - 11 فبراير 2025مع عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تثار تساؤلات حول مستقبل السياسات الاقتصادية الأميركية وانعكاساتها على اقتصادات الشرق الأوسط. فقد كان ترامب معروفاً بسياساته الحمائية التي أدت إلى اضطرابات في سلاسل التوريد العالمية، وفرض رسوم جمركية على العديد من الدول، ما أثّر بشكل مباشر على الاقتصادات الناشئة والمعتمدة على التجارة الدولية.
وفي ظل هذه التحولات، حذرت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغييفا، من تحديات تواجه اقتصادات المنطقة، مشيرة في مقابلة مع "سكاي نيوز عربية" إلى أن "التجارة لم تعد محركاً قوياً للنمو كما كانت في التسعينيات"، وهو ما يستدعي من الدول إعادة النظر في سياساتها الاقتصادية.
جاء ذلك على هامش أعمال "المنتدى التاسع للمالية العامة في الدول العربية"، الذي تنظمه وزارة المالية الإماراتية بالتعاون مع صندوق النقد العربي وصندوق النقد الدولي، وذلك ضمن اليوم التمهيدي للقمة العالمية للحكومات 2025، في دبي، بمشاركة وزراء مالية عرب وخبراء اقتصاديين ومسؤولين من مؤسسات مالية دولية وإقليمية.
تباطؤ الإنتاجية وتأثيره على النمو
أكدت غورغييفا لسكاي نيوز عربية، أن هناك "تباطؤاً مقلقاً في الإنتاجية" بالمنطقة، حيث انخفضت معدلات النمو المستدامة مقارنة بفترة ما قبل وباء كورونا. وعلى الرغم من أن النمو الاقتصادي الإقليمي يفوق المعدل العالمي البالغ 3.3 بالمئة ليصل إلى 3.6 بالمئة، إلا أنه لا يزال أدنى من المتوسطات التاريخية.
وأضافت غورغييفا: "يجب أن تستمر المنطقة في السعي لتحقيق النمو القائم على الإنتاجية بقيادة القطاع الخاص"، مشددة على أن الإصلاحات الهيكلية وتعزيز بيئة الاستثمار هما المفتاح لمواجهة التحديات الاقتصادية، لا سيما في ظل التغيرات المحتملة في السياسة التجارية الأميركية إذا عاد ترامب إلى الحكم.
انعكاسات سياسات ترامب على اقتصادات المنطقة
شهدت سياسات ترامب خلال فترته الرئاسية الأولى فرض قيود تجارية على العديد من الدول، مما أدى إلى إعادة تشكيل خريطة التجارة العالمية. ومع عودته للبيت الأبيض فمن المتوقع بشكل كبير أن يعيد تطبيق سياسات الحماية الاقتصادية، الأمر الذي قد ينعكس سلباً على الاقتصادات المعتمدة على التصدير، بما في ذلك اقتصادات الشرق الأوسط.
وتشير غورغييفا إلى أن الدول في المنطقة تحتاج إلى "تكييف أهداف سياساتها الاقتصادية" في ظل التغيرات الجيوسياسية والاقتصادية، مشيرة إلى أن الحل يكمن في "تعميق التعاون الإقليمي"، حيث يعدّ مجلس التعاون الخليجي مثالاً جيداً على ذلك.
التأثيرات المحتملة على لبنان ومصر وسوريا
وبالحديث عن لبنان، أشادت غورغييفا بتشكيل حكومة لبنانية جديدة، معتبرة أن ذلك يمثل خطوة إيجابية نحو الإصلاح الاقتصادي.
وقالت: "لدينا اتفاق على مستوى الموظفين مع لبنان منذ ثلاث سنوات تقريباً، ولم نتمكن من المضي قدماً نحو تنفيذه بسبب الشلل السياسي، لكننا الآن متفائلون جداً بوجود جهة يمكننا التحدث معها".
وأكدت أن الصندوق على استعداد لدعم لبنان بسرعة، مشيرة إلى أن التحدي الرئيسي يتمثل في ضرورة "رؤية مصرف لبنان يعمل كبنك مركزي بانضباط"، إضافة إلى أهمية "وجود ميزانية تحظى بتأييد سياسي".
الاقتصاد المصري
فيما يتعلق بمصر، أعلنت غورغييفا أن صندوق النقد الدولي يقترح تقديم دعم بقيمة 1.3 مليار دولار ضمن برنامج "الصلابة والاستدامة"، مشيرة إلى أن الهدف من هذا البرنامج هو مساعدة البلاد في مواجهة التحديات الاقتصادية، خاصة بعد انخفاض عائدات قناة السويس بسبب التوترات الإقليمية.
وقالت: "نحن مرتاحون لحزمة الإصلاحات التي تم إجراؤها في مصر، ونتوقع أن يحظى هذا البرنامج بموافقة مجلس الإدارة قريباً".
سوريا
أما بالنسبة لسوريا، فقد أكدت غورغييفا أن صندوق النقد الدولي لم يتعامل مع البلاد منذ عام 2009، مشيرة إلى الحاجة إلى "إعادة الانخراط" مع الاقتصاد السوري.
وقالت: "نحن منفتحون جداً لنرى كيف يمكننا مساعدة سوريا، ونتطلع إلى الاستماع لآراء جيرانها لبناء إطار لدعمها".
المخاوف الأمنية وأثرها على الاستقرار الاقتصادي
أكدت غورغييفا أن الصراعات في المنطقة تلعب دوراً كبيراً في تشكيل مستقبلها الاقتصادي، حيث قالت: "نأمل أن يؤدي اتفاق وقف إطلاق النار والطريق إلى السلام في غزة إلى تهدئة الأوضاع، بما يعود بالنفع على الجميع، وبما يعود بالنفع على مصر أيضاً".
وأشارت إلى أن تحسن الأوضاع الأمنية في المنطقة سينعكس إيجاباً على النمو الاقتصادي، مضيفة: "حتى في توقعاتنا، فإن انخفاض المخاوف الأمنية يترجم إلى نظرة أكثر إيجابية، وهذا ينطبق على المنطقة بأكملها".
ما الذي ينتظر اقتصادات المنطقة؟
بينما تواصل دول الشرق الأوسط تنفيذ إصلاحاتها الاقتصادية، فإن التحديات المستقبلية مرتبطة بشكل كبير بالتحولات السياسية العالمية، وخاصة ما إذا كان ترامب سيعود إلى البيت الأبيض بسياساته الحمائية التي قد تفرض ضغوطاً إضافية على اقتصادات المنطقة.
وفي ظل هذه التغيرات، تؤكد غورغييفا على أهمية "تنويع الاقتصاد، وتعزيز الإنتاجية، وتعميق التعاون الإقليمي"، كأدوات أساسية لضمان الاستقرار الاقتصادي في مواجهة التحديات القادمة.