هل يعيد DeepSeek أوروبا إلى ساحة الذكاء الاصطناعي؟
15:01 - 03 فبراير 2025خطف روبوت المحادثات الصيني DeepSeek الأضواء خلال الأيام الماضية، بسبب قدرته على تقديم أداء عال بتكلفة منخفضة للغاية، الأمر الذي أثار الدهشة في عالم التكنولوجيا.
فقد أثبت DeepSeek أن التفوق في سباق الذكاء الاصطناعي، لا يعتمد فقط على الإنفاق الضخم، بل يمكن تحقيقه بأساليب مبتكرة وبتكاليف أقل من تلك التي تعتمدها شركات التكنولوجيا الأميركية.
ورغم أن DeepSeek مثّل انتصاراً لبكين في سباق الذكاء الاصطناعي أمام واشنطن، إلا أنه أعاد أيضاً الأمل لأوروبا بإمكانية المنافسة، بعدما بدا أن أميركا قد حسمت التفوق لصالحها في هذا المجال، مع إعلانها الأسبوع الماضي عن مشروع "ستارغيت" الذي يهدف إلى تخصيص 500 مليار دولار لإنشاء بنية تحتية للذكاء الاصطناعي في البلاد.
وظهور DeepSeek بيّن أن النجاح في مجال الذكاء الاصطناعي لا يتطلب إنفاق مبالغ طائلة أو الاعتماد على رقائق فائقة القوة، وهي جوانب تتمتع فيها الولايات المتحدة بأفضلية واضحة، فإنشاء وتطوير روبوت DeepSeek لم يكلف سوى نحو 5.6 مليون دولار بحسب مُطوريه، فيما تجاوزت كُلفة إنشاء روبوت ChatGPT الأميركي حاجز الـ 100 مليون دولار.
أمل جديد لأوروبا
وبحسب تقرير أعدته "وكالة فرانس برس" واطلع عليه موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، يقول نيل لورانس، أستاذ التعلم الآلي في جامعة كامبريدج البريطانية، إن نموذج DeepSeek يسخر من فكرة أن العالم بحاجة إلى تريليون دولار لتدريب البرامج على الذكاء الاصطناعي العام، مشيراً إلى أن "التغيير الصغير في الوصفة" الذي قام به DeepSeek يعطي "لمحة عن الابتكار" في المستقبل، وهذا الأمر مشجع للغاية بالنسبة لأوروبا التي لديها بعض أقوى الباحثين التقنيين في العالم.
وأكد لورانس أنه على أوروبا أن تفهم أين تكمن قوتها، فهي لا تحتاج إلى مبالغ ضخمة، بل إلى أشخاص يستمعون إلى الناس في بلدانهم وقاراتهم، وليس إلى أحدث الروايات التي يقدمها رئيس شركة OpenAI سام ألتمان.
DeepSeek خبر جيد لأوروبا
بدوره يرى لوران دوديه، الرئيس التنفيذي لشركة الذكاء الاصطناعي الفرنسية LightOn، أنه من المثير للاهتمام بالنسبة لأوروبا، أن ترى أنها ليست بحاجة إلى مشروع "ستارغيت" للقيام بشيء ملفت للانتباه، فالابتكار لا يحتاج إلى 500 مليار دولار، لافتاً إلى أن DeepSeek وعد بالقدرة على إنشاء نماذج أكثر كفاءة وأقل حاجة لوحدات معالجة الرسومات، والطاقة، والنقد، ما يعني المزيد من الأدوات الملائمة للأسواق المحلية والشركات الفردية بدلاً من نموذج مركزي يعتمد على موارد هائلة.
أما نيكولاس جوديميت، رئيس قسم الذكاء الاصطناعي في شركة الاستشارات Onepoint، فيعتقد أن ما حصل يُظهر أن المنافسة قوية جداً وأنه ستكون هناك حرب أسعار، وهذا خبر جيد للمتنافسين الأوروبيين، مشيراً إلى أن الشركات الأوروبية تملك "بطاقة قوة" يمكن لها أن تستخدمها وهي الأمان وضمان أنَّ البيانات ستبقى في أوروبا ويتم التعامل معها من قبل أشخاص تكون قراراتهم ومصالحهم مرتبطة بالقارة.
أوروبا تخلّصت من نقطة ضعف
يقول المحلل والكاتب المختص بالذكاء الاصطناعي ألان القارح، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن أوروبا كانت تعاني من ضعف ملحوظ في عالم الذكاء الاصطناعي، مقارنةً بكل من الولايات المتحدة والصين، ويعود ذلك لعدة أسباب رئيسية، تمثلت أولاً، بأن القارة كانت تواجه صعوبة في ضخ رأس المال اللازم لتطوير هذه التكنولوجيا، وثانياً، واجهت أوروبا تحديات في جذب المواهب المتخصصة في مجال الذكاء الاصطناعي، إذ يتوجه العديد من الباحثين والشركات الناشئة إلى دول مثل الولايات المتحدة والصين، حيث تتوفر فرص أكبر للإبداع والنمو، مشيراً إلى أن ظهور DeepSeek فتح الباب أمام الشركات الأوروبية، التي لم تتلقّ استثمارات بمليارات الدولارات، لتحقيق إنجازات كبيرة بميزانيات محدودة، ويمكن القول إن نقطة الضعف هذه، تخلصت منها أوروبا بفضل ما حققته الشركة الصينية.
تغيير قواعد اللعبة
واعتبر القارح أن ما نشهده الآن لحظة فاصلة في عالم الذكاء الاصطناعي، في حال صحت ادّعاءات شركة DeepSeek، فبدلاً من التركيز على بناء نماذج ذكاء اصطناعي كبيرة، تتطلب موارد حوسبة ضخمة مثل ChatGPT، يمكن للشركات الآن تطوير نماذج مفتوحة المصدر، تُركز على قدرات التفكير والاستنتاج، فالنماذج الجديدة تعتمد على تقسيم المشكلات إلى أجزاء لمعالجتها بفعالية عالية، وهذه العملية تتطلب قدراً كبيراً من التدريب الإضافي لضمان وصول الذكاء الاصطناعي، إلى الإجابة الصحيحة التي تضاهي أكثر الأنظمة تطوراً من OpenAI وغوغل، مؤكداً أن هذا التغيير، يمنح أوروبا فرصة للتطور بشكل جاد في مجال الذكاء الاصطناعي حتى لو لم تكن لديها موارد مالية وقدرات حوسبة ضخمة.
غموض يستدعي الحذر
وشدد القارح على وجود نقطة خفية فيما قدمته DeepSeek، ولذلك يجب الحذر قبل التوصل إلى استنتاجات نهائية، فالمعلومات التي وفرتها الشركة الصينية غامضة نسبياً، وجميع التحليلات في العالم تستند إلى البيانات التي نشرتها الشركة نفسها، لافتاً إلى أن DeepSeek ذكرت أن تكلفة تطوير روبوتها بلغت نحو 6 ملايين دولار، إلا أن التكلفة الحقيقية لا تزال غير معروفة بدقة، معتبراً أنه ينبغي الانتظار لمعرفة ما إذا كان DeepSeek قد تم تدريبه على يد روبوتات أخرى لشركات منافسة، وهو الأمر الذي سيُعقد المشهد، ولكن مع ذلك، وبغض النظر عن طريقة تصميم DeepSeek، فإن تبنّي نهج أكثر انفتاحاً في تطوير الذكاء الاصطناعي سيشهد انتشاراً متزايداً في المرحلة المقبلة.
فرصة على مقاس أوروبا
من جهته يقول المطور التقني فادي حيمور، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن نجاح DeepSeek يعزز من ثقة الشركات الأوروبية بقدرتها على المنافسة، خاصة في ظل بيئة سوقية كان يُعتقد سابقاً أنها محصورة على اللاعبين الكبار أصحاب التمويلات الهائلة، لافتاً إلى أن الاختراق الهندسي الذي حققه DeepSeek يعتبر فرصة على مقاس أوروبا، فهو يتماشى مع القدرات المالية والنهج الذي تتبعه القارة العجوز القائم على الابتكار من خلال البحث والتطوير، مما يمنحها فرصة حقيقية لتقليص الفجوة مع الولايات المتحدة والصين.
ويؤكد حيمور أن نجاح روبوت المحادثة الصيني DeepSeek يمنح أوروبا دفعة استراتيجية في تطوير ذكاء اصطناعي أكثر أماناً وموثوقية، فمع تزايد القلق العالمي بشأن خصوصية البيانات والسيادة الرقمية، تمتلك أوروبا فرصة لجذب الاطراف، التي تسعى إلى تفادي الاعتماد على البنى التحتية الأميركية أو الصينية، ولكن ذلك يتوقف على مدى امكانية تحقيقها لاختراقات في تطوير الذكاء الاصطناعي، تماماً كما تفعل أميركا والصين مؤخراً.