الصين تستعد لحقبة ما بعد إنفيديا
08:07 - 30 مايو 2025
ذكرت صحيفة فاينانشال تايمز أن أكبر شركات التكنولوجيا في الصين بدأت عملية للتحول إلى الرقائق المصنعة محليا في ظل تناقص المخزون من معالجات إنفيديا وتشديد قيود التصدير الأميركية.
ونقل التقرير عن مسؤولين تنفيذيين في القطاع أن شركات علي بابا وتنسنت وبايدو من بين الشركات التي بدأت اختبار أشباه موصلات بديلة لتلبية تنامي الطلب المحلي على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.
وقد اضطرت هذه الشركات إلى تعزيز خطط الطوارئ، بعد أن دفع تصاعد التوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة إدارة دونالد ترامب الشهر الماضي إلى تشديد القيود على بيع رقاقة "إنفيديا H20"، وهي نسخة مخففة صُممت لتتوافق مع قيود التصدير التي فرضت في عهد جو بايدن.
وأدى تشديد هذه القيود إلى زيادة الضغط على شركات التكنولوجيا الصينية، إذ أن مخزونها الحالي من رقائق إنفيديا لا يكفي لتلبية احتياجات تطوير الذكاء الاصطناعي سوى حتى أوائل العام المقبل، بحسب ما نقلت الصحيفة عن مصادر.
وعادةً ما تستغرق طلبيات الرقائق الجديدة من ثلاثة إلى ستة أشهر للوصول، كما لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت إنفيديا قادرة على تقديم معالج جديد للصين يفي بقيود ترامب الأشد ويظل منافساً للمنتجات المحلية.
وقال "شين دو"، رئيس قسم الحوسبة السحابية للذكاء الاصطناعي في "بايدو"، الأسبوع الماضي إن الشركة يمكنها الاختيار من بين مجموعة من الخيارات البديلة للرقائق الذكية، خصوصاً تلك المرتبطة بعمليات الاستدلال، وهي مرحلة من الذكاء الاصطناعي مخصصة لحل المشكلات.
وعمليات الاستدلال (Inference) في مجال الذكاء الاصطناعي، خصوصًا في تعلم الآلة (Machine Learning) والتعلم العميق (Deep Learning)، تعني: المرحلة التي يتم فيها استخدام النموذج المدرب مسبقًا لاتخاذ قرارات أو تقديم تنبؤات على بيانات جديدة.
وأضاف: "نعتقد أنه مع مرور الوقت، ستشكّل الرقائق الذكية المطورة محليا، إلى جانب حزم البرمجيات المحلية عالية الكفاءة، أساساً قوياً للابتكار طويل الأمد في منظومة الذكاء الاصطناعي في الصين".
من جانبه، قال "إيدي وو"، الرئيس التنفيذي لشركة "علي بابا"، في مكالمة إعلان الأرباح مطلع هذا الشهر: "نحن نستكشف بفاعلية حلولاً متنوعة لتلبية الطلب المتزايد من العملاء".
أما "مارتن لاو"، رئيس "تينسنت"، فقال في مكالمة أرباح أخرى إن شركته تحاول استخدام الرقائق بشكل أكثر كفاءة، مع دراسة منتجات بديلة.
وأضاف: "لدينا ما يكفي من الرقائق المتقدمة لمواصلة تدريب نماذجنا لعدة أجيال مقبلة"، مشيراً إلى أن "تينسنت" قد "تستخدم رقائق أخرى" لتلبية احتياجات عمليات الاستدلال المتزايدة.
وفي سياق متصل، قالت مؤسسة فكرية تابعة لوزارة الأمن الصينية هذا الشهر إن القيود الأميركية على التصدير كانت مؤلمة، لكنها "أشعلت موجة من الابتكار المحلي المستقل في مجال رقائق الذكاء الاصطناعي المتقدمة"، مشيرة إلى سلسلة رقائق "أسيند" من "هواوي" كمثال رئيسي.
وأضافت مؤسسة "المعاهد الصينية للعلاقات الدولية المعاصرة" في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي: "بدأت الكيانات المحلية في الصين بالفعل في شراء واستخدام رقائق أسيند على نطاق واسع".
حتى الآن، كانت الشركات المملوكة للدولة مثل "تشاينا موبايل" والجهات العاملة في الصناعات الحساسة مثل الدفاع والرعاية الصحية والتمويل، هي أبرز مشتري رقائق "هواوي". أما الآن، فيُتوقع أن تتنافس مجموعة أوسع بكثير من شركات التكنولوجيا الصينية على هذه الرقائق التي تمثل رمزاً وطنياً.
وقدّر محللو شركة GF Securities أن شركة إنفيديا قد تبدأ إنتاج رقائقها الجديدة المخصصة للتصدير إلى الصين والمطابقة للقيود الأميركية في أوائل يوليو.
لكن وفقًا لتقريرهم، فإن المعالج الجديد، رغم أنه يستند إلى منتج Blackwell المتطور من إنفيديا، لن يحتوي على ذاكرة HBM ذات النطاق الترددي العالي، وهي عنصر أساسي لمعالجة كميات ضخمة من البيانات بسرعة.
ولا تزال بعض التفاصيل الأساسية غير واضحة، مثل ما إذا كانت المعالجات الجديدة ستحتوي على تقنية NVLink للربط السريع التي تطورها إنفيديا.
وفي مكالمة أرباح للمحللين الأربعاء، قال الرئيس التنفيذي لإنفيديا، جينسن هوانغ، إن خيارات الشركة محدودة أثناء تفكيرها في تصميم منتج جديد مخصص للصين، مضيفًا: "ليس لدينا شيء في الوقت الحالي."
وتواجه الشركات التكنولوجية الصينية تكاليف كبيرة في حال قررت التحوّل إلى بدائل محلية بدلاً من رقائق إنفيديا. إذ يُعدّ "نقل" كود التدريب المُطوّر في الأصل باستخدام إطار CUDA التابع لإنفيديا إلى منصة CANN الخاصة بهواوي مهمة تقنية معقدة تتطلب وقتاً وجهداً كبيرين. إذ لا يقتصر الأمر على مجرد تعديل سطحي، بل يستدعي دعماً فنياً مباشراً من مهندسي هواوي لتجاوز المشكلات البرمجية، وتصحيح الأخطاء، وتحسين الأداء بما يتناسب مع البنية المختلفة لمعالجات الشركة. هذه العملية تُشكّل تحدياً حقيقياً أمام شركات التكنولوجيا الصينية التي تفكّر في التحول نحو البدائل المحلية، في ظل القيود المتزايدة على استخدام معالجات إنفيديا.
ووفقًا لأحد كبار التنفيذيين في شركة تكنولوجيا صينية رائدة، فإن التحوّل إلى رقائق هواوي قد يؤدي إلى تعطيل تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي لمدة تقارب الثلاثة أشهر.
وتدرس معظم الشركات اتباع نهج هجين، حيث يستمر تشغيل نماذج تدريب الذكاء الاصطناعي على رقائق إنفيديا الحالية، بينما تُستخدم المعالجات المحلية في عمليات الاستدلال (Inference)، حيث تتزايد الحاجة إليها نتيجة التوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي داخل الصين.
وفي الوقت الذي تسعى فيه هواوي إلى زيادة طاقتها الإنتاجية لدى شركائها، وتعمل على إطلاق مصنع تصنيع رقائق خاص بها، إلا أن العرض الحالي لا يزال دون مستوى الطلب.
كما تقوم شركات التكنولوجيا الكبرى باختبار رقائق أخرى من شركات صينية مثل Cambricon وHygon، في حين تواصل شركتا بيدو وعلي بابا تطوير رقائقهما الخاصة لمواكبة الطلب المتزايد.