شركات التكنولوجيا.. أسباب تدعو للتفاؤل بعد ظهور "ديبسيك"
14:03 - 30 يناير 2025يشهد قطاع الذكاء الاصطناعي تطورات متسارعة تعيد رسم خريطة المنافسة العالمية، مع دخول لاعبين جدد يسعون لكسر هيمنة الشركات الكبرى.
أحدث هذه التحولات جاء من DeepSeek، الشركة الصينية الناشئة التي أعلنت عن نموذج ذكاء اصطناعي متقدم بتكلفة أقل، ما أثار جدلًا واسعًا حول مستقبل القطاع.
الإعلان عن هذا الابتكار لم يمر دون تداعيات، إذ شهدت أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى، وعلى رأسها إنفيديا، تراجعاً حاداً في بداية الأسبوع بعد الصدمة الأولى، وسط مخاوف من تحول موازين القوى. في المقابل، يرى بعض المستثمرين والخبراء أن هذا التطور قد يكون إيجابياً على المدى الطويل، حيث يسهم في تعزيز الابتكار وخفض تكاليف التقنية، مما قد يؤدي إلى توسع انتشار الذكاء الاصطناعي عالمياً.
التساؤلات حول مستقبل الذكاء الاصطناعي باتت أكثر إلحاحاً، فهل يشهد العالم إعادة توزيع لنفوذ التكنولوجيا بين الشرق والغرب؟ أم أن هذه التحديات لن تعيق التفوق الأميركي في هذا المجال؟
اتجاه صعودي
في هذا السياق، يقول مدير صندوق التحوط، الملياردير ستيف كوهين، إن الظهور السريع لمجموعة الذكاء الاصطناعي الصينية DeepSeek أمر "دافع" للقطاع، وألقى باللوم في هبوط أسهم التكنولوجيا الاثنين الماضي على "المعلومات المضللة".
في مؤتمر لصناديق التحوط في ميامي، أضاف: "وجهة نظرنا هي أن ما حدث مع DeepSeek هو في الواقع أمر صعودي لأنه يعزز التحرك نحو الذكاء الاصطناعي الفائق، وهذا قادم ويأتي بسرعة"، في إشارة إلى نماذج الذكاء الاصطناعي التي قد يكون لها في يوم من الأيام تفكير إدراكي أفضل من البشر.
أطلق صندوق التحوط التابع له Point72 مؤخراً استراتيجية جديدة تركز على تداول أصول الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك الأجهزة مثل أشباه الموصلات. وقال كوهين إن الاستراتيجية، التي أطلق عليها اسم Turion Fund، جمعت حوالي 1.5 مليار دولار، بحسب تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية.
وفي مؤتمر Global Alts في ميامي، أضاف كوهين: "هناك الكثير من الناس الذين يتحدثون ولم يقوموا بالعمل، ويمكنهم تضليل المستثمرين ويمكنهم تضليل الجمهور وقد رأينا القليل من ذلك يوم الاثنين".
وتجاهل مدير صندوق التحوط البارز إلى حد كبير هزيمة السوق يوم الاثنين، والتي تضمنت انخفاض سهم إنفيديا - التي تعتبر على نطاق واسع رائدة أسهم الذكاء الاصطناعي - بنحو 17 بالمئة.
وقد تسبب نموذج جديد كشفت عنه شركة DeepSeek، التي ادعت أنها حققت اختراقاً تكنولوجياً تكلف تطويره أقل كثيراً من النماذج التي صممتها الشركات المنافسة في الولايات المتحدة، في صدمة بالأسواق.
وقال كوهين إن وجهة نظره بشأن الذكاء الاصطناعي وتأثيره على السوق مختلفة على المدى الأبعد. فبدلاً من التركيز على تحركات الأسهم هذا الأسبوع، قال إن الذكاء الاصطناعي يمثل "تحولاً هائلاً" وسيؤثر على "الجميع، وكيفية إدارة حياتهم وكيفية ممارستهم للأعمال.
وتابع: "ستكون هناك لحظات حيث سيشكك الناس في الأمر كما حدث بالأمس وهناك الكثير من الناس الذين يمتلكون هذه الأسهم والذين ربما لا يعرفون ماذا يمتلكون ولماذا يمتلكونها".
تحدي "الهيمنة الأميركية"
وبحسب الاستاذ ورئيس قسم تكنولوجيا المعلومات والتحليلات بكلية كوغود لإدارة الأعمال بالجامعة الأميركية، الدكتور جوانهو لي، في حديث خاص مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، فإن ظهور DeepSeek ونموذجه الأكثر تكلفة يؤدي إلى "ديمقراطية تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي"، والتي قد يكون لها آثار عميقة على المنافسة العالمية والابتكار.
من خلال تقديم نماذج لغوية كبيرة عالية الجودة بتكلفة أقل، تعمل DeepSeek على خفض حواجز الدخول للشركات والباحثين، وخاصة في الاقتصادات النامية، وفق لي الذي يشير إلى أن شركات التكنولوجيا الكبرى مثل OpenAI وAnthropic وGoogle تهيمن على نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية، ولكن هذا المشهد التنافسي قد يتغير بسبب نماذج أقل تكلفة.
يعزز نهج المصدر المفتوح لـ DeepSeek التعاون والابتكار داخل مجتمع الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، فإن هذا يثير أيضًا تساؤلات حول الحوكمة، وخاصة حول الاستخدام المسؤول لمثل هذه التقنيات القوية.
وفي سياق متصل، عن التأثير الذي قد تخلفه الشركات الناشئة الصينية الصاعدة في مجال الذكاء الاصطناعي على هيمنة الولايات المتحدة في هذا القطاع، يقول جوانهو لي -الذي عمل مستشاراً للبنك الدولي وشركة سامسونغ بشأن الاستراتيجية الرقمية- إن "الشركات الناشئة الصينية في مجال الذكاء الاصطناعي مثل DeepSeek لا شك أنها تتحدى الهيمنة التقليدية للشركات الأميركية في مجال الذكاء الاصطناعي".
تقود هذه الشركات الناشئة المنافسة في التكلفة والحجم والأداء. وقد تؤدي هذه المنافسة الديناميكية إلى إعادة توزيع عالمية لنفوذ الذكاء الاصطناعي، وتشجيع الابتكار بشكل أسرع وخفض التكاليف في جميع أنحاء العالم.
وحول تأثير ذلك على سياسات ومشاريع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مجال الذكاء الاصطناعي، وخاصة مشروع "ستارغيت"، يشدد على أن التفاعل مع مبادرات مثل مشروع "ستارغيت" مثير للاهتمام بشكل خاص "وفي رأيي، سيستمر المشروع في التركيز على تطوير قدرات الذكاء الاصطناعي الأميركية وقد يستفيد بالفعل من توافر نماذج الذكاء الاصطناعي الأقل تكلفة".
هل تنفجر فقاعة الذكاء الاصطناعي؟
وفي سياق متصل ضمن تحليله لآثار العاصفة التي خلفها بروز تطبيق الشركة الصينية الناشئة، يعتقد الاستاذ ورئيس قسم تكنولوجيا المعلومات والتحليلات بكلية كوغود لإدارة الأعمال بالجامعة الأميركية، بأن بعض شركات الذكاء الاصطناعي مبالغ في قيمتها وأن الفقاعات ستنفجر في المستقبل، ومع ذلك، فإن العديد من شركات الذكاء الاصطناعي مدعومة بتقنيات تحويلية ذات إمكانات طويلة الأجل لإحداث ثورة في الصناعات "لذا، فأنا متفائل نسبياً بشأن شركات الذكاء الاصطناعي الرائدة هذه".
ويلفت إلى أن "مفتاح تجنب الفقاعة يكمن في التركيز على خلق القيمة؛ فالشركات التي تقدم قيمة تجارية ملموسة في وقت أقرب من المتوقع تكون أكثر قدرة على تحمل تصحيحات السوق".
أسباب تدعو للتفاؤل
من جانبه، يرى الرئيس التنفيذي السابق لشركة إنتل بات جيلسينجر ثلاثة أسباب للتفاؤل بعد الظهور المذهل لشركة DeepSeek الصينية الناشئة.
وكتب عبر صفحته على منصة "إكس": إن من الحكمة تعلم الدروس التي ظننا أننا نعرفها بالفعل.. يذكرنا DeepSeek بثلاثة دروس مهمة من تاريخ الحوسبة:
- الحوسبة تخضع لقانون الغاز: إن جعلها أرخص بشكل كبير سيؤدي إلى توسيع السوق لها.. لقد أخطأت الأسواق في فهم الأمر.. وهذا سيجعل الذكاء الاصطناعي منتشرًا على نطاق أوسع.
- الهندسة تدور حول القيود: كانت موارد المهندسين الصينيين (في ظل التشديدات الأميركية) محدودة، وكان عليهم إيجاد حلول مبتكرة.
- الانفتاح: سيساعد DeepSeek في إعادة ضبط العالم المغلق بشكل متزايد لعمل نموذج الذكاء الاصطناعي التأسيسي. شكرا لفريق DeepSeek.
تنافسية
يقول خبير أسواق المال ورئيس قسم الأسواق العالمية في شركة Cedra Markets، جو يرق، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن قطاع الذكاء الاصطناعي يشهد تنافساً متزايداً؛ ذلك أن التطورات الأخيرة، مثل منتج DeepSeek، توفر حلولاً بتكلفة أقل بنسبة تصل إلى 15 مرة، مع ميزات منافسة لتقنيات مثل ChatGPT وربما حتى ميزات إضافية أكثر تطوراً.
ويوضح يرق أن دخول لاعبين جدد في هذا المجال يعزز التنافسية، مما يخلق فرصاً للمستثمرين، مؤكداً أن الأسواق تترقب كيف ستتفاعل مع هذه الابتكارات (..)، مشيراً إلى أن الأسواق الأميركية لا تزال تشهد سيولة مرتفعة، مما يدفع المستثمرين إلى استراتيجية "الشراء عند التراجع"، حيث يتم اقتناص الفرص عند أي انخفاض في الأسعار، ما يسهم في تعزيز المسار الصعودي للأسهم.
أما فيما يتعلق بالعوامل السياسية ذات الصلة، فيلفت إلى أن الأسواق تتابع عن كثب أي تصريحات أو تحركات من الرئيس دونالد ترامب، خاصة فيما يتعلق بالتعرفات الجمركية على الصين أو التشديدات الرقابية، والتي قد تؤثر على استقرار الأسواق. ومع ذلك، يرى أن الأسهم لا تزال منتعشة، وتوفر فرصاً استثمارية كبيرة، لا سيما في ظل مراقبة قرارات الفيدرالي وتأثيرها على المسار المستقبلي للأسواق المالية.