هل يخرج اقتصاد اليابان من سباته الطويل برفع أسعار الفائدة؟
15:26 - 25 يناير 2025بعد سنوات من السياسات النقدية التيسيرية، قرر بنك اليابان أخيراً تغيير مساره ورفع أسعار الفائدة. هذا القرار، الذي يصفه خبراء بالجريء، يهدف إلى تحقيق توازن بين مكافحة التضخم ودعم النمو الاقتصادي.
ولكن هل سيحقق هذا الهدف؟ وكيف ستؤثر هذه السياسة الجديدة على حياة المواطن الياباني الذي يفضل الادخار على الإنفاق والرفاهية في ظل ظاهرة ثبات الأسعار التي كانت سائدة في البلاد لعقود؟ هل سيجد المستهلك نفسه أمام فواتير مرتفعة وأسعار أعلى للسلع والخدمات؟ أم أن هذا القرار سيساهم في استقرار الأسعار وتحسين القوة الشرائية للمواطن؟
رفع بنك اليابان أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس الجمعة إلى 0.5 بالمئة، ليصل سعر الفائدة إلى أعلى مستوى منذ عام 2008، حيث يسعى إلى تطبيع سياسته النقدية وسط مؤشرات على استمرار التضخم وارتفاع الأجور، بحسب تقرير نشرته شبكة "سي إن بي سي" واطلعت عليه سكاي نيوز عربية.
وعقب القرار، ارتفع الين الياباني بنسبة 0.6 بالمئة ليتداول عند 155.12 مقابل الدولار، في حين ارتفع مؤشر نيكاي 225 القياسي للبلاد بشكل طفيف، وارتفع العائد على سندات الحكومة اليابانية لأجل 10 سنوات بمقدار 2.5 نقطة أساس إلى 1.23 بالمئة.
وكان بنك اليابان صرح منذ فترة طويلة بأن "الدورة الفاضلة، حيث تعمل الرواتب الأعلى على تغذية نمو الأسعار، ضرورية لرفع أسعار الفائدة بالتأكيد".
الأجور في دائرة الاهتمام
وقال نائب محافظ بنك اليابان ريوزو هيمينو في خطاب ألقاه أمام قادة الأعمال في 14 يناير "إن بنك اليابان سيراقب عن كثب مفاوضات الأجور، وعبر عن أمله في أن يرى "زيادات قوية في الأجور في السنة المالية 2025".
وأشار البنك المركزي في بيانه الصادر الجمعة، إلى وجود "آراء عديدة عبرت عنها الشركات تفيد بأنها ستواصل رفع الأجور بشكل مطرد في مفاوضات الأجور الربيعية السنوية بين العمال والإدارة هذا العام، بعد الزيادات القوية في الأجور العام الماضي، بسبب تحسن أرباح الشركات وسوق العمل الضيقة".
وقال رئيس اتحاد النقابات العمالية الياباني - رينغو - إن الزيادات السنوية في الأجور هذا العام يجب أن تتجاوز 5.1٪ بالمئة التي تم تأمينها العام الماضي لأن الأجور الحقيقية تستمر في الانخفاض.
وأظهرت أرقام مؤشر أسعار المستهلك أن التضخم الرئيسي بلغ أعلى مستوياته منذ يناير 2023 عند 3.6 بالمئة على أساس سنوي في ديسمبر. وارتفع التضخم الأساسي إلى أعلى مستوى له في 16 شهراً عند 3 بالمئة.
توقع بنك اليابان أن يكون معدل التضخم الرئيسي على الأرجح عند حوالي 2.5 بالمئة للسنة المالية المنتهية في مارس 2026، بسبب عوامل مثل ارتفاع أسعار الواردات الناجمة عن انخفاض قيمة الين.
هل هناك المزيد من زيادات الأسعار؟
بدوره، قال فينسنت تشونغ، مدير المحفظة المشارك لاستراتيجية سندات الدخل المتنوع في تي رو برايس في مذكرة: "إن زيادة الأسعار ستتبعها سلسلة من الزيادات التدريجية، مما قد يؤدي إلى رفع سعر الفائدة إلى 1بالمئة بحلول نهاية العام، إن سعر الفائدة قد يتجاوز 1بالمئة، حيث أن هذا أقرب إلى الطرف الأدنى من نطاق أسعار الفائدة المحايدة لبنك اليابان".
وكان عضو مجلس إدارة بنك اليابان ناوكي تامورا قد قال في سبتمبر الماضي: "إن المعدل المحايد سيكون حوالي 1بالمئة على الأقل، على الرغم من أن بنك اليابان ليس لديه توقعات رسمية لمعدل محايد".
وأشار تشونغ إلى أنه في حين أشار المسؤولون اليابانيون إلى أن تقلب الين كان كبيرا، فإن أي تدخل كبير في العملة على غرار العام الماضي يبدو غير مرجح. وقد بلغ الين في يوليو الماضي، أضعف مستوياته مقابل الدولار منذ عام 1986، حيث وصل إلى 161.96.
لا تأثير ملحوظ على المستهلك
في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" قال الخبير الاقتصادي والمالي علي حمودي: "إن رفع بنك اليابان لأسعار الفائدة إلى أعلى مستوياتها منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008، يؤكد ثقته في أن ارتفاع الأجور سيحافظ على استقرار التضخم حول هدفه البالغ 2 بالمئة"، مشيراً إلى أن 0.5 بالمئة، وهو مستوى لم تشهده اليابان منذ 17 عاماً.
وأضاف: "لا يزال من المتوقع أن ينمو الاقتصاد الياباني بنسبة 1.2 إلى 1.5بالمئة في عام 2025، ربما كان الارتفاع متوقعاً، ولكن فيما يبدو أنه المرة الأولى منذ فترة طويلة جداً، لم تكن هناك تخفيضات كبيرة في التوقعات الاقتصادية، لذلك أرجح أن هذا الارتفاع لن يكون له أي تأثير ملحوظ على المستهلك الياباني".
وهذا يبقي الباب مفتوحاً على زيادة أخرى بمقدار 25 (نقطة أساس) بحلول نهاية العام، وأن تظل الأسعار عند 0.75 بالمئة، بحسب حمودي الذي استبعد أن يرفع بنك اليابان سعر الفائدة إلى ما هو أبعد من 1بالمئة في المستقبل المنظور، ولكن مثل بقية العديد من البلدان في جميع أنحاء العالم، فإن المجهول الأعظم بالنسبة لليابان والاقتصاد الدولي هو ما سيفعله الرئيس الأميركي دونالد ترامب فيما يتعلق بالتعريفات الجمركية.
وأشار إلى أن التعريفات الجمركية الأمريكية ستؤدي حتماً إلى ردود انتقامية، وستعيق مثل هذه التعريفات الصادرات اليابانية وتقلل من أرباح الشركات. ولن ترتفع الأسعار في اليابان ما لم ترد الحكومة اليابانية.
ومن هنا يرى الخبير الاقتصادي والمالي حمودي أن "مثل هذه الشكوك الوشيكة تشكل أكبر تهديد للتوسع الاقتصادي المستدام. وستستجيب الأسر والشركات بالامتناع عن أي إنفاق غير ضروري، في انتظار علامات الاستقرار قبل استئناف الإنفاق الذي يشكل جوهر الاقتصاد المستدام.
كما يرى حمودي أن الحكومة اليابانية لديها قدرة محدودة على طمأنة الأسر والشركات أو التعويض عن الاضطرابات الخارجية، وشدد على ضرورة أن تفعل كل ما في وسعها لضمان عدم إضافة المزيد من الصعوبات في الداخل.
نظرة إيجابية نحو النمو الاقتصادي
من جهته، قال الخبير الاقتصادي والمالي حسين القمزي في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "رفع بنك اليابان أسعار الفائدة يعكس تحركاً استراتيجياً نحو تطبيع السياسة الاقتصادية، في خطوة تعبر عن ثقة البنك المركزي الياباني في تحقيق استقرار التضخم حول هدفه البالغ 2 بالمئة، مدعوماً بزيادة الأجور".
هذا القرار يشير إلى نظرة إيجابية نحو النمو الاقتصادي في اليابان، حيث يتوقع أن يؤدي إلى تحسن في مستويات التضخم والأجور، بحسب تعبيره.
وأضاف القمزي: "صحيح أن المستهلكين قد يواجهون ارتفاعاً في تكاليف الاقتراض، مثل القروض والرهونات العقارية، مما يزيد من الأعباء المالية على الأسر، ولكن من ناحية أخرى، يمكن لقوة الين الناتجة عن رفع الفائدة أن تخفض تكاليف السلع المستوردة، مما يعزز القوة الشرائية للأسر".
إلى جانب ذلك، يعتمد بنك اليابان على زيادات الأجور الشاملة، مما يعكس تحسناً محتملاً في ظروف العمل وزيادة دخل الأسر، الأمر الذي قد يخلق توازناً إيجابياً بين هذه العوامل، طبقاً لما قاله الخبير الاقتصادي والمالي القمزي.