عوامل مركبة تعيد رسم خريطة النفط العالمية
04:53 - 07 مايو 2025
منذ عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، دخلت أسواق الطاقة العالمية مرحلة جديدة من التوتر والتقلب، فرفع القيود عن إنتاج النفط الأميركي تحت شعار "احفر يا عزيزي احفر"، لم يكن مجرد وعد انتخابي، بل أصبح سياسة واقعية قلبت معادلات العرض والطلب، وألقت بظلالها على السوق العالمية التي خسر أكثر من 17 بالمئة من قيمتها منذ بداية العام 2025.
كما أن قرارات ترامب التصعيدية، وفي مقدمتها الحروب التجارية مع الصين، فجّرت أزمة ثقة في الأسواق، كذلك أثرت سلباً على معدلات النمو العالمي، وزادت من ضبابية مستقبل الطلب على الطاقة. وكل هذا تزامن مع تباطؤ اقتصادي واضح في الصين، الشريك الأكبر في استهلاك النفط، ما أسهم في زيادة الضغوط على الأسعار.
ومع دخول أوبك على الخط، ومحاولتها ضبط الإمدادات، في سياق دورها الهادف لتوازن واستقرار السوق، تبزغ تساؤلات حول طبيعة الأسعار -في ضوء تلك المتغيرات المتسارعة- على المديين القصير والمتوسط بشكل خاص.
في ظل هذا المشهد المعقد، تبرز تساؤلات جوهرية: هل نحن أمام نهاية عصر النفط؟ أم أن العالم لم يستعد بعد فعلاً للتخلي عنه خاصة بعد أزمة انقطاع التيار الكهربائي التي أظلمت ليل إسبانيا والبرتغال لسعات طوال؟ وهل لا تزال الطاقة ورقة تفاوض سياسية بين واشنطن وبكين؟
- سجلت أسعار النفط خسائر بنحو 17 بالمئة منذ مطلع العام الجاري.
- تفاقمت الضغوط على أسعار النفط مع إعلان ترامب عن فرض رسوم جمركية على سلع مستوردة، خاصة من الصين.
- تزايدت الشكوك في قدرة الاقتصاد العالمي على الحفاظ على وتيرة نموه في ظل هذه الحمائية التجارية، ما انعكس سلباً على توقعات الطلب على الطاقة.
- تباطؤ وتيرة النمو الاقتصادي في الصين، أحد أكبر مستهلكي الطاقة في العالم، أسهم في تقليل الطلب العالمي على النفط، ما زاد من الضغط على الأسعار.
توقعات متضاربة
في خضم هذه التقلبات، قامت مؤسسات مالية كبرى بمراجعة توقعاتها لأسعار النفط خلال العام الجاري والسنوات القادمة. إذ خفَّض كل من غولدمان ساكس ومورغان ستانلي توقعاتهما لسعر خام برنت القياسي، فتوقع الأول أن يبلغ متوسط السعر 60 دولاراً للبرميل في عام 2025 وينخفض إلى 56 دولارًا بحلول العام 2026.
أما مورغان ستانلي فكان أكثر تحفظاً، متوقعًا سعرًا يبلغ 56 دولارًا للبرميل لكلا العامين. في المقابل، أظهر بنك باركليز رؤية أكثر تفاؤلاً، حيث توقع أن يصل متوسط سعر برنت إلى 70 دولاراً هذا العام وينخفض بشكل طفيف إلى 62 دولاراً في العام التالي، ما يعكس حالة من عدم اليقين بشأن المسار المستقبلي لأسواق النفط.
أوبك بلس.. استراتيجية جديدة
خلال حديثه مع برنامج "بزنس مع لبنى" على "سكاي نيوز عربية"، يقدم الخبير المتخصص في أسواق النفط والطاقة لدى شركة أرجوس، بشار الحلبي، تحليلا لقرار لمجموعة "أوبك+" بتسريع وتيرة زيادة الإنتاج، بعد اتفاق 8 دول على تسريع الإنتاج لشهر يونيو بمقدار 411 ألف برميل يومياً، مشيراً إلى أن هذا القرار، الذي جاء بمثابة مفاجأة نسبية للأسواق، يعكس جملة من العوامل المباشرة وغير المباشرة التي دفعت المنظمة إلى اتخاذ هذه الخطوة في وقت تشهد فيه أسعار النفط أدنى مستوياتها في أربع سنوات.
يوضح الحلبي أن الأسباب المباشرة وراء قرار "أوبك+" بتسريع الإنتاج تكمن في المقام الأول في حالة الاحتقان الداخلي بين الدول الأعضاء. فهناك دول أعضاء، وعلى رأسها الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والكويت، تلتزم بشكل صارم بالحصص الإنتاجية المحددة لها منذ بداية تطبيق الاقتطاعات.
في المقابل، تواجه دول أخرى صعوبات في الالتزام، سواء لعدم رغبتها في ذلك أو لظروف قاهرة تحد من قدرتها على الامتثال. وعلى سبيل المثال – كما يقول الحلبي - يواجه العراق تحديات في الالتزام بحصته الإنتاجية، بينما تجد كازاخستان صعوبة في ذلك أيضاً بسبب التزاماتها تجاه شركات أجنبية كبرى تستثمر بكثافة في قطاعها النفطي.
ويلفت بشار الحلبي إلى أن الثماني دول الأعضاء (السعودية وروسيا والإمارات والكويت والعراق والجزائر وعُمان وكازاخستان) ترى أن تسريع الإنتاج وعودة هذه الاقتطاعات هو أفضل وسيلة لتخفيف هذا الاحتقان ومكافأة الدول الملتزمة، بالإضافة إلى منح الدول غير الملتزمة فرصة لإظهار حسن النية وتعويض فائض إنتاجها في الأشهر المقبلة مع زيادة حصصها.
ويشير الحلبي إلى عامل موسمي مهم، وهو دخول فصل الصيف الذي يشهد عادة زيادة في الطلب على النفط، خاصة في النصف الغربي من الكرة الأرضية مع موسم العطلات والقيادة، وحتى في منطقة الخليج مع ارتفاع الطلب على الكهرباء لتشغيل أجهزة التكييف التي تعتمد جزئياً على حرق النفط. وهذا الطلب المتزايد سيساعد في استيعاب الكميات الإضافية التي ستعود إلى الأسواق دون إحداث صدمة سعرية كبيرة.
نهج مرن لتقييم الأوضاع
وحول التوجهات المستقبلية لمنظمة "أوبك+"، يؤكد الحلبي أنه لا يوجد حتى الآن قرار واضح بشأن الخطوات اللاحقة، وأن المنظمة تتبنى نهجاً مرناً يعتمد على تقييم الأوضاع السوقية بشكل شهري. ويرجح استمرار المنظمة في سياستها الحالية المتمثلة في إدارة المعروض.
إلا أن الحلبي يحذر من أن استمرار عودة 2.2 مليون برميل إلى السوق دفعة واحدة قد يشكل مخاطرة في ظل حالة عدم اليقين الاقتصادي والسياسي العالمية، ما قد يستدعي الحاجة إلى إعادة تقييم هذه السياسة وتجميد جزء من عودة الإنتاج في مراحل لاحقة.
ويتطرق الخبير المتخصص في أسواق النفط والطاقة لدى شركة أرجوس، إلى الحديث عن الزيارة المرتقبة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لمنطقة الخليج، موضحاً أن ملف الطاقة سيكون في صدارة أجندة مباحثاته مع قادة المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة. ففي أعقاب التراجع الأخير في أسعار النفط، الذي يبدو أنه يتماشى مع رغبة ترامب في خفض تكلفة الطاقة للمستهلكين الأميركيين، يواجه الرئيس الأميركي معضلة في الموازنة بين هذا الهدف وبين طموحات إدارته لتحقيق "الهيمنة في مجال الطاقة" من خلال زيادة الإنتاج المحلي.
ويرى الحلبي أن التوفيق بين هذين الهدفين قد يكون صعباً، حيث إن زيادة الإنتاج الأميركي بشكل كبير قد يؤدي إلى مزيد من الضغط على الأسعار، ما قد يقلل من جاذبية الاستثمارات في قطاع الطاقة الأميركي.
أزمة الكهرباء الأوروبية.. إنذار مبكر
وفي السياق ذاته، سلط اللقاء الضوء على أزمة انقطاع التيار الكهربائي المفاجئ التي اجتاحت مناطق واسعة في إسبانيا والبرتغال وفرنسا، ما كان له دلالات على مستقبل الطاقة وأسعارها:
- شكوك حول مدى جاهزية البنية التحتية العالمية للتحول السريع نحو مصادر الطاقة المتجددة.
- الانهيار المفاجئ في الشبكة الكهربائية الأوروبية كان نتيجة للاعتماد المتزايد على الطاقة المتجددة دون استثمارات موازية وكافية في تطوير وتحديث البنية التحتية القادرة على استيعاب تقلبات هذه المصادر.
- المشكلة ليست حصرية بأوروبا، بل تمثل تحدياً عالمياً، حيث يحتاج العالم إلى استثمارات ضخمة لتحديث أكثر شبكات الكهرباء، وهو ما يعادل ثلاثة أضعاف الإنفاق الحالي.
- هذه الأزمة بمثابة جرس إنذار يؤكد أن العالم ليس مستعدًا بعد للتخلي بشكل كامل وسريع عن مصادر الطاقة التقليدية.
حالة من الضبابية تخيم على التوقعات
وفي ختام حديثه، يتطرق الحلبي، إلى حالة عدم اليقين التي تخيم على الأسواق العالمية نتيجة للحروب التجارية والتوترات الاقتصادية المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين وغيرها من القوى الاقتصادية الكبرى.
ويوضح أن التباطؤ في نمو الطلب العالمي على النفط، والذي جاء أقل من التوقعات الأولية، بالإضافة إلى التغيرات المفاجئة في السياسات الاقتصادية العالمية التي أحدثها وصول ترامب إلى السلطة وإطلاقه لحربه التجارية، أدت إلى مراجعة جذرية لتوقعات النمو الاقتصادي العالمي. وقد تم بالفعل تخفيض هذه التوقعات من قبل مؤسسات دولية كبرى مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، في ظل استمرار حالة الغموض بشأن مستقبل العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين وإمكانية التوصل إلى حلول توافقية في هذا الصراع الاقتصادي المتصاعد.
ورغم هذه التحديات، يعبر عن اعتقاده بإمكانية التوصل إلى اتفاق تجاري بين أميركا والصين في نهاية المطاف، نظرًا لحجم التبادل التجاري الهائل بينهما وخبرة الصين المتراكمة في التعامل مع السياسات الاقتصادية للرئيس ترامب خلال ولايته الأولى.