في سوريا.. سعر الدولار أعلى في المصرف المركزي! ما الأسباب؟
15:05 - 06 فبراير 2025في مشهد اقتصادي يكتنفه الغموض ويثير الحيرة، تقف الليرة السورية أمام مفارقة نادرة الحدوث: سعر صرفها الرسمي أعلى من قيمتها في السوق الموازية.
ورغم الانهيارات المتتالية التي عصفت بالعملة الوطنية منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في 2011، فإن التطورات الأخيرة تكشف عن ظواهر غير مألوفة في سياسات سعر الصرف، حيث يتراجع الدولار في السوق السوداء إلى مستويات أقل من السعر المحدد من قبل المصرف المركزي. مشهد لا ينسجم مع أبجديات علم الاقتصاد ولا مع منطق العرض والطلب المعتاد.
هذا التباين بين السعرين الرسمي والموازي يفتح الباب أمام تساؤلات ملحة حول حقيقة ما يجري: هل يعكس هذا التغير تحسناً اقتصادياً حقيقياً أم مجرد انتعاش وهمي مدفوع بسياسات نقدية غير مستدامة؟ وما الدور الذي يلعبه المصرف المركزي السوري في رسم هذه المعادلة غير المتوازنة؟ وهل يمكن لهذا الواقع الجديد أن يصمد أمام التحديات العميقة التي تواجه الاقتصاد السوري المنهك؟
وأرجع خبراء اقتصاد التباين بين السعرين الرسمي والموازي إلى جملة من الأسباب أبرزها:
- مضاربات السوق الموازية.
- السياسات النقدية للمصرف المركزي.
- لجوء البنك المركزي السوري لسحب الليرة من الأسواق بهدف تأمين الزيادات اللي أعلنت عنها الحكومة الانتقالية في أجور الموظفين بنسبة 400 بالمئة
- الانفراجات السياسية والتي من الطبيعي أن تمهد إلى انفراجات اقتصادية
- التأخير في صَرْف رواتب نحو مليون موظف حكومي
- عودة عشرات الآلاف من المغتربين السوريين بكميات كبيرة من الدولارات
- تراجع الطلب على الدولار من المستوردين.
شهدت الليرة السورية، منذ عام 2011، تحولات جذرية في قيمتها مقابل الدولار الأميركي. فبعد أن كان سعر الصرف مستقراً نسبياً عند 47 إلى 50 ليرة للدولار الواحد في عام 2010، بدأت قيمة الليرة بالتراجع تدريجياً مع اندلاع الاحتجاجات الشعبية ضد نظام بشار الأسد المخلوع، وبحلول عام 2012، تراجع سعر الصرف إلى نحو 70 ليرة مقابل الدولار.
وقد تسارع هذا التدهور مع تزايد الضغوط الاقتصادية، وفرض العقوبات الغربية على النظام السوري السابق، وتفاقم المعارك وسيطرة تنظيمات مسلحة على مناطق استراتيجية. وبحلول عام 2019، وصل سعر الصرف إلى 1000 ليرة مقابل الدولار، ثم واصل الانهيار مع دخول قانون قيصر الأميركي حيز التنفيذ في منتصف عام 2020، والذي فرض عقوبات مشددة على الاقتصاد السوري، وفي نهاية عام 2023، وصل سعر الصرف إلى نحو 13 ألف ليرة للدولار في السوق السوداء.
ومع انهيار نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024 فقدت الليرة السورية 42 بالمئة من قيمتها مقابل الدولار الأميركي خلال يوم واحد، لتصل إلى مستويات تاريخية غير مسبوقة بلغت 22 ألف ليرة للدولار الواحد لكنها أظهرت مؤشرات تعاف مفاجئة خلال اليومين التاليين، لتسجل مستويات 16 ألف ليرة مقابل الدولار في أسواق دمشق، قبل أن تستقر عند 13 ألف ليرة في المعاملات التجارية، في أغلب المحافظات في الأسواق الموازية وكذلك في المركزي الذي حدد متوسط سعر عند 13000 ليرة مقابل الدولار.
لكن خلال هذا الأسبوع بدأت تعاني الليرة مع عدم استقرار سعر الصرف في السوق الموازية فبينما يبقى السعر في المصرف المركزي محدداً بـ 13 ألف ليرة مقابل الدولار، يشهد السوق عبثاً في سعر صرف الليرة بشكل فج حيث يتحسن سعر الصرف بشكل لافت لتصل قيمة الليرة بين 7500 و9500 ليرة مقابل الدولار، فما القصة؟
أسباب تذبذب الليرة
في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" قال الباحث الاقتصادي المختص بالشأن السوري عصام تيزيني: "إن التذبذب الكبير بسعر صرف الليرة السورية أمام العملات العالمية، يعود لأسباب عديدة ومتنوعة، وأعتقد أقلها تأثيراً في الحالة السورية الراهنة هي الناحية الاقتصادية، خصوصاً وأن الاقتصاد السوري هو تحت القاع بدرجات وقد عانى من جرائم فظيعة ارتكبت بحقه وآخرها جريمة نهب المصرف المركزي وإفراغه كلياً من النقد".
وأغلب الظن أن المحركين الأكثر تأثيراً في سعر صرف الليرة السورية في هذه الفترة هما السياسة والعسكرة فكلما جاءت الأخبار مريحة كلما ارتاحت الليرة وهذا ما يفسر التحسن الكبير في سعر صرفها في الأيام الأخيرة التي كانت مزدحمة بالأخبار السياسية المطمئنة بدءاً من الرفع الجزئي للعقوبات وليس انتهاء بالانفراجات السياسية الهائلة والتي من الطبيعي أن تمهد إلى انفراجات اقتصاديه قادمة، بحسب تعبيره.
ويرى تيزيني أن ما يقال عن حبس الليرة في البنوك ومنع السحوبات هو الذي جعلها تحقق هذه المكاسب الكبيرة فهذا فيه مبالغة بعض الشيء، خصوصاً وأن الأموال المحبوسة هي أموال مودعه في المصارف قبل التحرير وهي أموال أُجبر أصحابها على إيداعها من أجل تمويل مستوردات لتجار وصناعيين عبر المنصة أو من أجل إجراء معاملة تسجيل منزل أو سيارة أو غيرها، حيث كان النظام السابق يجبر الناس على إيداع أموالهم ويحبسها عليهم لأشهر عدة.
وأضاف: "أما بعد انهيار النظام فلا يوجد ايداعات ولا تعاملات ولا منصة ولا استيراد ولا تصدير إلا ما ندر وما الضجيج الذي نسمعه الآن من تدهور الاقتصاد وتراجع الإنتاج وتوقف المصانع فهذا كله ضجيج صادر عن أصحاب المال المحبوس في المصارف وهذا حقهم، ولكن علينا أن نقر بأنه عندما يعم الخير لابد من آثار جانبية سلبيه يصعب تفاديها.
السياسة تتحكم بسعر الصرف
وأشار الباحث المختص بالشأن السوري إلى أن السياسة النقدية التي يتبعها المديرون الجدد حكيمة وسليمة ومطلوبة منذ زمن خصوصاً لجهة تحرير العملة السورية وعدم تجريم التعامل بغيرها خصوصا وأن السوريين كانوا يلجؤون إلى الدولار خوفاً على أموالهم، ولكن بعد سقوط النظام السابق صار الدولار سلعة كغيره من السلع متوفرة وبوفرة معروضة على البسطات والجميع يستطيع الحصول عليها وهذا من حسنات السياسة النقدية المتبعة.
ويرى أن محافظة المصرف المركزي على سعر رسمي ثابت لليرة والذي لايزال بعيدا ًعن سعر السوق السوداء هو دلالة على أنه لا يريد أن يحدث صدمة بتحسن الليرة كي لا يتضرر من يدخر الدولار، وختم بأن "السياسة اللاعب الأكبر والمتحكم بسعر الصرف هذه الأيام وليس الاقتصاد، فلا سياسة نقدية ولا سياسة اقتصاديه قادرة على مجاراة هذا التحسن والانفتاح السياسي على سوريا ذلك الانفتاح الذي حتما سيكون مفتاح الانفراج الاقتصادي القادم".
سيناريوهات غير مكتملة الحبكة
قال الخبير الاقتصادي السوري، الدكتور عماد الدين المصبح، أستاذ الاقتصاد في كليات الشرق العربي في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "الحقيقة، موضوع التغيرات الدراماتيكية في سعر صرف الليرة السورية غير واضحة الأسباب. لا يمكن تفسير هذه التغيرات باستخدام المنطق الاقتصادي ولا حتى الإجرائي فيما يتعلق بالسياسة النقدية".
وأوضح الدكتور المصبح أن "البنك المركزي السوري يقف متفرجاً على ما يجري، فلا هو يبيع ولا هو يشتري، أي أنه يتخذ موقف الحياد السلبي تجاه العملة الوطنية التي من المفروض أن مهمته الأساسية المحافظة على استقرار قيمتها (قوتها الشرائية المحلية) وسعر صرفها مقابل العملات الرئيسية.
وأضاف الخبير الاقتصادي السوري: "ما يجري الحديث عنه من قبل مختلف الأطراف خارج البنك المركزي (سوق الصرافة الرسمية وغير الرسمية) عبارة عن سيناريوهات غير مكتملة الحبكة، لا نستطيع الاعتماد عليها لتبرير ما يجري. بشكل محدد، يجري الحديث عن أن فلول النظام السابق تتلاعب بعرض الليرة السورية من أجل أن تهرب أموالها الدولارية. لكن هذا السيناريو غير مكتمل ولا يسمن ولا يغني من جوع، ويبقى الترقب سيد المشهد. ومن قال لا أعلم فقد أفتى".
توافر الدولار والمضاربة في السوق الموازية
بدوره، يرى الصحفي السوري المختص بالشأن الاقتصادي فؤاد عبد العزيز، في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن هناك مضاربة كبيرة في السوق الموازية تدفع سعر الصرف الرسمي أعلى بكثير من السوق الموازي، وأشار أن هذا الأمر ظهر خصوصاً بعد حكم الإدارة الجديدة للبلاد، وسماحها التعامل بالدولار بشكل علني، خلافاً لتعليمات النظام السابق، وهو ما سمح لمن كانوا يكتنزون مخزون من الدولار في الفترات السابقة إلى إخراجه والعمل به في سوق الصرف.
وأضاف: " وإلى جانب ذلك، ومنذ سقوط النظام السابق في 8 ديسمبر 2024، عاد آلاف السوريين القادمين من أوروبا وتركيا ودول الخليج، وهؤلاء جلبوا معهم عملات صعبة، وقاموا بتصريفها في السوق الموازية".
وأوضح أن المصرف المركزي السوري لعب دوراً كبيراً في هذا الفلتان التي تشهده الليرة السورية، كونه لا يبيع ولا يشتري الدولار، حتى وفق نشرة الأسعار الرسمية التي حددها، وهو ما سمح للسوق الموازية أن تتحكم بسعر الصرف، صعوداً وهبوطا، وفقا لنظرية العرض والطلب.
وهناك من يحمل المسؤولية للمصرف المركزي، من خلال أنه هو من يتحكم بحجم السيولة من الليرة السورية الموجودة في الأسواق ، كونه أصدر قرارات تحدد حجم السحب من إيداعات المودعين ، وهو صحيح إلى حد كبير، لكن هذا بنفس الوقت يطرح تساؤل عن واقع السيولة الموجودة في المصرف ، لأنه حتى اليوم وبعد مرور نحو شهرين على حكم الإدارة الجديدة على البلاد لم يتم الكشف عن حجم هذه السيولة من الليرة السورية ، وسط الكثير من المعلومات التي تتحدث عن أن أركان النظام السابق قاموا بسرقة كميات كبيرة من الليرة قبل هروبهم من سوريا ، وفقاً لعبد العزيز.